شذرات من حياة المناضل احمدو ولد حرمه

نواكشوط 10 يوليو 2019 ( الهدهد) 40 سنة من الحزن مرت  على رحيل رجل ناضل نضالا مستمية أزعج الفرنسيين و أوهن كيدهم ،وافشل مخططاتهم ورفع الظلم والحرف الذي كان يمارس ضد المواطن الموريتاني.

تلقينا في موقع الهدهد هذه المعلومات الهامة. الشارات المضيئة من حياة هذا الرجل العصامي فقررنا نشرها لسرد حقائق تاريخية.

*حدثني شيخ جليل كنت أحيانا أختلف إليه، قال:

تعجب الوجهاء من هذا الفتى العلوي الذي لايقيم وزنا للفرنسيين، والذي ألغى الكثير من الإجراءات الاستعمارية المجحفة بالسكان مثل العمل القسري كما أنه ألغى ضريبة الشخص التي كان يتعين على كل شخص بذاته دفعها وكذلك الضيافة الإجبارية للجنود الفرنسيين “اتفرصي” والتسخير بكل أشكاله، كما أبعد كافة الحكام الفرنسيين الذين عرفوا بسوء معاملة المواطنين.

ذلك الفتى المهيب الذي حين يأتي في سيارة كان يركب في المقدمة ويركب الوالي الفرنسي في الخلف وكان الوالي لايستطيع أن يركب قبله ولا أن ينزل قبله وكان يخفض الصوت في حضرته.

غبطه الشيوخ والأمراء و أوجسوا منه خيفة فتحالفوا مع الإدارة الفرنسية ضده في مؤتمر كيفة.

ذلك الفتى العصامي الذي ولد سنة 1918 عند المليحة بأرض العقل وحفظ القرآن ودرس متون الشريعة والعربية ثم ولج المدرسة العصرية سنة 1925 وتابع دراسته بمدرسة أبناء الأعيان في بتلميت

وفي سنة 1934 عمل معلما للغة الفرنسية بنفس المدرسة التي تابع فيها دراسته (مدرسة بتلميت)
تحول إلى مهنة أخرى كانت سلطات الاستعمار بحاجة ماسة إلى أصحابها وهي مهنة مترجم، وعمل في امبود ونواكشوط وأطار وبير أم اكرين وأكجوجت ونواذيبو…

وخلف في كل هذه المناطق سمعة طيبة بفضل حميته للمواطن وحرصه على مصلحته في وجه الإدارة الاستعمارية.

وخلال السنوات العشر التي قضاها مترجما انحصرت خلافاته مع رجال الإدارة الاستعمارية في التصرفات التي كانوا يقومون بها ضد السكان.

بدأ أحمد و فور اطلاعه على مقتضيات دستور الجمهورية الرابعة (أكتوبر 1946) حملته الانتخابية، بعد أن رشح نفسه كاشتراكي في نطاق الفرع الفرنسي للدولية العمالية (S.F.I.O) الحزب الإشتراكي الفرنسي حاليا وقد حصل على دعم الاشتراكيين السنغاليين (ليوبولد سنغور ولمين كي) وكل الساخطين على المستعمر وسياساته الذين وجدوا فيه منقذا يخلصهم من نير الاستعمار ، كما أن السمعة الطيبة التي اكتسبها في مختلف المناطق التي عمل بها رجحت الكفة لصالحه.
وفاز أحمدو في الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من نوفمبر 1946 على منافسه الرئيسي ايفون رازاك بأغلبية 63% من الأصوات المعبر عنها، وبعد فوزه بدأ تنفيذ التزاماته الانتخابية التي تضمنها تعهده لناخبيه بالمحافظة على الأصالة والسعي إلى التطوير والرقي والتجاوب مع طموحات الشعب.
وكانت له مواقف مشهودة في البرلمان الفرنسي إذ عارض تقسيم فلسطين وطالب فرنسا بوقف مساعداتها للكيان الصهيوني، بل وهددها بأنها إذا لم تتخل عن مساعدة الصهاينة بأنه سيعود إلى موريتانيا ويعلن منها الجهاد في سبيل الله، وكان لهذا التدخل وقع كبير في البرلمان الفرنسي حيث منحته صحيفة “لموند” الباريسية في عددها الموالي اهتماما كبيرا.

