من الارشييف : اسلم ولد سيدي حمود تاريخ حافل بالتضحيات…/ حمزة ولد سيدي حمود
صادف يوم أمس الذكرى الرابعة لرحيل أخي الأكبر إسلم ولد سيدي حمود عن عمر ناهز 71 سنة، إذ كانت وفاته يوم 24 سبتمبر 2017 ولغزارة المطر في تلك العشية بعد طول انقطاع، لم يبدأ تلقي التعازي في المرحوم إلا في اليوم الموالي. وقد رثيته حينئذ بهذه القطعة:
إنا لله قد غاض الوفاء وأودى البر وانهد الإخاء
وكل المكرمات غدت بواك وقد حق الغداة لها بكاء
أما تبكي وقد ثكلت سريا شريفا زانها منه السناء
وكان إسلّمو في الفضل صدرا نماه تقاء للعلى وآلاء
فمن ذا للحقوق إذا استبيحت ولم يرفع لنصرتها لواء
ومن عند المكاره إن ألمت وخان الجأش ربط أو وكاء
يصمم صوبها دون إئتلاء ويحسم داءها منه الأداء
ومن ذا في المروءة بحر جود وحلم لا تكدره الدلاء
لقد حذق العلوم وأحذقته وفي الشرع استطاب له ارتواء
فليس لغيره ماض ببيع وليس لغيره يغري شراء
وإن عبس الزمان وناب ضيق ووسوسة النفوس بما يُساء
تسامت نفسه عن كل سوء وشأن التبر إن صهرت نقاء
“كريم، لا يغيره صباح عن الخلق الكريم ولا مساء”
حباه الله في الأخرى نعيما وضاعف بالمثوبة ما يشاء
وصلى ربنا ما نض عرق على المختار وانسابت ذكاء.
وفي الكتابات التي تروج من وقت لآخر حول تاريخ الكادحين ورجالاتهم، تم ذكر المرحوم بأدوار رأيتها، على أهميتها، دون مقاسه، إن من ناحية السابقة أو النموذجية أو التأثير بحكم الوزن الاجتماعي والمحتد، والمميزات الشخصية.
قبل الانخراط في الفعل المناهض للتبعية للاستعمار بتأثير من ابن عمتنا القيادي البارز والعقل الطلائعي الملتزم والرصين محمد الناجي بن محمد بن أحمد، كان إسلم تلميذا في معهد أبي تلميت، محاطا بما لا مزيد عليه من التجلة والتكريم من طرف اساتذته الجهابذة، وخاصة منهم العلامة محمد بن أبي مدين والعلامة بب ولد التاه.
كان العلامة الجليل محمد بن أبي مدين، بحسب ما سمعت إسلم يدلي به غير ما مرة وفي مجالس بها بعض زملائه في القسم، مصرا دائما على أن تكون العلامة الأولي في الاختبارات والامتحانات من نصيبه، إن استحق ذلك بعمله وهو الأغلب فذاك، وإلا زاده هو لأفضليته عنده، بما يكفي من النقاط، ويعلن ذلك للتلاميذ صراحة.
وبذات المنطق ربما تغاضى له الأساتذة والإدارة في المعهد عن الزلات وإن عظمت. من ذلك أن التلاميذ اعصوصبوا ذات ليلة ضد المراقب وأوسعوه ضربا في عتمة إحدى القاعات، ولم يكن إسلم من بينهم. بعدها تم حشرهم جميعا بحضور السلطات الأمنية وتُوعدوا بنكال يطال كافتهم إن هم لم يُخرجوا الفاعل أو الفعلة من بينهم. فما كان من إسلم إلا أن وثب من بين الصفوف وأعلن أنه الفاعل وليكن ما يكن. فتمت الغاية بالإفراج عن الجميع ولم يمسسه سوء وأغلق الملف.
في إحدى السنوات، وأظنها سنة 1971 أو التي بعدها، بينما كان إسلم عائدا من مخبئ تحت الأرض في كثبان تيارت يقوم داخله بطباعة صيحة المظلوم وغيرها من المنشورات، في ثياب رثة على عادة المناضلين المهنيين، وفيما كان يمر ما بين الرئاسة و”المكاتب” في الموضع الذي كانت به وزارة الخارجية قبل هدمها، أبصره أستاذه الأخر العلامة بب ولد التاه وعرف أنه هو فما كان منه، على جلالة قدره إلا أن نزل من المكاتب معترضا سبيله ودعاه مناشدا للتخلي عن هذا الحال غير اللائق وأنه سوف يجد له تعيينا في وظيفة مناسبة. فواعده بمراجعته في الموضوع، ولكن على سبيل التملص فقط.
المكانة الاجتماعية والحظوة هما أيضا من خولتا إسلم ولد سيدي حمود لإلقاء خطابه الشهير أمام الرئيس المختار ولد داداه عند زيارته للمقاطعة في ابريل أو مابو 1967. لقد تنازل له مسئول الشباب عيدود ولد الكيحل عن إلقاء كلمة الشباب فصيرها خطابا يحمل برنامجا كاملا للإصلاح تضمن فيما تضمن، ثلاث نقاط تمت الدعوة لها لأول مرة على هذا المستوى وبشكل مرتب ومتناسق وهي: التعريب، وتأميم “ميفرما” والإصلاح العقاري. جرى ذلك في جو منقطع النظير من التعبئة والحماس استفرغت فيه القبائل كل إمكانيات التعبئة التي في جعبتها وأحضرت إدكجملل بقيادة عبد الله ولد كبد رحمه الله فيلق النخبة لديها “أهل بور “. كان كلما ألقيت فقرة، دوت طلقات المدافع بالبارود مما يعطي الانطباع بتبني الجمهور لمضمون الخطاب. وقد خصص الرئيس المختار جل خطابه للإجابة على” ما قال ممثل الشباب”، نقطة، نقطة. وقال لي الكاتب الصحفي سيدين ولد إسلم الذي كان يرافق الوفد أن الشرطة، بعد عودة الوفد إلى نواكشوط، جاءت تريد استلام نسخة الخطاب الأصلية، لكنه أحس بالأمر وبادر بتهريبها للخارج وتسليمها لأخينا المرحوم الطالب أحمد ولد سيد حمود، فعمدوا إلى تحويله من جهاز التسجيل.
كان ذلك قبل “توكومادي” وقبل مؤتمر العيون فيما أظن.
وبحسب علمي فإن إسلم كان من بين سبعة أو نحو ذلك هم من أسسوا حزب الكادحين عام 1971 في العمارة التي تحمل أسم Bloc manivelle.
وقال لي صديقي محمد عبد الله (ولد هدال) ولد زين أن المرحوم محمد سالم ولد العتيق (“العم هو”) ، وكفى به شاهدا، جمعهم ونصحهم بالتخلي عن “الكدحة” قائلا:
“أبناء سيدي حمود هم من كانوا يحملون “الكدحدة” على أكتافهم. الآن وقد تخلوا عنها فلن تقوم لها قائمة والرأي عندي تركها”.
أرجو أن يكون فيما تقدم سد لبعض الثغرات.