عن الوفاء وقيم التداول على الحكم…/ الخليل النحوي
نواكشوط04 دجمبر2019 ( الهدهد .م. ص)
تختبئ خلف الحراك السياسي الراهن في موريتانيا قضايا جوهرية جديرة بأن تفحص وتدرس، في مقدمتها القيم المرجعية في العمل السياسي بما فيها قيمة الوفاء وقيم التداول على الحكم وإكراهاته. والحديث عن القيم ينبغي أن يتقدم على الحديث عن الأشخاص والأحزاب والدول، إلا في حدود ما يقتضيه ضرب المثل.
ما من شك في أن الوفاء قيمة خلقية سامية نحتاج إلى أن نتربى عليها، وخاصة في الحقل السياسي الملغوم بقيم الغدر والنكوص والخيانة والتنكر، والمطبوع في كثير من الحالات بالشطط في الولاء والبراء (بدلالتهما اللغوية لا بظلالهما الاصطلاحية).
من هذا الوجه، لا يمكن إلا أن نثمن لمن كان وليا لشخص ما في حال اليسر أن يكون وفيا له في حالي اليسر والعسر. لكننا بالمقابل نحتاج إلى أن نفرق بين نمطين من الولاء حتى نضبط مؤشر الوفاء في الاتجاه الصحيح.
هناك ولاء قيم ومبادئ وهناك ولاء مصالح ومنافع. وقد يجتمع النوعان فيكون ذلك شرعا وافق هوى، أو شهدا بالزبد، وتكون تلك أسمى حالات التلازم بين الولاء والوفاء. لكن ولاء القيم والمبادئ يكاد يكون كالكبريت الأحمر، والوفاء بشأنه – وإن انفرد – متعين، بل الأصل فيه أن يكون تحصيل حاصل، وإلا انتفت عنه صفة المبدئية. أما ولاء المصالح والمنافع، فمثله مثل زواج المتعة، له أجل معلوم عند من يقول به (والمالكية وجمهور أهل السنة ينكرونه أصلا). ومعظم ولاءاتنا هي – مع الأسف – من هذا النوع الثاني، والوفاء فيه – تجوزا – وفاء للمنفعة يدور معها حيث دارت. وقد يلتبس هذان النوعان على الساسة، فيظنون أن الباحث عن “رنة العود” باحث عن “ربة العود”، وأن الإعجاب بالفرس إعجاب بالفارس. وقد تنتج عن هذا الوهم صدمات أو توترات، ينبغي أن يجتهد الساسة في تجنبها.
أومن شخصيا بأهمية الوفاء، وقد قيل “إن اللـه ليسأل عن صحبة ساعة”. وأومن بأن مناط الوفاء ينبغي أن يكون حال الشخص لا ماله أو جاهه أو وضعه الوظيفي العابر، فإن من أحبك لشيء أبغضك لزواله. وأومن بأن للوفاء – كما لسائر القيم – ميزانا يوزن به، وضوابط تضبطه، فليس هو قيمة مجردة وإنما هو قيمة عملية تتنزل في أوضاع شتى وتتأثر بمنظومة قيم أخرى. وهو درجات، فما كان من الوفاء متعلقا بفرد لا يرقى إلى مستوى ما كان منه متعلقا بقضية أو بمجموعة أو بوطن أو بأمة، أحرى إذا تدافعت درجات الوفاء أو مراتبه.
لقد وضع الحراك السياسي الراهن بعمق قيمة الوفاء على المحك. وكان من المحبذ من الناحية النظرية أن نهلّل لتمسك بعض الحزبيين بمرجعية تمسكوا بها على مدى سنين، خاصة ونحن في بلد يصدق كثير من أبنائه مقولة أبي الفتح البستي:
الناس أعوان من والته دولته==وهم عليه إذا عادته أعوانُ
لكن تنزيل القيمة السامية في سياقها المخصوص يدعو لإنصاف هؤلاء، أحرى من لم تكن له سابقة ولاء، فإن من حسن الوفاء لأي رئيس سابق، أحرى إذا كان منصرفا في ظروف طبيعية أو شبه طبيعية، ألا يدفعه دافع – ولو بحسن نية – إلى محاولة الدخول من النافذة إن كان خرج من الباب خروجا مشرفا له وللبلد.