وقد استقال من الفرع الفرنسي للدولية العمالية احتجاجا على الاعتراف بإسرائيل كما دافع من داخل قبة البرلمان الفرنسي عن قضايا التحرير في المغرب العربي وفي إفريقيا.
وتتويجا لنضاله في هذا المجال قامت فرنسا بإلغاء إرسال ثلاثة سفن من المساعدات العسكرية والمدنية لإسرائيل نتيجة ضغوط قام بها النائب أحمدو في البرلمان.
أغاظ فرنسا وغبطه الشيوخ التقليدين فتآمر عليه الجميع ليبعدوه.

تعرض أحمدو حرمه  بابانا العلوي لمحاولة إغتيال بحقنة سامة في أحد مستشفيات سان لوي (السنغال) ، كادت أن تنهي حياته لولا يقظة مرافقيه الذين انتزعوها قبل انتهائها و أحضروه إلى طبيب آخر قدم له المصل المضاد، أما المحاولة الثانية فكانت في باريس حين أطلعته جهة إستخباراتية عربية (من دول الشرق الأوسط) على مخطط مبيت لاغتياله وأكد له هذا الخبر عدد من أصدقائه الفرنسيين ، ليقوم ميشيل فرعون (دبلوماسي في السفارة اللبنانية في باريس) بتهريبه متخفيا إلى سويسرا في القطار ، في حين أخبر الفرنسيين أنه تلقى هاتفا مهما من الوطن و أنه سيعود فورا إلى السنغال في أول طائرة .
في سويسرا وجد في استقباله عنصرين من الاستعلامات المصرية، هما محمد فائق وفتح الديب، ذهبا به إلى السفارة المصرية حيث استقبله الأستاذ عصمت عبد المجيد و كان وقتها مستشارا أول بالسفارة.

من سويسرا ارتحل إلى القاهرة حيث استقبله و رحب به جمال عبد الناصر و منحه حق اللجوء السياسي و وصفه بالبطل القومي .

و افتتح مكتب لتحرير موريتانيا بالقاهرة في مصر ، التقى كل الفاعلين السياسيين و رجال الدين و تلقى وعدا من عبد الناصر بالدعم المادي و المعنوي لمقاومة الاستعمار.

وفي سنة 1957 لجأ إلى المغرب واستقبله الملك محمد الخامس استقبال الأبطال وبمجرد وصول أحمدو إلى المغرب التحقت به من موريتانيا شخصيات وطنية بالغة الأهمية منها وزراء استقالوا من حكومة المختار ولد داداه ورفضوا الإعتراف بها من بين الشخصيات الوطنية المقاومة التي التحقت بأحمدو في المغرب الأمير محمد فال ولد عمير أمير اترارزة والأمير الشيخ أحمدو ولد سيدي و الدكتور محمد المختار ولد اباه و الدي ولد سيدي بابا ومحمد أحمد ولد التقي و إسماعيل ولد اعبيدنا و ماء العينين ولد النور و محمد الحنشي ولد محمد صالح و سيدي ولد الداهي وشغالي ولد مگـي و أحمد سالم ولد بوبوط كما التحقت به الآلاف من الشباب والشيوخ من أبناء موريتانيا و الصحراء من شتى القبائل.

وفي سنة 1959استقبل من طرف الرئيس المالي موديبو كيتا، الذي تعهد بأن يوفر له الدعم اللازم في الأراضي المالية لتسيير عمليات عسكرية ضد الفرنسيين.
وفي سنة 1958أسس بوياكي ولد عابدين بتنسيق ومباركة رفيقه في النضال أحمدو حرمه بابانا العلوي حزب النهضة الوطنية ليكون الوريث الشرعي لجزب الوفاق الذي أعلنت فرنسا حله وشاركهم في النضال لحزب النهضة القادة الوطنيين التاريخيين أحمد بابه ولد أحمد مسكه والشيخ ماء العينين ولد محمد الأمين اشبيه وهيبه ولد همدي وبمبه ولد اليزيد.

