الترجمة السادسة عشرة : شذرات من حياة بعض أعلام موريتانيا…/ د. أحمدو ولد آكاه

نواكشوط 25فبراير 2021 ( الهدهد. م .ص)

الشيخ سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي:
نسبه: هو أبو محمد سيدي الحاج عبد الله بن أبي بكر بن أبي الحسن معاذ (ابدهس) بن سيدي يحيى جد قبيلة “تنواجيو”، ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ.
نشأته:
لا ندري بالضبط متى ولد هذا الشيخ إلا أننا نلاحظ أنه نشأ في بيت علم وزهد منقطع النظير، فقرأ القرآن على والده وتلقى مبادئ العلوم الشرعية واللغوية.
وتحكي الرواية أن جده “سيدي يحيى” كان ينتسب للعلويين وقد هاجر من المغرب؛ لأن بعض محبيه والمعجبين به من مقربيه عرضوا عليه تولي الإمارة وألحوا عليه فرفض رفضا قاطعا قائلا: “إن الإمارة شجرة لا تعيش ولا تنبت إلا بالدم، ولا أريد أن أريق دم مسلم”، ثم أجمع أمره مهاجرا إلى بلاد الصحراء، وهذا يدل على ورعه وزهده في الدنيا.
دراسته وتعلمه:
من المفترض أن يكون “سيدي عبد الله” تعلم جل المعارف الموجودة في بلده كما هي عادة العلماء قبل أن يرتحل في طلب العلم خارج البلاد، حيث تحمل أعباء السفر إلى بلاد “سجلماسة” حيث أقام هناك مع الشيخ “سيدي أحمد الحبيب السجلماسي اللمطي”. ويقول البرتلي إنه “قرأ عليه القراءات السبع بل أزيد من السبع، ولا أدري هل قرأ بالقراءات العشر فقط أم بأزيد من منها، وقرأ كثيرا من الفنون والفقه والنحو وغيرهما، وأتى بخزانة نفيسة. وقد أخذ التنواجيوي فيما أخذ عن السجلماسي الطريقة الشاذلية الناصرية.
مكانته العلمية والصوفية:
من المهم أن نشير إلى أن التنواجيوي كان ذا تأثير بالغ على مجتمعه، وأنه يتمتع بقيمة علمية وأخلاقية رفيعة، فقد نوه به كل من ترجم له فهو “الشيخ الإمام الفقيه المقرئ النحوي اللغوي المتفنن العالم العلامة وحيد دهره، وفريد عصره، حامل لواء السبع… أحد الأعلام المشهورين، والأئمة المذكورين، جد في طلب العلم فبلغ الغاية القصوى…
كان رحمه الله تعالى إماما جليلا… محييا للسنة مميتا للبدعة جامعا لعدة علوم، منها القرآن والحديث والفقه والعربية وغير ذلك… ما رأيت أحسن نقلا ولا أكثر اطلاعا على المسائل منه…
وجد الناس يلحنون في القراءة ويصحفون في الحروف، فأزال اللحن والتصحيف عنهم، ولاسيما مسألة الجيم المشهورة، وصحح القرآن وجوده عليه، وقصده الناس وانتفعوا به… انتهت إليه رياسة الإقراء ببلاد التكرور في زمانه وبعد صيته”.
وتمر أغلب الإجازات القرآنية الشنقيطية بهذا الشيخ واصفة إياه بأنه: “الجامع بين الشريعة والحقيقة”.
ولعله كان من أهل التربية وعلم إصلاح القلوب والاهتمام بذلك، وإن كان نبذه للبدعة وإلمامه بالتفسير والحديث سيعطيه حصانة ضد الشطحات التي يعاب بها بعض أشياخ التربية.
وقد رحل “سيدي عبد الله” إلى الحج، يقول ولد حامد: “وفي صدر القرن الهجري الثاني عشر حج “سيدي عبد الله بن سيدي أبي بكر” شيخ القرآن التنواجيوي وفي رجوعه مر بـ “سجلماسة “ولقي “سيدي احمد الحبيب” قطب سجلماسة.
تلامذته:
درس العديد من العلماء وطلاب العلم على “سيدي عبد الله” ولعل أبرز هؤلاء الطلبة: الطالب صالح التنواجيوي، والمختار بن عمر بن الحاج الطيب، والخضر وإلياس ابنا الفقيه محمد بن الحاج عثمان، وعمر بن محمد بوه الايلي، وسيدي أحمد بن موسى ابن إيكل الزيدي، وسيدي عبد الله بن رازكه العلوي.
وكان يحسن تدريس القرآن والشاطبية والخلاصة ومختصر خليل.
مؤلفاته:
لم يبلغنا من آثار “سيدي عبد الله” إلا:
– رسالته في الجيم المسماة: “النقل الصحيح السليم من التحريف في الصفة والمخرج للجيم” أكد فيها صحة الجيم المنعقدة.
– فتاويه وهي نوازل ذكرها صاحب فتح الشكور.
وفاته:
توفي ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 1145هـ ودفن في مقبرة “بلعكيلات” في الحوض الغربي على بعد 15 كلم تقريبا من مدينة “لعيون” إلى الناحية الشمالية الشرقية منها.
6- أبو بكر بن الحاج عيسى القلاوي الولاتي:
نسبه: هو أبو بكر أو بو بكر بن الحاج عيسى بن أبي هريرة القلاوي، يرجع نسبه إلى الأقلال الخارجين من “شنقيط” إلى ولاته.
مولده ونشأته: دراسته وشيوخه: ولد “أبو بكر” سنة 1075هـ في الوسط العلمي الولاتي المزدهر إذ ذاك، وعليه فمن المحتمل أن يكون توجه إلى الكتاتيب في طفولته الصغرى، وأن يكون تلقى أبجديات الثقافة الإسلامية والعربية؛ ليتم بعد ذلك معارفه كما هي عادة أضرابه.
دراسته وتصوفه:
أخذ “أبوبكر” الفقه عن الفقيه “الحاج عثمان المجاور” (ت 1121هـ) عن شيخ الشيوخ الفقيه “محمد بن أبي بكر بن الهاشمي القلاوي” عن “محمد بن المختاربن الأعمش العلوي”، ودرس المنطق حتى مهر فيه على الفقيه “سيدي محمد بن موسى بن ايجل الزيدي” (ت: 1117هـ).
وقد أم “القلاوي” بيت الله الحرام؛ ليحج سنة 1121هـ وصحب في سفره “سيدي أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي” وأخذ عنه الورد الشاذلي،وكان يشرب التبغ فأمره الشيخ بتركها، وكان هو يصلي بالشيخ في صحبته معه للحج، وبذلك يعتبر “أبو بكر” من الرواد الأوائل الذين جلبوا الشاذلية إلى الديار الشنقيطية.
تلامذته:
لقد كثر الآخذون عن “الشيخ أبي بكر” وانتفع به الناس، ومن أبرز تلامذته: الطالب الأمين بن الطالب الحبيب الحرشي، ومحمد بن علي الولاتي، والقاضي سنبير بن القاضي سيدي الوافي الأرواني، والبشير بن الحاج الهادي الإديلبي، والحسن بن الطالب أحمد ابن اعلي دقان، وأبو بكر بن عبد الله البرتلي. وكان من أهم المواد التي تدرس عليه مختصر خليل الذي برع في تدريسه.
مكانته العلمية والأخلاقية:
للشيخ مكانة عظمى في العلم والفضل، وقد سطر بعض ذلك “البرتلي” في فتح الشكور فذكر أنه يلقب: “مالك الصغير” لشدة ثباته في القضاء وتسديده، وجوابه في النازلة إذا سئل عنها من أصح الأجوبة وأخصرها وأحسنها.
وقد أطراه صاحب فتح الشكور أيضا قائلا إنه كان “من صدور العلماء ومفخرا من مفاخر الفقهاء قاضيا عادلا مسددا في أحكامه، صليبا في الحق، قائما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، لا يستحيي من الحق، أتاه يوما رئيس من رؤساء القبائل شاهدا على شيء فرد شهادته ولم يقبلها، وكان قوي القلب مقداما على الأمور العظام جسورا على الظلمة واللصوص مجاب الدعوة فيهم، يهابونه ويخضعون له ويطيعون له…”.
وفاته:
توفي رحمه الله في 5 شوال 1146هـ.

مقالات ذات صلة