التعليم في برنامج تعهداتي … بين الوعد والإنجاز…/ بقلم : كليم الله ولد احمدي
نواكشوط 05 اغسطس 2021 ( الهدهد. م.ص)
شكل اهتمام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بالتعليم، منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشحه، بارقة أمل لانتشال هذا القطاع من واقعه المتردي، وتعزز ذلك الأمل، بإعطاء أولوية خاصة في برنامج تعهداتي للتعليم.
لقد كانت رؤية الرئيس للتعليم واضحة، تشخص الخلل، وتحدد العلاج، ويمكن أن تكون أساسا قويا، للنهوض بهذا القطاع الحيوي، ووضعه على السكة الصحيحة، لبناء أجيال المستقبل، وإرساء مدرسة، يجد فيها كل موريتاني ذاته.
اعتمد برنامج الرئيس على جملة من النقاط الأساسية، سنحاول جرد أهمها، ونتساءل بعد عامين من انتخاب الرئيس: ماذا تحقق منها؟ وهل كانت فعلا الإكسير، الذي ينتظره القطاع، ليقف على قدميه؟
انطلق برنامج تعهداتي لتشخص الواقع التعليمي من عجز المدرسة الموريتانية عن فتح آفاق التطور المهني المنشود، أمام الشباب من جهة، وإعداد اليد العاملة المؤهلة الضرورية، للنهوض باقتصادنا من جهة أخرى، ليشير إلى دور التعليم في النهوض بالبلدان، واعتباره حجر الزاوية في تنميتها، وتطور اقتصادها، ثم اعترف البرنامج بعدم كفاية خمس سنوات ( مدة مأمورية الرئيس)، لإصلاح جميع الاختلالات في منظومتنا التعليمية، إلا أنها يمكن أن تكون أساسا، لإرساء قواعد المدرسة، التي نحلم بها جميعا لأجيالنا الصاعدة، محددا معالمها بالمدرسة، التي يجد فيها كل طفل موريتاني فرصة، لنمو طاقاته، وتفتق مواهبه في جو تعليمي هادئ، تطبعه القيم النبيلة المستمدة من ديننا الحنيف، وثقافتنا العربية الإفريقية.
وسنسلط الضوء في ما يلي على النقاط، التي تعهد بها الرئيس في برنامجه الانتخابي، خاصة ما تعلق منه بالتعليم الأساسي والثانوي، ومعرفة مدى التزامه بذلك التعهد في السنتين الماضيتين من مأموريته.
من أهم تلك النقاط الواردة في البرنامج:
– لا مركزية القيادة، وذلك بتوزيع المسؤولية على مختلف مستويات الهيئات المعنية بالتسيير، وفي هذا الجانب يمكن أن نستحضر رسائل التكليف، التي حددت للمديرين الجهوين مهامهم، في إحياء لعرف غاب عن المشهد لسنوات، هذا بالإضافة إلى تعزيز دور المفتشيات وبعثات التفتيش، وتفعلها، مع ملاحظة عدم تعزيز إمكانياتها المادية، بشكل يساهم في قيامها بدورها على أكمل وجه.
– اكتتاب المدرسين محليا: لم يتغير نظام الاكتتاب عن المألوف.
– إدخال الرقمنة ضمن آليات تسيير سجلات التلاميذ والمسارات الوظيفية للمدرسين: وفي هذا الصدد تم إنشاء منصة seije، والتي أرى أنها من أهم الإنجازات، التي تحققت في السنتين السابقتين، حيث كان القطاع يعيش فوضى كبيرة في ضبط الأشخاص، وغياب الإحصاءات الدقيقة، وظلت المصادر البشرية ساحة لفوضى التحويلات، بل تحولت إلى سوق رائجة؛ وينتظر أن تكتمل هذه المنصة قريبا، بإذن الله.
– مراقبة دائمة لمستوى جودة الخدمة العمومية بواسطة سلطة وطنية، لمراقبة جودة التعليم، وهي السلطة التي تم إنشاؤها، ودخولها حيز التنفيذ مؤخرا، حيث تم تعيين مدير لها.
– إنشاء لجان تسيير المدارس، لتعزيز رقابة المواطن على الخدمة العمومية في قطاع التعليم، وقد تمت المرحلة الأولى من تعيين هذه اللجان، بعد إصدار القانون المنظم لها، وستساهم هذه الخطوة في تعزيز الصرامة في الميدان، لمكافحة التغيب.
– رفع نصيب القطاع من الموارد العمومية، ليصل تدريجيا إلى نسبة 20% من الميزانية نهاية المأمورية: وفي هذا المجال لم تصل ميزانيتا قطاعي التهذيب والتعليم العالي بعد إلى 13% من الميزانية العامة للدولة، وإذا اعتبرنا مخصصات التعليم في كل القطاعات الوزارية الأخرى، نجد أنها بالكاد تصل مجتمعة إلى 18% من الميزانية العامة للدولة، ليتبين أنها دون المطلوب؛ وما لم يجعل المدرسون في ظروف مادية مرضية، ويتم توفير كل ما يحتاجه قطاع مترهل من حاجيات، بالإضافة إلى التسيير المحكم للموارد، وتوزيعها حسب الأولوية، لا يمكن للقطاع أن ينهض، ويتطور.
– القضاء على المدرسة الأساسية الابتدائية، ابتداء من السنة الدراسية 2020 – 2021: ولم تتمكن الحكومة حتى الآن من الدخول في الإجراءات التطبيقة لهذا التعهد، الذي تقف دونه بعض العوائق، والتي من أهمها بنية تحتية كافية، مع مستوى الاكتظاظ الحالي، الذي تعاني منه المدرسة العمومية، وهو ما جعل الحكومة تطلق عملية، لبناء المزيد من الحجرات الدراسية لسد النقص الحاصل فيها.