تأسس حزب النهضة و هو الجناح السياسي للمقاومة الموريتانية وجيش التحرير هو الجناح العسكري وكان بينهم تنسيق تام وقيادة موحدة .وانتشر حزب النهضة خصوصا في سنة 1958 إلى أوائل 1960 وحاز على ثقة وتعاطف بل حتى انضمام الموريتانيين في موريتانيا كلها خاصتا المناطق الشمالية والغربية بشكل لم يسبق له مثيل في الحياة الحزبية والسياسية الموريتانية .
انقسم العمل النضالي إلى شقين: شق سياسي تتوسطه الشخصيات السياسية السالفة الذكر و شق عسكري مسلح يباشره تنظيم عسكري هو جيش التحرير، كان قوامه 1200 عنصر جنودا و ضباطا.
وقام بحملة تعبئة واسعة النطاق عبر إذاعة موجهة لموريتانيا وصحف ومنشورات كانت توزع داخل البلاد رغم أنف المستعمر، في حين أقام مراكز للتدريب في عمق موريتانيا وكذلك في الدول المجاورة، وفي فترة وجيزة أصبح جيش التحرير تحت قيادته قوة يحسب لها ألف حساب حيث قام بجملة من العمليات هزت السلطات الفرنسية وأزعجتهم وزعزعت أمنهم .
وكان المنتمون لهذا الجيش يؤدون اليمين على المصحف على أساس أن هدفهم هو المستعمر ولا يتعرضون للمسلمين بقتل ولا نهب ومن خالف يعقد له مجلس تأديبى خاص ينظر في عقوبته .

بقي أحمدو منهمكا في تنظيم المقاومة على الصعيدين العسكري والسياسي رافضا أي منصب في الحكومة المغربية لا يمت بصلة مباشرة للمهمة التي جاء من أجلها إلى المغرب ولم يثنه الإعلان عن استقلال البلاد في الـ 28 نوفمبر 1960 إذ اعتبر ذلك خدعة من المستعمر الفرنسي، وتعزز لديه عندما اطلع على الاتفاقيات التي وقعت في يونيو 1961 بين فرنسا والحكومة الموريتانية وقد اعتبر أن هذه الاتفاقيات تفرغ الاستقلال من محتواه.
في سنة 1965 تم حل جيش التحرير الذي قام بعمليات ناجحة لعل من أشهرها عملية انفجار النعمة التي خلفت عددا من القتلى في صفوف الضباط والجنود الفرنسيين.. وحكم على إثرها مرة أخرى بالإعدام على أحمدو إلى جانب عدد من مناصريه وذلك في مارس من سنة 1962.
فى سنة 1965 اعتبر السيد أحمدو أن مهمته قد اكتملت عندما تأكد أن الجنود الفرنسيين قد خرجوا من البلاد لأنه كان قد التزم بمواصلة الكفاح إلى أن يخرج آخر جندي فرنسي من موريتانيا.
وفي سنة 1967 طلب من الملك المغربي الحسن الثاني السماح له بمغادرة المغرب للمقام بالديار المقدسة، وقد برر حرصه على الانتقال من المغرب بأنه وجد أن بقاءه في الوقت الذي أصبحت فيه الحكومة المغربية بصدد الاعتراف بموريتانيا يشكل عائقا أمام هذا الاعتراف الذي ستكون – بلا شك- فوائده أكثر على موريتانيا من المغرب في تلك الفترة .
وبقي أحمدو ولد حرمة في السعودية في الفترة ما بين 1967 ـ 1974 كمستشار للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، حيث كان يعد برنامجا إذاعيا باللغة الفرنسية موجها إلى إفريقيا، كما أرسلته الرابطة في عدة مهمات خاصة منها: تعليم الرئيس الغابوني مبادئ الإسلام بعد أن أعلن إسلامه، وكانت له جولات في إفريقيا لممارسة الدعوة إلى الله وقد بقي على صلة بالرئيس الغابوني عمر بونغو مدة سنتين.

كان أحمدو ولد حرمة مرتبطا بوطنه الأم وحريصا على العودة إليه على الرغم من العراقيل التي وضعت أمامه حيث كان محكوما عليه بالإعدام مرتين ووجد خلال مقامه بالمغرب وفي السعودية من الظروف والامتيازات والإمكانيات ما يجعله يتسلى عن الوطن.. لقد كان الملوك والأمراء حريصون على بقائه في بلدانهم لكنه كان يترقب اليوم الذي يسمح له بالعودة إلى وطنه.
وعلى إثر العفو عنه الذي صدر في فرنسا أثناء عهد الرئيس الفرنسي جورج بوميدو سنة 1973، أصدرت الحكومة الموريتانية عفوا مماثلا.
وعندما سنحت له الفرصة من خلال العفو عنه بادر بالعودة إلى موريتانيا لأول مرة بعد هجرته سنة 1974
توفي السيد أحمدو ولد حرم يوم السبت 12 شعبان 1399هـ الموافق 7 يوليو 1979 ودفن في مقبرة تمبيعلي حيث يوجد آباؤه وأجداده رحم الله الجميع رحمة واسعة.

