
موريتانيا في واشنطن: شراكة الفرصة النادرة السعد بن عبدالله بن بيه / رئيس مركز مناعة الإقليمي لليقظة الاستراتيجية
بدعوة من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يتوجّه فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى واشنطن لحضور غداء عمل إلى جانب عدد من رؤساء الدول الإفريقية الصديقة لموريتانيا.
هذه الدعوة ليست مفاجئة في سياقها؛ فموجباتها واعتباراتها باتت، في الغالب الأعم، معلومة. فموريتانيا اليوم، بقيادة الرئيس الغزواني، تحظى بثقة كبيرة من قِبَل قادة الدول والمنظمات العالمية، بفضل ما تتمتع به سياستها الخارجية من مسؤولية عالية وعقلانية واضحة، بل ومن خبرة ورؤية دقيقة في إدارة الملفات.
فالرئيس الغزواني، بما عرف عنه من كياسة وهدوء، يحمل رؤية متماسكة للملفات الوطنية والإقليمية، خصوصًا فيما يتعلق بالتحديات الأمنية، ومقاربته للقارة الإفريقية كشريك تنموي للعالم، وهي مقاربة باتت معلومة ومحترمة في معظم عواصم القرار من واشنطن إلى باريس ولندن، مرورًا بموسكو ووصولًا إلى بكين.
إلى جانب تكوينه العسكري والأمني المتميز، قبل توليه الرئاسة، وخبرته السياسية التي ظهرت جلية بعد انتخابه، يقود الرئيس الغزواني دولة ذات أهمية جيوسياسية بالغة، وتتمتع اليوم بحالة من الاستقرار الأمني والسياسي شبه المعجزة، في محيط إقليمي يموج بالاضطرابات والتدهور الاجتماعي والتنموي – للأسف الشديد – ما جعل من موريتانيا نموذجًا جديرًا بالاحترام.
بناءً على ما تقدّم، تنظر دوائر القرار في واشنطن إلى موريتانيا كشريك موثوق وفاعل يمكن الاعتماد عليه، ليس فقط في ملفات الأمن والسلم الدوليين، بل كذلك كشريك اقتصادي محتمل في المستقبل القريب.
ويُضاف إلى ذلك ما تتمتع به موريتانيا من جاذبية متزايدة، نابعة من غناها المادي والمعنوي، بما في ذلك ثرواتها المعدنية والطاقوية الحيوية، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، فضلاً عن تمازجها العرقي والإنساني وتجربتها التاريخية، التي تؤهل دبلوماسيتها للعب أدوار فعالة على الساحات العربية والإفريقية والأطلسية، باعتبارها صوتًا للسلام والثقة.
من هنا، يصبح السؤال المشروع والوعي المطلوب اليوم: ماذا تريد الولايات المتحدة من موريتانيا ومن قارتها الإفريقية؟ وماذا تريد موريتانيا وإفريقيا من الولايات المتحدة؟
السياسة الأمريكية الحالية، بقيادة هذا الرئيس اللامع، تتسم بعقلانية واقعية وبراغماتية إيجابية، تؤمن بمبدأ تقاسم المصالح. وهو ما يفرض على الدبلوماسية الموريتانية والإفريقية حسن قراءة هذا الظرف الدولي، واستثماره لتعظيم المنافع، وحماية المصالح، والتصدي لأي محاولة لاستحواذ غير عادل أو استغلال بثمن بخس.
وفي هذا الإطار، يمكن رسم معالم أولية لحزمة من المحاور التي يُرجّح أن تكون حاضرة على طاولة الرئيس الغزواني خلال هذه الزيارة:
أولاً: التحول من منطق المساعدة إلى منطق الشراكة والاستثمار.
لقد أثبتت السنوات الأخيرة محدودية نموذج “المساعدات”، وآن الأوان للتفكير الجاد في شراكات اقتصادية منتجة. تمتلك موريتانيا موارد أولية ضخمة، وتحتاج إلى رأسمال وخبرة، ويمكن في هذا السياق اقتراح إنشاء شركات موريتانية أمريكية مشتركة في مجالات استراتيجية مثل الحديد والطاقة. فمثلاً، شركة مشتركة في استغلال الحديد سيكون لها عوائد كبيرة على الطرفين، سواء على مستوى الأرباح، أو خلق فرص العمل، أو تكوين الموارد البشرية، أو دعم الصناعة الوطنية.
ثانياً: تعميق التعاون الأمني والعسكري.
تاريخ التعاون الأمني بين نواكشوط وواشنطن طويل وضروري، ليس فقط لاستقرار موريتانيا، بل أيضًا لحفظ الأمن الإقليمي والدولي، خصوصًا في منطقة الساحل والواجهة الأطلسية. وفي ظل التحديات الجارفة من إرهاب وتشدد وتهريب وتنافس دولي محتدم، فإن المطالب الموريتانية بتعزيز التدريب والتكوين والتسليح أصبحت أكثر إلحاحًا ووضوحًا، وهي مطالب مشروعة تمامًا، وتزكيها عوامل عديدة ليس هذا مجال تفصيلها.
ثالثاً: التعاون في ملفات الهجرة والتعليم والذكاء الاصطناعي.
تحتاج موريتانيا إلى تسهيل هجرة شبابها نحو الولايات المتحدة بشكل منظم وهادف، بما يعود بالنفع على الطرفين: أمريكا تستفيد من طاقات بشرية فتية، وموريتانيا تستفيد من تحويلات مالية تساعد في امتصاص الضغوط الاجتماعية، مؤقتًا، حتى تنطلق عجلة التنمية بشكل مستدام. كما أن نقل التكنولوجيا والخبرة في مجالات التعليم والذكاء الصناعي، يعد ضرورة استراتيجية لا ترفًا، إذا أرادت موريتانيا دخول العصر الحديث بكفاءة.
رابعاً: توظيف أوراق التعاون السياسي والدبلوماسي.
تمتلك موريتانيا عددًا من الأوراق الدبلوماسية المهمة، نظرًا لموقعها الجيوسياسي ودورها المحوري في عدة فضاءات، ما يؤهلها لخلق تحالفات ومقاربات تعاون أوسع مع واشنطن، سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف.
في ضوء كل ما سبق، وبكثير من التفاؤل، يمكننا توقع نتائج ملموسة لهذه الزيارة، شريطة أن تُحسن المؤسسات الموريتانية، الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية، قراءة هذه اللحظة الاستثنائية وتثمينها كما ينبغي. ففرص كهذه لا تتكرر كثيرًا، والمناخ الدولي اليوم يخدم موريتانيا إن أحسنت التحرك.
عاش التعاون الموريتاني الإفريقي الأمريكي.