– اعتماد الزي المدرسي الموحد، وهي مثل سابقتها، لم يتم تطبيقها لحد الآن.
– مراجعة البرامج؛ وقد أطلقت الوزارة مراجعة شاملة للبرامج، وأسندت المهمة إلى متخصصين، منهم أصحاب خبرات خارجية، وتم الدخول في تطبيق برنامج السنوات الأولى من كل مرحلة، هذه السنة.
– إطلاق برنامج المعلم النموذجي، متضمنا الاعتراف بمكانة المعلم، وتقدير مهنته ماديا ومعنويا؛ ويمكن أن تدرج هذه النقطة في مشروع تثمين مهنة التدريس، الذي لا يزال يراوح مكانه، بعد نقاشات مع الطيف النقابي، وخلافات حول التمثيل.
– زيادة معتبرة لرواتب المعلمين، وهي النقطة التي لم يزل الكل يدعو إليها، ويعتبرها ضرورية، لتحسن وضعية التعليم، إلا أن رواتب المدرسين ما تزال متدنية، مع تحسن طفيف في علاوة الطبشور، واستفادة المديرين منها، ومع زيادة معتبرة لعلاوة البعد، وتعميمها، لتشمل مقدمي خدمة التعليم.
– إنشاء سلك جديد للمعلمين: وقد تمت المصادقة على إنشاء سلك المعلم الرئيس المستحدث، وهو ما سيعزز دخول الكفاءات في التعليم الأساسي، والرفع من قيمة المعلم المعنوية والمادية.
– تعزيز مدارس تكوين المعلمين: وقد قطعت خطوات مهمة في ذلك الاتجاه، حيث تم إطلاق مشروع المؤسسة، وتكوين المكونين، وإدخال بعض التحسينات المهمة على هذه المدارس.
– إنشاء مدرسة جديدة لتكوين المعلمين بكيفه: وهو ما لم يتم لحد الآن.
– تكوين المعلمين الممارسين: وقد تم الإعلان عن تقييم تحدد فيه حاجيات المعلمين للتكوين، ولكنه وجد معارضة واسعة من المعلمين، وأجرته نسبة لا تتعدى الثلث من إجمالي المعلمين، لم تستفتد من التكوينات، حتى الآن، رغم الحديث عن استعداد الوزارة لإطلاق التكوينات في العطلة الصيفية، وفي مجال التكوينات يمكن أن نذكر استفادة آلاف المعلمين والأساتذة من تكوينات على البرامج الجديدة.
– اكتتاب 6000 مدرس جديد: وفي هذا المجال تم اكتتاب مئات المدرسين الرسميين، تخرج منهم أكثر 1595 مدرسا، وما يزال حوالي 2800 تحت التدريب، إضافة إلى آلاف مقدمي خدمة التعليم، الذين نظمت لهم مسابقة انتقاء أول مرة، وقد التحق منهم بالتدريس أكثر من 3000 مقدم خدمة.
هذا بالإضافة إلى اكتتاب العشرات من المؤطرين، لم يكونوا ضمن برنامج تعهداتي، منهم 62 مفتش تعليم ثانوي وفني، و60 مفتش تعليم أساسي و100 مكون بمدارس تكوين المعلمين.
– بناء 3500 حجرة دراسية جديدة؛ وقد أطلقت الحكومة ضمن برنامج أولويات الموسع بناء 2000 حجرة دراسية، مما سيعزز البنية التحتية المدرسية.
– مراجعة الخريطة المدرسية: وقد تمت خطوات في هذا المجال، منها دراسة شاملة للخارطة المدرسية، وتجميع بعض المدارس، وتعزيز قدراتها.
– الكتاب المدرسي: وقد تم في هذا الإطار توزيع 500 ألف كتاب مدرسي، هذا بالإضافة إلى توفير نسخ ألكترونية، ساهمت في الحصول عليه بشكل أكبر.
– بناء الأقسام الداخلية في التعليم الثانوي، وتوزيع المنح، وتوفير النقل المدرسي: وهي نقاط، لا تزال بمكانها.
بالإضافة إلى تلك النقاط الواردة في برنامج تعهداتي، سعت الحكومة إلى تعزيز دور قطاع التهذيب، وتحقيق بعض النقاط المهمة، وإن لم ترد في برنامج، لانعكاساتها الإيجابية على القطاع، ومن أهم هذه للنقاط:
– تأسيس المجلس الوطني للتهذيب.
– توفير التغذية المدرسية لصالح 170 ألف تلميذ.
– مشروع تثمين مهنة التدريس.
– اقتناء 40 ألف طاولة مدرسية.
– برنامج لبناء مساكن للمدرسين في المناطق الريفية…
وخلاصة القول يمكن أن نخرج بأن برنامج تعهداتي في مجال التعليم قطع أشواطا كبيرة، بعد فترة أقل من نصف مأمورية الرئيس، بدأ فيها البرنامج يتجسد على أرض الواقع، رغم الظروف الصحية، التي مرت بها بلادنا والعالم جميعا، وما خلفته هذه الظروف من تأثيرات سلبية على جميع القطاعات، إلا أن الوضعية التي يوجد بها التعليم الموريتاني، تحتاج جهودا مضاعفة، ومتواصلة، وتخصيص ميزانية أكبر، مما تعهد به الرئيس، والدخول في مشاورات موسعة حول التعليم الذي نريد، ما سينعكس إيجابا على القطاع، الذي يعتبر رافعة الأمم وباني حضارتها.
كليم الله ولد أحمدي