بين أحمدو والمختار ولد حامد والشيء بالشيء يذكر
لم يكن المختار ولد حامد رحمه الله نهضويا، لكنه لم يكن ضد النهضة ولا ناقدا لنهجها ولا لنهج الوفاق قبلها:
لست بناهض ولا ناقض :: أو ناقد أمر الفتى الناهض
واسطة ما بين هذا وذا :: فلست بالبكر ولا الفارض
كان المختار ولد حامد فعلا من أنصار حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني وأحد مؤسسيه لكنه لم يكن ضد الوفاق، وكان أهل الاتحاد التقدمي يريدون إبعاد الناس عن الزعيم أحمدو ولد حرمة، من ذلك أنه ذات وشاية تم استدعاء المختار ولد حامد في اندر من طرف الدرك وتم حل المشكلة، إلا أن نموما أراد إفساد الود بين المختار والزعيم أحمدو ولد حرمة وأحد أقرب مقربيه والذي هوبمثابة مستشاره الشخصي محمد الكريم ولد باني، أحد أماثل وأفاضل مدينة اندر حينها، فقال النموم للمختار إنما تم استدعاء الدرك لك بمكيدة من محمد الكريم وأحمدو ولد حرمة لانخراطك في حزب الاتحاد.
وكما يقول المثل بأن ” الگرظه إلا ما حاكتْ اتخلي ظيف أخلاگ” فقد حزّ الأمر في نفس المختار بل ربما عبر عن ذلك لبعض خلصائه، وذات مقيل للمختار في اندر مع الشيخ الفاضل أحمدو بن احبيّب اليدمسي وكانا صديقين يجمعها العلم والمعرفة والاهتمام بالتاريخ، وهو الذي يقول فيه المختار:
أَحْمَدُ مَنْ لَقِيتُ فِي أَنْدَرٍ :: أَحْمَدُ مَنْ تَاهَ بِهِ أَنْدَرُ
مَنْ مِثْلُهُ فِي أَنْدَرٍ نَادرٌ :: وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ أَنْدرُ
في شجون الحديث اشتكى المختار لأحمدو تنملا في يديه لا يعرف سببه، فقال أحمدو لعلها تاژبّ من الگوم، فأنت ظلمت محمد الكريم وأحمدو اعتمادا على وشاية مغرضة، فأحمدو ولد حرمة لم يكن في اندر أثناء استدعائك، ومحمد الكريم هو من سعى مع المترجم الشاب محمد عبد الله ولد الحسن في حفظ القضية.
عندها تبين المختار أنه كان ضحية نميمة أراد صاحبها إفساد ذات البين بينه وبين صديقيه، فكب معتذرا لهما:

أمتهمٌ محمدٌ الكريمُ :: معاذَ الله يتهمُ الكريمُ
أم أحمدُ أحمدُ الفتيان سعيا :: أخو الدينِ القويم المستقيمُ
معاذ الله لكن نمَّ واشٍ :: نمومٌ، أيها الواشي النموم
علي قد افتريتَ، أفكتَ إثما :: فأنتَ أظن أفاكٌ أثيمُ
بغيتَ عليّ عدوانا وظلما :: وإن الظلم مرتعه وخيم
أردت فساد ذات البين، مابي :: وداد حادث وهوى قديم
لقد أشمتَ بي من كان فيه :: يلوم، فكم فتى فيه يلوم
ويأبى أنني مازلت ردءا :: لأحمد حيث أقعد أو أقوم
عكست قضية وقلبت فيها :: حقيقة من مودته صميم
فما عوجت مني،مستقيم :: وما صححته هو السقيم
فقله بحضرتي تخجل وتغضي :: فقد يغضي من الخجل اللئيم
على أني و في الأشعار حكم :: سأورد فيك ما قال الحكيم
ستعلم في الحساب إذا التقينا :: غدا يوم القيام من الظلوم
إلى الديان يوم الدين نمضي :: وعند الله تجتمع الخصوم

أصبح حاضر القوم ماضيا والأربعة الآن مجتمعون عند الديان الذي لايموت، عفا الله عنهم وجمعهم في مستقر رحمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً