الأمن المطلق في قاموس الحمقى…/ بقلم : مريم بنت اصوينع

 

«من يطارد الأمن المطلق يزرع الخوف ويحصد العداء. الحكمة في التوازن، لا في وهم الحصانة المطلقة.»
مستوحى من فكر جورج كينان، الدبلوماسي والمفكر الاستراتيجي الأمريكي.
يقول علماء السياسة إن الأمن المطلق وهم، لأنه غير قابل للتحقق عمليا، وقد يصبح خطيرا خصوصا إذا طارده كيان بلا وعي. ومن يعتقد أنه يستطيع أن يضمن أمنا كاملا في أرض مسلوبة بالقوة والاتفاقيات الكاذبة يعيش في وهم مزدوج: أولهما الوهم الاستراتيجي المتمثل في الاعتقاد بان القوة العسكرية أو التحالفات أو الاتفاقيات الملتوية كافية لحماية وجوده، بينما يثبت الواقع أن صمود الشعوب تحت الهوس الاستراتيجي لا يمكن كسره بوسائل عسكرية مهما قوت و طغت.
وثانيهما الوهم الأخلاقي، فيبقى يعتقد أن الحق معه رغم الظلم الذي يرتكبه. والتاريخ مليء بأمثلة على أن الظلم يولد مقاومة ويطيل أمد النزاع (مثل فلسطين، فيتنام، وجنوب أفريقيا).
موضوعنا اليوم حالة فريدة من الظلم خارج المألوف، ألا وهي الدولة الصهيونية. فكرة الأمن المطلق التي تبنتها تستند إلى سياسة واضحة تقوم على التقسيم وإشعال الصراعات الداخلية- المذهبية والعرقية …- في الدول العربية. الهدف من هذه السياسة إضعاف هذه الدول بحيث تنشغل كل واحدة بمشكلات داخلية بدلا من التركيز على القوة الاقتصادية والعسكرية والبحث العلمي.. ورغم امتلاكها لثروات طبيعية هائلة، سعى الحمقى إلى تحويل الثروة إلى ثروة غير فعّالة وخلق بيئة تمنع تطوير القدرات الردعية العسكرية والاقتصادية. لأن وجود دول عربية قوية يثير لدى الكيان الاستيطاني قلقا وجوديا، كما ذكر المفكر المصري المسيري.
هذا القلق يدفعه أحيانا إلى غطرسة محسوبة وغير محسوبة، وإيمانا بتفوقه العسكري، يعمل وفق ترتيبات قانونية وسياسية خاصة تبرز سياساته، ويتعامل مع كل دولة على حدة حسب مصالحه الاستراتيجية دون صبر أو تردّد، كما ظهر في تعاملاته مع سوريا ولبنان واليمن وإيران، وحتى قطر. ويقول صراحة: – أنا، كدولة إقليمية قوية، لي أن أفعل ما أشاء-.
قصف قطر، لم يشفع لقطر كونها جزءا من منظومة الخليج العربي أو لوجود تبادل مصالح مع الغرب، ولا كونها لاعبا رئيسيا في الوساطة والمفاوضات العربية؛ فاستهدافها وهي تستضيف مفاوضات مهمة يبيّن أن الجاني نتنياهو يريد أن يقول انه لا محرمات لديه إطلاقا، حتى تجاه دول تضمن أمنها باتفاقيات مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين. وكما تلاحظون في القانون الدولي، من يملك الأمر والنهي غالبا هي القوى الكبرى التي تقرر من يُعاقب ومن يُكافأ! .
من هنا يمكن أن نستنتج منذ 7 أكتوبر أن الكيان الصهيوني غيّر قواعد اللعبة السياسية في التعامل مع العرب، وهو يسعى لتشكيل خريطة إقليمية جديدة تأسيسا لما يسميه «إسرائيل الكبرى». لذلك لم تعد الأساليب التقليدية المتبعة منذ كامب ديفيد (طمأنة إسرائيل بالأمن عبر التطبيع أو الاستثمارات الاقتصادية أو الحلول الدبلوماسية او حل الدولتين التي ترفضها ضمنيا) مجدية وحدها. على الوعي السياسي العربي أن يفهم أننا بحاجة إلى عقلية سياسية جديدة ترد بإجراءات فعلية وفاعلة.
الإنسان العربي ابن هذه الأرض؛ نحن لسنا كيانا مصطنعا بلا حضارة، بل لنا ثقافة ولغات وأنماط حياة ممتدة عبر آلاف السنين من الرافدين الي شمال افريقيا مرورا بالشام، لكن السياسة قسمتنا. لذا لا يكفي التفكير في الأمن الذاتي والوطني فحسب، بل قد يصبح من الضروري مواجهة سياسات إسرائيل بطريقة استراتيجية منظمة.
قصف قطر، دليل على أن إسرائيل تريد رفع سقف مطالبها وأفعالها؛ وإذا تجاوزت الدول ذلك، فمن ستكون التالية؟ لماذا لا يشكّل العرب نواة دفاع استراتيجي فعّالة؟ أمام العرب منعطف جديد؛ قد تُدرس إجراءات مثل غلق الممرات أمام السفن المتجهة لإسرائيل، ودعم حركات المقاومة والخيارات السياسية العربية الموحدة، والتوجه إلى البيت الأبيض ومطالبة إدارة الولايات المتحدة بالتوقف عن تطبيع سياسة «التصفية بالقوة» للقضايا العربية، والرفض التام لقصف أي دولة عربية تحت أي ذريعة.
إلى جانب ذلك، الجميع يعلم بتشكل عالم جديد ويجب التفكير في التخلي عن الاعتماد الكلي على السلاح الأمريكي. السوق الدفاعية اليوم متنوعة في الصين ، الباكستان، ومن الحكمة إعادة التموضع الاستراتيجي والتخلي عن الخلافات السطحية التي أوصلتنا إلى دائرة “خطر وجودي”. ربما يخلق هذا التفكير حالة من الالتفاف الشعبي حول الحكام ويُعيد بعض الاعتبار للموقف العربي الجماعي.

مقالات ذات صلة