لا داعي للقلق…/ بقلم د. محمد الراظي بن صدفن

أثارت الإنتخابات الرئاسية التي تم تنظيمها مؤخرا في جمهورية السينغال الشقيقة جدلًا واسعًا داخل النخبة المثقفة وكذلك بالنسبة لمتابعي الشأن السياسي عمومًا في موريتانيا الذين يتخوفون من إمكانية حدوث تغيير في الأجندات السياسية لحكام السينغال الجدد خصوصًا فيما يتعلق بالعلاقة مع بلادنا المحكومة بإرث كبير من المواثيق التاريخية و الشراكة الحيوية في مجالات كثيرة.

فعلاوة على الروابط الاجتماعية الوثيقة
القائمة بين سكان ضفتي النهر بفعل المصاهرة بين أمرائهم قبل الفترة الاستعمارية والتي ترسخت بفعل الدور الكبير الذي قام به العلماء و مشايخ التصوف الطرقي في تدعيم تلك العلاقة،قامت الإدارة الاستعمارية الفرنسية المباشرة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى خمسينات القرن الماضي على تنشيط الحركة التجارية بين البلدين و أدخلت للمرة الأولى تعميم المبادلات النقدية في الروابط التجارية بينهما.
ولعل أسواق المواشي التي أقامتها لتحقيق ذلك الغرض في كل من
“ماتام و ديوربل واللوكا ” و التي انتشرت بعد ذلك لتشمل جميع المدن السينغالية و إلى يوم الناس هذا لخير دليل على حيوية و عمق هذه العلاقات.

أما في المجال السياسي فقد لعبت مدينة سانلويس التي اختيرت من طرف المستعمر “مقرا” للوالي العام لموريتانيا منذ1920م و عاصمة للدولة المستقلة سنة 1957م ، دورًا مهمًا في التواصل بين الزعامات السياسية الموريتانية ونظرائهم من السينغال و هو ما أسهم في تأسيس تكتلات سياسية و نقابية مشتركة كانت لها مشاركة فعالة في الحراك التحرري ما قبل الاستقلال.

لقد ظلت الدولة الموريتانية منذ استقلالها سنة1960م تبسط سيطرتها على الضفة اليمنى لنهر السينغال وحتى الخط المار بمنتصف النهر دون أن يسبب ذلك أي منازعة من السينغال رغم إثارة هذه الأخيرة لموضوع ترسيم الحدود سنة1971م و هو ما تم تجاوزه باعتبار النهر حدًا فاصلًا و توج لاحقًا بالتوقيع على مشروع منظمة استثمار نهر السينغال سنة1974م بين البلدين إلى جانب جمهورية مالي الشقيقة و هي تجربة رائدة في مجال الاندماج الاقتصادي و التعاون الإقليمي مكنت بالفعل هذه الدول من توثيق علاقاتها المشتركة خدمة لمصالح شعوبها. و يرى بعض المتابعين للشأن السياسي الإفريقي أنه بالرغم من أهمية البعد التنموي في تطوير العلاقات الثنائية و الدفع بالعمل الإفريقي المشترك ، فإن العلاقات الموريتانية السينغالية عرفت نوعًا من المد والجزر وشابها الكثير من التوترات السياسية خلال فترات أنظمة الحكم التي تعاقبت على البلدين.

ففي حين يؤخذ على السينغال إشعالها لفتيل أزمة 1989م و إيواء حركة 16 مارس التي خططت لانقلاب 1981 وبعض التنظيمات المعارضة لنظام الحكم في موريتانيا و سن قوانين الانتجاع المجحفة بحق المنمين الموريتانيين و مطالبتها بإقامة مشروع البحيرات النابضة المثير للجدل، وغيرها من الاستفزازات التي صنفت أنذاك مضرة بمصالح موريتانيا الحيوية و بأمنها القومي، يعاب على موريتانيا في الأوساط السياسية السينغالية صلتها بحركة كازماس المعادية للسينغال ووقوفها إل جنب نظام الحكم في غامبيا عدو السنغال اللدود.
اليوم، تقوم الجمهورية الإسلامية الموريتانية في ظل القيادة الحكيمة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد بن الشيخ الغزواني بتدشين مرحلة جديدة من التعايش الإيجابي مع هذا البلد الشقيق قائمة على حسن الجوار و التعاون المشترك البناء و تجاوز رواسب الماضي المحكوم بعقلية الأنانية والانعزالية و النظرة السلبية للآخر ،فالبلدان يشتركان في الوقت الراهن في مشاريع ذات أهمية كبيرة على رأسها حقل الغاز المشترك، واتفاقيات الصيد وتربطهما علاقات تجارية وثقافية ،وأمنية ممتازة٠ علاوة على وجود جاليات نشطة تدر عائدات معتبرة لصالح الطرفين.

و مهما يكن ، فإن أي تكهن بمسار السياسة السينغالية في ظل الرئيس المنتخب باسيرو أنديوماي فاي الذي لم يباشر عمله بعد يبدو لي أمرًا سابقا لأوانه، كما أنه من الخطأ و عدم الصواب الاعتقاد بأن حماة هذه الديار الذين أولاهم الله أمرها قد يفرطون ولو للحظة في أمنها واستقرارها أوالمساومة على وحدة شعبها و مصالحه العليا. لأن السياسات الخارجية للدول لا تبنى على أمزجة الأشخاص و رغباتهم، بل توزن بميزان الفوائد التي تجنيها شعوب تلك الدول من ورائها. لذلك لا داعي للقلق.

مقالات ذات صلة