كتب حنفي دهاه : وثامنهم باسط ذراعيه بإدارة الأمن

نواكشوط 22 اغسطس 2020 ( الهدهد)

الثقافة لا تعني تراكم المعلومات في الأدمغة الرجعية، و لا تشقيق الكلام و ترسيله بالحجج و الأبّهة اللفظية، التي تكبح جماح الثورة و تقتل سَورة صهباء الرفض بقَرَاح الخضوع و الاستكانة.. و لا هي فن ترويض الصعب، من طموح الجماهير لإعادة صياغة الواقع، بل أن المثقف هو طليعة الشعب، الذي يحمل في كفه خريطة حقل الألغام ليجنبهم مواقعها.. هو من يسلك بخطىً ثابتة لاحبَ العدالة و التنمية فيتبعه المؤمنون برؤيته في صناعة الحياة، فقد منحته المعرفة عيون زرقاء اليمامة، و وهبته الدراية تَجربة و دَربَة في الاستقراء و الاستشراف .

المثقف هو ملح الأرض و عصبها و نورها و دوالح مزنها التي تملأ حياض المستقبل و تسقي رياضه. غير أن الثقافة إنما تكتسي حلة القداسة و الإكبار من استخدامها في خدمة الإنسان، و تطويعها لترسيخ القيم و المبادئ السامية.. أما المثقف الذي يستخدم ملكاته البلاغية في تبرير تجاوزات المستبدين، و الحثو من ظلماء التفسيرات التعسفية في عيون البسطاء، فهو أكثر نكاية بالبلاد و أهلها من مغتصبي السلطة، ناهبي المال العام، و سالبي المواطن خبزه و كرامته.

كان ولد اشدّو مناضلاً طلائعياً، مرمى طموحه الجوزاء.. كافح لتحقيق العدالة الاجتماعية، و نظّر لإصلاح العالم، و حلُم بوطن كأسنان المشط لا أشراف فيه و لا أطراف.. غير أنه و هو على هضبة الرحيل إلى العالم الآخر، الذي لا أظنه يتمتع فيه بكبير مصداقية، و الله تعالى أعلم، أدار مقوده في اتجاه آخر، فلم يستغل تاريخه و رصيده الثقافي في غير ما يسكت به صفير أمعائه، و صرير أحشائه، فطفق يدافع عن الانقلاب على رئيس مدني منتخب، و يمجّد دكتاتوراً لم تشهد البلاد له مثيلاً في نهبه و اختلاسه.

أين القيم التي آمن بها ولد الشدو من دفاعه عن رئيس لا يملك مشروعاً وطنياً غير الإثراء غير المشروع، فاتسعت خلال فترة حكمه الهوّة بين أغنياء يزدادون غنى و فقراء يزدادون فاقة؟.

أين حقوق الطبقات المحرومة، و الفئات المهمشة، من “تأليه” من كرّس الفوارق، و عزّز التفاوت، و هدم أركان الوحدة الوطنية و التعايش العرقي، و أفسد التعليم و دجّن القضاء، و طوّع البرلمانيين لخدمة مشروعه الشمولي و ليس لحماية مصالح الوطن؟!

لقد طوّف الرجل في عوالم النضال و طوّح في آفاقها لينتهي به المطاف في التفكير فقط في بطنه:

أطوّف ما أطوّف ثم آوي
إلى بيت قعيدته لكاعِ

و كفى بالمرء لؤما أن لا يهتم بغير بطنه و فرجه.

لقد فتحت لُهى ولد عبد العزيز لَهى ولد الشدو، فلم يعد له من مشروع في هذا المعركة الفاصلة بين الحق و الباطل، إلا أن يعتمده ولد عبد العزيز محامياً يدافع عن حقه في الاحتفاظ بأموال الشعب الموريتاني.. لقد أصيب ضمير المحامي العجوز بالأيدز، و تعلمت همته الإنقاض بعد القرقرة، فاستسمن من جشعه الورم، و استبدل صهوة جواد المباديء اللاحبيّ بمتن برذون النفاق، و هو من كان يريه غروره أنه البهموت الذي تدور الأرض على قرنه.

و ماذا عن هذا الطاووس المنتفش ريشه، المتشدق بما لم يعطِ من علم و ثقافة، من لم يتقن في حياته غير التعامل مع أرقام و معدلات و دوال، لم يطعم بها من أبناء وطنه جائعاً و لم يكسُ معتراً.؟

هب أن ولد ايزيد بيه (كما يظن نفسه) كائن ملائكي خلقه الله من عجينة مسك، و خلق سائر البشر من حمإٍ مسنون، و أن دمائه النقية تشفي من الكَلب، فلماذا لم يدفعه طهره و صراحة روحه الأسطورية لأن يترفع عن منطقه البراغماتي، حيث يستميت في مساندة و دعم و الدفاع عن هذه الأرَضَة التي أكلت الرطب و اليابس، و قضمت المقدّد و الغريض.. هل هو من الغباء بحيث يخفى عليه الوجه الحقيقي لولد عبد العزيز.؟.. أم أن جرائم الرجل لا تعنيه مادام يمنحه مناصب و امتيازات غير مستحقة.؟!.. و لماذا ظل هذا الوفاء السموألي و النبل الفطري كامناً في روحه الطاهرة كالنار في الحجر إلى أن تم استجوابه من طرف اللجنة البرلمانية.؟!

هؤلاء أنذال جعلوا من مستواهم الثقافي و التعليمي معولاً لهدم الوطن، يدّك مصالَحه العامة في الوقت الذي يذرو عليهم فتات مصلحة شخصية، كأنهم الحمار حين يرد على المنهل، لا يهمه إلا أن يروى من مائه، ثم لتتردّى البئر إن شاءت، و ليفتك الظمإ برواده، فقد شرب الحمار.

ثمانية سياسيين، يقرأون التاريخ من رجليه فلا يستبصرون من عظاته و عبره، و ثامنهم كلب باسط ذراعيه بمبنى إدارة الأمن، ستريهم حبالى الأيام المُقربات أنها تلد العجائب، و أن منجنون الدهر لم يزل يدور على الطغاة و المستبدين و لاعقي أحذيتهم.

فالموت لكل مثقف سلبي.!

مقالات ذات صلة