سياسة اللامركزية واسهاماتها في التنمية المحلية بولاية تكانت…/ بقلم : محمد الراظي بن صدفن

تجكجه16 اغسطس 2021 ( الهدهد .م.ص)

تعرف اللامركزية بأنها عملية إدارية ترمي إلى نقل انشطة
إقتصادية و خدمية من منطقة مركزية مسيطرة الى أقاليم
اقل نموا لتحريك اقتصادها.
و هي من هذا المنطلق
تشكل إطارًا ملائمًا لإشراك
المجتمعات المحلية في تخطيط و تنفيذ و متابعة تنميتها الذاتية. كما تساهم في الوقت ذاته
بمشاركة مختلف الفاعلين المحليين في العملية التنموية
بهدف تحقيق إستغلال أمثل للموارد الطبيعية المحلية
المتاحة و تشغيل الأيدي العاطلة عن العمل في تلك المناطق،
مما يضمن في النهاية تحقيق أهداف خطط التنمية الوطنية بصورة فاعلة و إيجابية.
لقد أخذت اللامركزية حيزا مهمًا من إهتمامات رئيس الجمهورية
السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، حيث ركز في برنامج “تعهداتي” للشعب الموريتاني على ضرورة تحقيق تنمية جهوية مندمجة و شاملة تأخذ بعين الإعتبار ربط برامج و مشاريع التنمية المحلية بالحاجات الأولوية المختلفة للمناطق الداخلية و ساكنتها و خصوصًا الشرائح الإجتماعية الأكثر هشاشة وتوفير موارد الدولة وإستثماراتها لتصل إلى كل ولايات الوطن بشكل
يسمح بالحد من الفوارق الإقتصادية و الإجتماعية و يرسخ مبدأ الديموقراطية و توسيع قاعدة الشراكة الشعبية
في عملية صنع القرار التنموي
على المستوي المحلي.
في هذا السياق، وتناغمًا مع توجيهات رئيس الجمهورية و تجاوبا مع تنفيذ مشاريعه
في مجال اللامركزية و التنمية المحلية و الحكم الرشيد
على المستوي الجهوي، فقد بادرت السلطات الإدارية

٩

بولاية تكانت خلال السنة المنصرمة بتوفير الأسس الموضوعية لتطبيق مقاربة
تنموية تشاركية و ذلك عبر إستحداث لجان تنموية محلية شملت جميع المجالات الحيوية
كالصحة و التعليم و الثقافة و المياه و الشباب و الرياضة و الأمن وغيرها…

لقد مكن هذا المجهود من التصدي بفاعلية و نجاعة لجائحة الموجة الأولي و الثانية من كوفيد 19 عبر إطلاق عمليات توعية وتحسيس المواطنين حول خطورة هذا الوباء وضرورة الوقاية منه
و انطلاقا من المقولة المشهورة ” الوقاية خير من العلاج” شملت جميع مقاطعات الولاية وفرض رقابة صارمة على مجالها
الترابي .
لذلك تم تصنيف الولاية
من بين الولايات الأقل تأثرا بالجائحة لسنة ٢٠٢٠ م.
و قد تواصلت الجهود في نفس المنحي خلال سنة ٢٠٢١ الحالية مركزة هذه المرة على تحسين أوضاع السكان من خلال معالجات صارمة لملفات ذات أولوية مثل المياه و دعم النشاطات المدرة للدخل و تعميم التغطية الصحية و المدرسية على كامل تراب الولاية وتفعيل
أداء الموظفين و تقريب
الخدمة العمومية من المواطنين.
وسعيا منها الى تحقيق هذه الأهداف التنموية المهمة قامت اللجان الجهوية بتوجيه من والي الولاية د . المختار ولد حندة و باشراف مباشر منه بتنفيذ جملة من النشاطات شملت ما يلي:

– إجراء إستبيان حول وضعية المياه في مدينة تجكجة شملت ٣٣٨ أسرة من مختلف أحياء المدينة السكنية البالغة ٢٥ حيا سكنيًا.
لقد مكنت نتائج هذه الدراسة من الوصول إلى إتخاذ الإجراءات التالية:
– وضع حد للإستخدام المفرط للماء الشروب لأغراض سقاية النخيل و الحدائق و سقاية المواشي و أغراض البناء،
-إطلاق حملة واسعة لدى ساكنة
تجكجة من أجل ترسيخ ثقافة ترشيد المياه و عقلنة إستخدامها…
– مباشرة شركة المياه العمل على
تسوية المشاكل الفنية التي تعيق وصول تدفق المياه نحو جميع الأحياء السكنية و تطبيق جدولة صارمة وعادلة لتوزيع المياه عليها.
– فصل الآبار ذات الملوحة عن الآبار ذات المياه العذبة و تخصيص الأولى للإستخدامات التنموية.
– توسعة شبكة المياه و تزويد كل
المدارس بعاصمة الولاية بالماء
الشروب بواسطة فتح حنفيات في كل منها .

و في المجال الصحي تتواصل جهود التعبئة للتصدي للموجة الثالثة من كوفيد-١٩ عبر توفير
العدد الكافي من اللقاحات المطلوبة على مستوي المراكز و النقاط الصحية و حث الساكنة
بالولاية على ضرورة التجاوب مع
مطلب التلقيح للجميع و المشاركة في حملة التبرع بالدم لصالح المستشفيات .
أما على المستوي التربوي، فقد لقيت مبادرة الوكيل التربوي لدعم المنظومة التعليمية التي أطلقتها السلطات الإدارية إستحسانا كبيرًا من لدن
السكان و رابطات آباء التلاميذ حيث عبروا في جميع
المقاطعات عن تثمينها و التي
تهدف إلى الرفع من مستويات التلاميذ من خلال التقيد بمنهج المتابعة و التقييم التربوي الدقيق لمستوى التلاميذ
بغية التعرف عن قرب على وضعياتهم المعرفية و الإجتماعية و النفسية وهو ما يسمح بتصحيح الإختلالات و القيام بالتأطير التربوي الانجع
للحد من التسرب المدرسي و الحفاظ على مستقبل الأجيال.
إلي جانب هذه الإنجازات تم القيام بإجراءات مصاحبة
تمثلت في إجراء دورات
تكوينية لكل الموظفين بالولاية في مجالات علوم التدريس
و المعلوماتية و الحكامة و في إتقان اللغات الأجنبية من اجل
الرفع من اداء الإدارة وتسهيل
عملية التواصل مع الشركاء الخارجيين.
و شمل التكوين كذلك التأطير التربوي للمعلمين و المفتشين
و رابطات آباء التلاميذ و تكوين مسؤولي العمل الإجتماعي في
مجال الخدمة الإجتماعية وذلك على مستوي مقاطعات الولاية
الثلاثة.
فعلاوة على ما تقدم، فقد تم تقديم خلال سنة ٢٠٢١ م وحدها تمويلات معتبرة لأزيد من عشرين مشروعا مدار للدخل،
كما أستفادت7281 أسرة محدودة الدخل من التحويلات المالية.
وحصلت ايضا أكثر من ٥٢ تعاونية زراعية و رعوية
على قروض ميسرة من صندوق القرض والتنمية .

و على الرغم من أهمية هذه التجربة النموذجية بالنظر إلى
السياق العام الذي تمت فيه
و حجم التحديات التي تواجهها البلاد نتيجة للإنعكاسات السلبية الناجمة عن تداعيات
جائحة كوفيد-١٩ على الصعيد العالمي فإنه لا تزال هناك بعض
الإختلالات الهيكلية و بعض التحديات الجوهرية ذات الصلة باللامركزية والعمل التنموي
الجهوي عمومًا.

وفي هذا السياق بالذات يتعين على الدولة تقديم الحلول
الناجعة لها و في مقدمتها الإطار
المؤسسي و التنظيمي و توفير
الموارد المالية الضرورية و حل
مشكلة النظام العقاري و تأهيل
القدرات المحلية و هي أمور
جوهرية لا يمكن لأية تنمية محليةأن تقوم من دونها.

و في إنتظار تحقيق ذلك فإن أي
محاولة للنهوض بالعمل التنموي
الجهوي تبقي مجهودا شخصيا يحسب لأصحابه ويجب تثمينه
من طرف الجميع.

مقالات ذات صلة