لا يمكن لأحد – بطبيعة الحال – أن ينكر على أي رئيس سابق حقه القانوني والشرعي في ممارسة السياسة بصفته مواطنا، لكن أعظم الأوفياء وفاء وأخلصهم نصحا هو من يقول له {فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}. لقد جربها قادة سابقون، أدركوا أن سمة “رئيس سابق” قد تكون أفضل بكثير من سمة “فاعل سياسي” في مناخ مشوش، فصانوا صورتهم أو رمَّموها بالصمت والاعتزال.
لقد التزم الرئيس المؤسس المختار ولد داداه – رحمه اللـه – الصمت نحو عقدين من الزمن، وحين أغرته وسيلة إعلام بالتحدث ودَّ محبُّوه والأوفياء له لو أنه لم يفعل، ولم يقترن حديثه بأي دخول مباشر في معترك التجاذبات السياسية. وحين ترك الرئيس المصطفى بن محمد السالك – رحمه اللـه – السلطة تنكب المعترك السياسي، وكذلك فعل الرئيس محمد محمود بن أحمد لولي رحمه اللـه. وحين خرج معاوية بن سيدي أحمد الطايع من السلطة بادر بالتكفير عن خرجة إعلامية متسرعة فدخل في صمت طويل استمر إلى اليوم، ولم يقطعه إلا بإصدار كتاب “نجاة العرب” الذي تنكب فيه الشأن السياسي المحلي العابر. وهكذا فعل الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد اللـه بعد تقديم استقالته، فقد لزم الصمت ولم يخرقه إلا ببيانين وجيزين دعا في أحدهما لاحترام الدستور – مع رفض التحدث إلى وسائل الإعلام – وكان ثانيهما رسالة موجزة وجهها إلى الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني، يوم تنصيبه، ثمن فيها الخطوط العريضة لبرنامجه ودعا له بالتوفيق في تطبيقه. ولئن حُمِد لهؤلاء الرؤساء السابقين عدم اقتحامهم المعترك السياسي بعد أن خرجوا منه، فلقد يُحمد لاثنين آخرين انخراطهما في حراك سياسي له مسوغاته، لكنه لم يفض إلى النتائج المباشرة التي كانت تتوخى منه. ولعل للفئتين ميراثا من القائد أبي بكر بن عمر في قصة تخليه عن عرش بلاد المغرب لصالح يوسف بن تاشفين. لقد دبرت المرأة الذكية الحكيمة زينب النفزاوية لزوجها الجديد يوسف بن تاشفين حيلة ذكية حين قالت له، وقد أهمه رجوع قائده أبي بكر إلى مراكش: “إن ابن عمك لا يحب سفك الدماء، فإذا لقيته فاترك ما كان يعهده منك من الأدب والتواضع معه، وأظهر أثر الترفع والاستبداد، حتى كأنك مساو له، ثم لاطفه مع ذلك بالهدايا”. وكان أن آثر أبو بكر الانسحاب وترك ابن عمه وشأنه، فكان في ذلك سلفا لرؤسائنا الخمسة الذين سلكوا نفس النهج بانسحابهم من المعترك السياسي. لكن أبا بكر وجه ليوسف – قبل انسحابه – نصيحة قال له فيها: “اتق الله في المسلمين، وأعتقني وأعتق نفسك من النار، ولا تضيع من أمور رعيتك شيئا؛ فإنك مسؤول عنه، واللـه يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك، وهو خليفتي عليك وعليهم”. وكان أبو بكر في نصيحته هذه سلفا لاثنين من رؤسائنا السابقين (اعلي بن محمد فال رحمه اللـه ومحمد خونا بن هيداله حفظه اللـه)، دخلا المعترك بما اعتبراه نصحا وخدمة للوطن. لكن المحصلة العامة هي أن أيا من هؤلاء الرؤساء السابقين لم يستعد زمام السلطة بعد أن أفلت منه، بالرغم مما راكموا من تجربة وعلى ما كان لهم من أشياع وعلى ما قوبلوا به أيام حكمهم من زغاريد وهتافات وخطب رنانة وقصائد طنانة.
