مقارنة منصفة غير متحيزة بين الحرب الروسية على أوكرانيا والحرب الأمريكية وحلفائها على العراق بالامس

في خطاب للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، حول حربه ضد أوكرانيا، أوضح فيه مُغالطات السياسة الدولية التي تتبعها أمريكا وحلفاؤها دول الغرب، وهي تبرر شن الحروب على الدول وتدخلاتها السافرة بطرق وأساليب خارجة عن القانون والأعراف الدولية وحتى القيم الأخلاقية والإنسانية، وكشف بوتن بخطابه هذا عن تدخلات أمريكا الأخيرة في الدول مثل يوغسلافيا وتفكيكها لدول عدة، وإفغانستان مرورا بالعراق وسوريا وليبيا والصومال غير أن أبشع الحروب الأمريكية وحلفاؤها تلك التي وقعت ضد العراق في العام 1991 وفي العام 2003، وما رافقهما من تدخل سافر تحت حجج وذرائع واهية فبركتها بريطانيا بزعامة توني بلير، والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب والأبن المجرمين الإرهابيين، ومنها إدعائهما امتلاك العراق لأسلحة جرثومية يمتلكها العراق، وكم كان المشهد فاضحا حين ظهر وزير الخارجية الامريكي من على شاشات التلفزة العالمية وهو يحمل بيده كذب وأفتراء قنينة صغيرة ذات حجم صغير، مدعيا إنها نوع من أنواع الأسلحة الجرثومة التي يمتلكها العراق ويستهدف من ورائها تدمير العالم!؟

بهذه الحجج والذرائع الواهية، وبإستهانة واضحة للمنظومة الأخلاقية التي يفترض أن تحكم العلاقات الدولية تم تدمير العراق وبنيته التحتية تدميرا شاملا وشل الحياة شللا ما بعده شلل، فيما تم إستباحة كل محضور حضاري وإنساني حتى صح القول المأثور،عندما يختلف اللصان يظهر السارق والمسروق، لحظة إن أظهر الرئيس الروسي بوتن الحقائق جلية وواضحة، عندما شَعَر أن الغرب الأمريكي أخذ يطرق الباب الروسي لتحجيم دورها وخنقها عسكريا وسياسيا وإقتصاديا كما حصل تماما في العراق لكن عند الوقوف للمقارنة بين التدخل الروسي في أوكرانيا والتدخل الأمريكي في العراق، سنجد أن البون شاسع وكبير بين ما حدث للعراق من قبل التحالف الأنكلو ــ أمريكي الصهيوني والتدمير الممنهج الذي أستخدم ضد العراق وهذا ما لا نتمناه أن يحدث لأوكرانيا، ليس إنحيازا لروسيا ولكن للتذكير ليس إلا..

ويبدو أن المنهج الروسي العسكري قد أخذ بعين الإعتبار عدم التعرض إطلاقا بقصف كل ما يتعلق بالحياة الإنسانية في أوكرانيا وأهمها إمدادات الطاقة المحلية والعابرة من روسيا الى اوربا عبر أوكرانيا، ومنها محطات الغاز والكهرباء والماء إذ لايزال الأوكرانيون يتمتعون بنعمة الماء والكهرباء مثلا بخلاف ما فعلته امريكا حين أقدمت مع سبق الإصرار والترصد على تدمير محطات الكهرباء ولأكثر من مرة في العراق..

ففي أوكرانيا، وهي العدو المُتحالف مع أمريكا والغرب، الذي يحاول سرطنة الخاصرة الروسية، لم يشمل القصف الروسي تدمير أو تخريب إمدادات الماء، والجسور، وأنفاق المترو وتدمير أو شل عوامل الإقتصاد والحياة المدنية، كما فعلت ذلك أمريكا الإرهابية في العراق وبوحشية قاسية، ولم يَقم الجيش الروسي حين دخل كُبريات المدن والمقاطعات الأوكرانية بحرق مقار الوزارات والدوائر البلدية ومخازن المواد الغذائية وصومعات الحبوب، ولم يَقم بسرقة البنوك والمصارف والمتاحف، بل راح يحث الأوكرانيين على مساعدته لإبقاء كل شيئ على حاله، بخلاف ما فعلت أمريكا بالعراق حين تم تدمير كل شيئ يتعلق بديمومة الحياة الإنسانية وتنفسها، بل شجعت نفر ضال من ذوي النفوس الضعيفة على السرقة العمدية، فيما راحت هي تتولى سرقة ما خف حمله وغلا ثمنه ومنها النفائس والودائع والسبائك الذهبية في البنك المركزي العراقي والمعادن الثمينة ومعالم العراق الحضارية والأثارية ونوادر أخرى لا تُعد ولا تحصى، وما خفي كان أعظم..

أو ليس من حقنا، أن نجري تلك المقارنة بين فعل قبيح وفعل أقل منه إذا كان للحرب ثمة ضرورة وأسباب وأن نُسجل للتاريخ الإنساني الجوانب الأخلاقية في العلاقات الدولية، وأن نلفت نظر الأجيال القادمة إزاء ما حصل سابقاً وسيحصل في قادمات الأيام في هكذا نزاعات دخلت منهج الحروب بين دول مُتغطرسة (عظمى أو كبرى) كما تدعي، ودول ضعيفة غير قادرة للدفاع عن نفسها، ومن قبيل ذلك أو ليس من حقنا أن نتساءل، لماذا كشفت روسيا اليوم وهي تدافع عن نفسها ضد الخاصرة الأوكرانية السرطانية وأسيادها اميركا وأوربا حقيقة تلك الأمور، وراحت تدين بصريح العبارة هي والصين النظام الدولي القائم على الأحادية والتفرد بتدمير العلاقات الدولية بعنوان الغطرسة الأمريكية وذراعها العسكري حلف الناتو..

إنه حقا نظام غير عادل كما يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في تساؤلاته، ومنها تساؤلات أخرى مفادها، لماذا إلتزمت الكثير من دول العالم ومنها دول اوربية الصمت عن كل ما إقترفته الولايات المتحدة الأمريكية من جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية بحق عدد من الدول ومنها يوغسلافيا وسوريا والعراق وأفغانستان وليبيا والصومال لا لشيء إلا لزرع الرعب في العالم لكي تحقق مصالحها الإقتصادية وسيطرتها الجيوسياسية والعسكرية. ولكن قدرة الله العادلة لهم بالمرصاد (وإن ربك لبالمرصاد) ولولا دفع الله الناس بعظهم

ببعض لفسدت الأرض.

شبكة البصرة: اللواء الركن فيصل الدليمي

الجمعة 8 شعبان 1443 / 11 آذار 2022
 

مقالات ذات صلة