اعتذار العلماء…/ أحمد مصطفى
يعلم كثير من الناس ما كان عليه الإمام ابن حزم رحمه الله من شدة اللهجة وصعوبة الطريقة وسلاطة اللسان على العلماء والأئمة، لكن القليل منهم من يعلم اعتذار ابن حزم عن ذلك.في فصل مداواة أدواء الأخلاق الفاسدة من كتابه: “الأخلاق والسير في مداواة النفوس”، نسب ابن حزم ما كان عليه من ذلك إلى علة أصابته، حيث قال: “..ولقد أصابتني علة شديدة ولدَّت عليَّ ربوا في الطُّحال شديدا، فولَّد ذلك عليَّ من الضجر وضيق الخُلُق وقلة الصبر والنزق أمرًا حاسبت نفسي فيه إذ أنكرتُ تبدل خلقي واشتدَّ عجبي من مفارقتي لطبعي، وصح عندي أن الطحال موضع الفرح، إذا فسد تولد ضده..”، (ص 77 ـ 78).وفي مصارحة نادرة ذكر ابن حزم في فصل الأخلاق والسير من نفس الكتاب بعض الأخلاق الفاسدة التي أصابته، وسعى بالرياضة النفسية إلى التخلص منها، فتمكن من بعض ذلك، ولم يتمكن من البعض الآخر، وأشار إلى أنه أراد بإقراره بها أن يتعظ بذلك متعظ يوما، فذكر منها: كلف في الرضاء وإفراط في الغضب ـ دُعابة غالبة ـ عُجب شديد ـ محبة في بعد الصيت والغلبة ـ إفراط في الأنفة ـ حِقْدٌ مفرط..(ص 32 ـ 33 ـ 34).قبل أيام، وأثناء أحد دروسه، وفي تصرف قلما يقع من علماء العصر، أعتذر محدث الوقت الشيخ أبو اسحاق الحويني عن أخطاء علمية وتصرفات وقع فيها فيما مضى من عُمُره.الشيخ ذكر من تلك الأخطاء والأغلاط التي وصفها بالقبيحة: كتب علمية ألفها ونشرها في بداية مشواره، تمنى الآن أن لا يكون كتبها، ومنها طريقة مناقشته لعلماء السلف، حيث كان يرد على بعضهم وكأنهم أصدقاء له، وأرجع وقوعه في هذه الأمور إلى حظوظ النفس، وحب الشهرة، وتزكية أحد العلماء له، وأضاف أنه لا يستنكف عن القول إنه أخطأ وأنه أحب الشهرة.الشيخ الحويني وجَّهَ الشباب بعدم التسرع في التأليف والنشر، تجنبا للأخطاء، ولكي لا يقعوا في الندم الذي وقع هو فيه.أشار الشيخ الحويني في معرض اعتذاره إلى أشياء مهمة، قل من يتنبه إليها اليوم، والإشارة إليها تهم الجميع، منها:
ـ ضرورة تنقيح العلماء لمؤلفاتهم وأقوالهم بعقول طلابهم..
ـ صعوبة تدارك أخطاء التأليف والنشر بعد أن تسير بها الركبان.ـ الفرق بين الكم والكيف فيمن يحضر دروس العلماء في الماضي والحاضر، وأشار في هذه المسألة إلى أن طلاب عالم مثل ابن حجر العسقلاني كانوا لا يتجاوزون 30 شخصا، بينما حضر أحد دروسه هو أكثر من 120 ألفا، لكن واحدا من طلاب ابن حجر يعدل 50 ألفا ممن يحضرون دروسه هو.
لعل أهم ما يرشد إليه اعتذار العلماء عن أخطائهم، ضرورة توقف المتلقين والمقلدين والمعجبين عن معرفة الحق بالرجال، وعن التسليم بأقوالٍ واتباعها دون تمحيص لمجرد ان قائلها فلان.