قد لا يكون ذلك قانونا، ولكنه درس حري بالتأمل.
ولعل في أوضاع البلد الراهنة، وفي الحاجة الماسة إلى تهدئة المناخ السياسي وإلى تمكين الرئيس المنتخب من أداء مهماته بسلاسة، فضلا عن كثير من دروس التاريخ، ما يقتضي ألا يشوش السابق على اللاحق، وألا يضيق السلف ذرعا بأي خطوة إصلاح يقوم بها الخلف حتى وإن اقتضى ذلك نقض جدار أو ترميم طريق.
في جوارنا، انسحب الرئيس السنغالي الأول ليبولد سدار سنغور من السلطة ليتسلمها عضو عائلته السياسية ورئيس وزرائه لمدة عشر سنوات، عبدو جوف. همس سنغور في أذن خلفه بنصيحة تتعلق بمن يخلفه في الوزارة الأولى، لكن عبدو جوف الوفي لسنغور اعتبر النصيحة وجيهة، وخالفها في الوقت ذاته لكي يمارس حقه الدستوري كاملا، ولكيلا يظن السنغاليون أن البلد محكوم برأسين، أو يظن سنغور نفسه أنه ما زال رئيسا. ولم تمض ثلاثة أشهر حتى قدم عبدو جوف لمجلس النواب قانون انفتاح سياسي، ينقض ما كان عليه العمل أيام سلفه، وبدأ سلسلة من الإجراءات لنزع الطابع الشخصي السنغوري عن الحزب الحاكم وعن الإدارة السنغالية، في حملة عرفت بـ ” la désenghorisation”، كل ذلك بالرغم من أن سنغور اختار عبدو جوف وزيرا أول، ثم عهد إليه بخلافته في رئاسة الجمهورية، وبالرغم من الإرث السياسي الكبير للرئيس المغادر، فقد كان منظرا للزنوجة ومؤسسا للدولة وأديبا مشهورا، وهو من أسس الحزب الحاكم في عهد الاستعمار (1948)، وفق رؤية سياسية ذات امتدادات دولية، وظل يقوده على مدى 33 عاما، تبدلت فيها أسماؤه وشهد اندماج تشكيلات سياسية عديدة، وكان الثابت الأساسي له رئيسه. لقد كان بإمكان سنغور أن يمتعض وأن يستغل ما له من رصيد شعبي في بلده ومن دعم خارجه ليؤدب خلفه، أو يشوش عليه، لكنه لم يفعل وإنما دخل معتكفه في قرية فرسون في جنوب غرب فرنسا وفي الأكاديمية الفرنسية. ولم يعدم عبدو جوف فرصا للتعبير عن وفائه له دون أن يكون ذلك على حساب ممارسته للسلطة ورؤيته لما يجب القيام به وسعيه للفصل بين الدولة ومؤسساتها وبين الأشخاص.
ولعل عبدو جوف استقوى بما هو معروف في تاريخ فرنسا التي استقر فيها سلفه من تقاليد في التداول على الحكم، من أبلغ أمثلتها ما وقع بعد استقالة ديغول، أشهر شخصية سياسية في فرنسا. لقد تلقى، أيام كان يقود معركة تحرير فرنسا، رسالة من شاب في الثلاثين من عمره يقول فيها إنه ليس لديه لا طموح ولا عبقرية، ولكنه يملك إرادة طيبة، طبعا لمساعدته. كان ذلك الشاب جورج بومبيدو الذي اختاره ديغول لاحقا مديرا لديوانه، ثم رئيسا لوزرائه، ومهد له بذلك السبيل ليكون خلفه في رئاسة الجمهورية. وبالرغم من عشرة في الحكم وفي السياسة امتدت أكثر من ربع قرن، لم يتردد بومبيدو حين تسلم الحكم في مخالفة ديغول في عدة قضايا تتعلق بالاقتصاد، والتربية، والوحدة الأوروبية، والعفو عن بعض الخصوم. لم يجد بومبيدو في ذلك ما يتعارض مع ديغوليته، ولم يؤثر عن ديغول أنه خرج من معتكفه في قريته الصغيرة (Colombey-les-Deux-Églises) ليستثمر في مواجهة خلفه رصيده السياسي بصفته محررا لفرنسا ومؤسسا لما يعرف بالجمهورية الخامسة وقائدا لتيار سياسي عريض يحمل اسمه (Le Gaullisme) نسلت منه عدة أحزاب سياسية تعتبر الفكر الديغولي مرجعا لها، وما زالت إلى اليوم مهيمنة في الغالب الأعم على الساحة السياسية الفرنسية، وإن بنكهة تداول سلس.
