الذراع الاعلامي لترويج التراث وتعزيز الهوية والثقافة الوطنية …./ خديجة منت ابراهيم

العمل الوطني الجاد ، ليس صورة وهمية مركبة نصنعها لحظة زمنية محددة ،ثم تتهاوى أسس تراكيبها في أول لمسة إختبار وتجربة من قبل فاحصيها ، بل هو خطوة فعلية دقيقة ومنسقة انبثقت نتيجة فكرة معينة، و إرادة وهمة ويقظة عالية ، لتتجسد المفاهيم كلها ،عبر إنجاز حقيقي وواقعي لا يمكن تجاوزه وتجاهله ابدا، ولا إهماله بين ترهات ومتاهات الفكر وخلله، وجنبات العجز والتسويف والمكابرة .

ليس لصدق الوطنية مقياس يقاس به عندما يكون الهدف شهما ونبيلا ، يعمل على تجديد وإحياء القيم الإنسانية والأخلاقية والإجتماعية ، لأمة باتت مسألة الحفاظ على مرتكزات استمرارها واجب وطني قائم بذاته لايحتاج الى تعليل أوتفسير ، وظل العمل على تحقيق ذالك المبتغى عاملاً ضرورياً ، وسط ما يسمى بتنامى الفكر الرجعي المتطرف ، وما يشيعه من نوازع شر متنوعة ، وصراعات بواحة، وغايات صراحة، وفلسفات ضارة، تتناقض بشكل صريح وجلي مع مفهوم الوحدة والتماسك والتآزر والتآخي وتجذير وترسيخ القيم والمبادئ والقواعد الأساسية التي يقوم عليها بناء مجتمعنا عبر جميع مراحله التاريخية والثقافية المختلفة.

الحديث هنا يتعلق بمشروع وطني جديد اعتمده الإعلامي المخضرم وعميد الفكر الإجتماعي السيد محمد الشيخ ولد سيدي محمد ، مدير قناة موريتانيا المستقلة ( قمم) ، استحدث خصيصا ، لاستكمال آلية وعمل هيئة التراث الموريتاني التي تأسست بتاريخ السابع عشر من إبريل 2025 ، و هو فرع من فروعها الأساسية متخذا عنوانا وطنياً لافتاً (مركز الإعلام الرقمي الموريتاني) ، ويتمثل في منصة وطنية حديثة تشرف عليها الهيئة وتعنى بإنتاج وتوزيع المحتوى الرقمي المتخصص في التراث الثقافي الموريتاني ، ويتضمن جميع الفنون التراثية الموريتانية ، وتستخدم فيه أكثر الآليات والتقنيات حداثة في مجال الرقمنة ، وهو الذراع الإعلامي التواصلي لترويج التراث وتعزيز الهوية والثقافة الوطنية.

يسعى مركز الإعلام الرقمي الموريتاني هذا ، إلى ترسيخ ثقافة التعايش والسلم والوحدة الوطنية وتعزيز الهوية الموريتانية الأصيلة من خلال الإعلام الهادف والتأثير والإسهام في خلق وعي وطني شامل يربط بين جميع مكونات المجتمع الواحد، مع رقمنة وتوثيق التراث الثقافي لنقله إلى الأجيال القادمة خاليا من التشويه ، بوسائل حديثة ومعاصرة ، تواكب العصر وتحافظ على الخصوصية والمضمون الأصيل للأمة.

كما يعمل المشروع على تعزيز الحضور العربي الإفريقي والدولى لموريتانيا عبر المشاركة في الحوارات الثقافية المختلفة ، ومد جسور التواصل والتعاون مع المراكز والمؤسسات الإعلامية حول العالم ، وإنتاج أفلام وثائقية، وسلاسل قصيرة حول المدن التراثية والحرف ، وبرامج حديثة بودكاست ، وإذاعة رقمية بإسم صوت التراث ، وتقارير مرئية ومهرجانات ومعارض وفعاليات، وبرامج تنفيذ في جميع أنحاء التراب الوطني دون إستثناء لتشمل ولايات انواكشوط الثلاثة ،ومركز ابوبكر بن عامر مكسيم للدراسات والأبحاث وإحياء التراث ، وأكاديمية التكوين والتعليم والتسامح والسلام في انواكشوط والقرية التراثية ومتحف المقاومة الوطنية.

