اتحاف القراء بترجمة أبي الكساء .. ح2 / بقلم : د. الطالب بن المجتبى بن عنگر

وعليه فيمكن التحفظ على ما سُطِّر في بعض هوامش تحقيق “صحيحة النقل” من أن الامام محمد بوكسه: كان له توجه صوفي يربي القلوب فيه على الطريق الناصرية الشاذلية، وأنه شيخ الطالب المصطفى القلاوي فيها.. بل قيل إنه كان “أحد أقطاب الحضرة الشاذلية “بقصر السلامة”( 4). وغير ذلك من الزعم المحض، الذي لا دليل يسنده، فلم تعرِف الشاذلية طريقاً إلى بلاد شنقيط في حياة الإمام محمد بوكسه بن الحاج محمد أحمد، ولا في حياة شيخه الطالب المصطفى، ولا في زمان الطالب صديق الظامي من باب أحرى( 5).
فلا الإمام محمد بوكسه شيخ الطالب المصطفى القلاوي، ولا الاثنين من مدرسة صوفية بالمعنى الاصطلاحي الطرقي الذهني، فكلها أقاويل لا دليل عليها، وقد يكون مصدرها الروايات الشفوية المعارضة للإمكان الزماني. وذرية الإمام محمد بوكسه كانت من أبعد الناس عن الطرقية، وهي ميزتهم التي أشار إليها ابن الزين العلوي، وهذه الخاصية ورثوها عن أبيهم الذي كان ينتمي لمرسة سنية فقهية شنقيطية بعيدة كل البعد عن التصوف الطرقي النمطي في البلاد.
ويكفى من الدلالة على ذلك من حيث الاجمال: أن مدينة شنقيط لم تعرف التصوف الطرقي بشكل واضح وعلني بحيث يتم التحدث به في الدرس والتأليف علنا قبل سنة (1301هـ)(6 ). وفي كتاب: “النفحة الأحمدية” لأبي العباس محمد بن الشمس الحاجي القادري الفضلي (ت:1342هـ)، طرف من ذلك. وأما الرد من حيث التفصيل فقد بينته في “الترجمان الحاوي لسيرة الطالب المصطفى القلاوي” الذي هو أصل هذه الترجمة، وذلك في ضمن: المبحث المتعلق بالتصنيف الفكري لمدرسة الطالب المصطفى القلاوي.
ولو كان صاحب ذلك القول جاء بأبسط دليل على كلامه ذلك لكفانا مؤنة الرد والتنبيه على كلامه هنا، لكنه ألقى الكلام على عواهنه، والأصل أن مدرسة الطالب المصطفى هي امتداد لمدرسة شيوخه: كأبي العباس أحمد بن أحمد بن الحاج العلوي (ت:1086هـ) وأبي عبد الله الطالب محمد بن الأعمش العلوي (ت:1107هـ) وأبي عبد الله: محمد بن أبي بكر بن الهاشم القلاوي (ت:1098هـ) وشيوخهم وطلابهم، وموقفهم بهذا الصدد معروف، كرد ابن الأعمش على المجذوب، ورده هو وابن الهاشم على ناصر الدين الديماني الأبهمي الشمشاوي، فلنتمسك بأصل هذه المدرسة الأصولية حتى يثبت عندنا خلاف ذلك. والله أعلم.

مقالات ذات صلة