يحدث ذلك حتى في حال التداول بين الأب وابنه في الأنظمة الملكية، وبحسبنا أن نعود إلى جوارنا حيث تحكم المغرب ملكية عريقة في التاريخ. لقد طرح الحسن الثاني على والده محمد الخامس – رحمهما اللـه – سؤالا ذات يوم فحواه: “لنفرض أنكم قررتم زيارة مدينة ما فأخبرتم أن مليون شخص سيهتفون بحياتكم وأن عشرة آلاف سيقابلونكم بالصفير، ما عساكم تفعلون؟” أجاب محمد الخامس: “لن أذهب!”. ثم سأل ابنه: “وأنت؟”، فقال: “أما أنا فسأذهب”. لم يعتب محمد الخامس على ولده وولي عهده بل قال له: “ذلك هو الفرق بين تكوينك وتكويني: لقد قضي الأمر، وانتهت مهمتي وأزفت ساعتك، ولأجل هذه المهمة كونتك”. وبالفعل، لم يمنع الحسن الثاني البر بأبيه والوفاء له من أن ينتهج سياسة مخالفة لسياسته في جوانب منها طاقم المعاونين، وبعض قضايا السياسة الخارجية والداخلية. وحين سُئل الحسن الثاني عن نهج الحكم الذي يريد أن ينتهجه ولي عهده يومذاك أجاب بما معناه أنه يريد له أن يحكم بأسلوبه الخاص وضمن ظروفه لا أن يحاكيه. وهكذا فعل أيضا الملك محمد السادس، فقد بادر بالسماح بعودة معارضين، وعزل بعض أركان الحكم في عهد والده، وعفا عن سجناء سياسيين وأطلق مزيدا من المشروعات الكبرى. وكان في كل ذلك بَرًّا بأبيه.
لا نسوق تلك الأمثلة تحريضا للخلف على السلف – معاذ اللـه! – وإنما نسوقها – أولا – لنتذكر جميعا أن “الابن ليس أباه والأخ ليس أخاه”، وما ينبغي لأي منهما أن يكون مجرد نسخة، ولا تكاد تجد في التاريخ حاكما ظل يتصرف بإملاء وتوجيه من سلفه بالغا ما بلغت علاقته به. وينبغي أن نتقبل ذلك باعتباره سنة كونية فلا نضيق به ذرعا. ونسوق تلك الأمثلة – ثانيا – دعوة إلى تصحيح الفهم لما يعبر عنه بالوفاء بالعهد، في سياق سياسي مخصوص، فإنه لا تناقض بينه وبين الإصلاح، وإذا حصل بينهما تناقض فإن الإصلاح يكون أولى بالرعاية، لعموم تعلقه. ونسوقها – ثالثا – دعوة إلى ترقية ثقافتنا السياسية إلى مقام نعي فيه جميعا أن المراجعة والتعديل والإضافة أمور لا تقوم الحياة دونها، حتى على المستوى الفردي، فما من أحد إلا وهو مطالب بأن يعمل لكي يكون يومه خيرا من أمسه وغده خيرا من يومه. وما من أحد إلا وينبغي أن يتمنى لخلفه أن يصلح إن أفسد وينجز أكثر ويبني أرفع. ونسوقها – رابعا – للتنبيه إلى أنه لا شيء يحمل قائدا ما على أن يرث خصومات سلفه مهما كانت العلاقة بينهما، ومهما كانت مسوغات تلك الخصومات إن كان من سبيل لتسويتها. ولا مصلحة لحاكم جديد في أن يحمل أثقالا مع أثقاله، والحال أن أثقاله تكفيه، بل إنه لا شيء يحمل قائدا ما على أن يؤبّد حالة معارضة مّا وإن تعلقت بشخصه وعهده ونظامه، أحرى إن كانت مما يجوز أن يقال في حقه {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}، ونسوقها – خامسا – لنقول إن مما يحمد اللـه عليه أن يكون لنا رؤساء سابقون يعيشون بيننا آمنين مطمئنين، وأن علينا أن نقيد هذه النعمة، ومن وسائل تقييدها أن يتطلع كل منهم إلى أن ينجح من بعده فيما لم ينجح فيه، وأن يبذل كل منهم ما في وسعه من أجل تهدئة المناخ السياسي، ولو بما درج عليه معظمهم من الصمت والاعتزال.