ويطيب لي في هذا المقام بما لا يتجاوز مصداقية الأهداف المذكورة ، التذكير بأن المشروع جاء في ظل إنتشار مفاهيم خطيرة لتحريف تراكيب الكلمة ، والرأي والحيلة والتشويه ، وإثارة الفتن والشبهات والتظلم ، والمحاولات المستمرة لإضعاف المجتمع واستهداف قيمه وكل ما يقوم مقام السيف والبندقية لدى غزاة مجهولي الغاية والهدف.

فالظروف العامة والظواهر المترادفة تعزز من وجهة نظر المشروع ومحتواه وأهدافه ، فهو ليس مجرد فكرة عابرة عادية وإنما هو مستنبط من عقول أصحابه ورؤيتهم العميقة المتقدة ، تجاه تاريخ أمة بشتى أبعاده الدينية والإجتماعية والثقافية والفكرية والوجودية ، وما غايتهم في ذالك سوى التذكير بمكانتها التاريخية والجغرافية ، وإذكاء الهمم وشحذها للنهوض بواقعها ومستقبلها نحو خطوات افضل، وتسهيل مهمة ترتيب خصائصها من جديد لبسط الحماية على تراثها ، واستنهاض تاريخها القديم والمعاصر و ترميم وصيانة مقوماته ، للحفاظ عليه عبر توثيقه وجمعه وحفظه ، من عبث الزمن وأصحابه والمجتهدين من أهل المدينة وما حولها ، إدراكاً منهم أن التراث خاصية وعامل صراع رهيب ومباشر ، وبضياعه يختفي الكيان والشرعية والأحقية، فسلكوا كل مسلك يسهم بقوة في تحقيق ذالك.

ويكفي دلالة على فخامة الجهود والفكر والعمل، هو مايبذله هؤلاءالوطنيون ، في سبيل إيجاد حلول وآليات ملائمة تدعم وتعزز من خطواتهم نحو تنفيذ تلك الأهداف، فالناظر لتاريخنا وواقعنا المعاصر، ليدرك تماماً دون عناء أن قضية التراث وحفظه ورعايته وصيانته أمسىت ضرورية وملحة ، مع العلم أن اليقظة واستيعاب مثل هذه القضايا بالغ العسر على فهم من لايدرك أبعاده الأيديولوجية الحقيقية ، فلطالما عصفت الخلافات والصراعات والمعتقدات دون ذكر تفاصيلها ، بتراث أمم خلت من قبلنا ، فهو لمستهدفيه أكثر أهمية وقيمة من أصحابه وصانعيه ، لكونه مثقل بالنفائس والذخائر التاريخية والثقافية والفكرية والحضارية ، وهو تلك الثروة الفكرية الهائلة التي أنتجتها عقول أسلافنا من سير ومعتقدات وعادات وتقاليد مجتمعية ، وهو دليلنا المادي والمعنوي القاطع على أصالتنا وامتدادنا وأصالة جذورنا التاريخية والمعاصرة ، وهوضرب من السيادة والاستقلالية والحضور ، وهو مرآتنا وواجهتنا الحقيقية ، التي نزاحم وننافس بها الآخر، ولون من ألوان الحضارة ومظاهرها ، وكل ما يشمل نظم الحياة المتعددة لاختلافنا وتعددنا ،وهو الأساس الراسخ الوطيد لماضينا و حاضرنا ومستقبلنا ، فذكره يجب أن لا يتوقف عند حدود الإشادة والاعتزاز به فقط ، بل عليه أن يتجاوز إلى أكثر من ذلك، لتعزيز وتقوية وصناعة مستقبل أمة واحدة وإعادتها من جديد، تحت سقف مظلة موحدة شاملة ومتكاملة، تقوم على مجابهة التحديات المتأرجحة من أجل كسب معركة الحياة وتذليل صعابها والقضاء على مؤثرات الزمن ومستحدثاته، و رفض الاستسلام والخنوع لمن يركب أمواج التفرقة والتكلف واللجاج.

بقلم خديجة إبراهيم

مقالات ذات صلة