وإلى جانب ذلك سيظل من القيم التي ينبغي غرسها وتنميتها قيم الوفاء وحفظ العهد والشورى والشراكة ما لم يكن في ذلك ما يشوش الرؤية ويشتت الجهد ويعوق الحركة. ومن الضروري في هذا النطاق العمل الجاد على نزع فتيل التوترات والتشنجات السياسية، وإعادة بناء المشهد السياسي بنفس تصالحي توافقي، لا نلعن فيه الماضي، ولا نقدس فيه الحاضر، وإنما نعمل فيه معا من أجل مستقبل أفضل.
ولعل الحراك الراهن – ورب ضارة نافعة – يكون سانحة طيبة لاتخاذ المزيد من خطوات التهدئة والانفتاح ولمِّ الشمل والإصلاح. وقد سار البيان الصادر آنفا عن الفريق النيابي للحزب الأكبر في هذا الاتجاه، لكن “الأزمة” لن تنتهي إلا بمعالجة جذورها. ولا غنى في هذا عن اعتماد حزمة إجراءات وتدابير أوسع تضمن رعاية الحرمات واستنفار الطاقات وكسر الحاجز بين ألوان الطيف السياسي وإنهاء أي حالة احتكار أو تغول سياسي تعوق التهدئة والمصالحة والعمل المشترك. لقد قال حكيم غربي: “إن الدولة إذا قويت [جدا] تحطمنا وإذا ضعفت تبيدنا. وكذلك تفعل الأحزاب عندما تتماهى مع الأنظمة تماهيا كليا. ألم تقل ملكة سبأ {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة}!
نحتاج إلى عقد سياسي جديد يعزز دولة المؤسسات ويوسع دائرة المشتركات، ويحجز الكبير عن ابتلاع الصغير والقوي عن اهتضام الضعيف. وفي سبيل ذلك قد يكون من المفيد أن نعمل في هذه الظروف على:
1. مراجعة القوانين النظامية المتعلقة بانتخاب النواب والعمد ورؤساء المجالس الجهوية، بما يضمن مزيدا من الاحتياط لمنع الاحتكار والتغول السياسي ولتوسيع الشراكة السياسية، ومراجعة قانون الأحزاب لتوضيح القواعد التي تتشكل بمقتضاها أحزاب سياسية ذات مصداقية، وتزاول عملها؛
2. بقاء رئيس الجمهورية في وضع الحَكَم والمرجع الناظم، بما يمكنه من الاستفادة من دعم ومؤازرة أكبر عدد ممكن من القوى السياسية في البلد؛
3. وضع آلية للتشاور مع جميع الرؤساء والوزراء الأُوَل السابقين، بحيث يكون باستطاعة رئيس الجمهورية أن يطلب رأيهم في قضايا معينة يتداولون فيها جماعيا، بما يمكن من الاستفادة من تجاربهم وعدم الوقوع في أخطائهم، وبما يغنيهم عن الاصطفاف والتخندق ويصون لهم حرمتهم ومكانتهم الرمزية في الوطن. ويتطلب ذلك من رئيس الجمهورية مسعى تمهيديا للمصالحة بين هؤلاء، بما يقتضيه الأمر من إقناع بعضهم بالاعتذار لبعض، عند الاقتضاء.
حفظ الله بلادنا ووفق الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني وسائر ساستنا وهيأ لنا من أمرنا رشدا.
الخليل النحوي