الترجمة الرابعة عشرة : شذرات من حياة أعلام موريتانيا…/ د. أحمدو ولد آكاه

 

نواكشوط  23 فبراير 2021 ( الهدهد . م .ص)

الشيخ مَسْكَه بن بارك الله الشمشوي:
نسبه: هو أحمد مسكه بن بارك الله بن أحمد بزيد بن يعقوب بن أبيال بن عامر بن أبيال بن ابهندام (أحد المسمين بتشمشه) ينتهي نسبه إلى “جعفر الطيار بن أبي طالب” ـ رضي الله عنه ـ فهو إذن من قبيلة زاوية معروفة هي قبيلة “أهل بارك الله”.
حياته: لم يصلنا الكثير من أخبار “مسكه” إلا أنه كان عالما سيدا، ساد إخوته في زمنه على الرغم من كونه أصغرهم، وقد توفي في حياة والده فقال الوالد لإخوته:”تعالوا اقتسموا تركة “مسكه” يعني فضله، فعلى كل منهم أن يأخذ منه نصيبا.
كان زميلا في الدراسة لـ “ابن رازكه العلوي” (ت 1144هـ)، و”الماح بن بوالماح بن الفغ أوبك”، و”محمد اليدالي” (ت 1166 هـ)، أيام دراسته على “الشيخ مينحن” (ت1150هـ) يقول “ابن رازكه” مشيرا إلى تلك الصحبة بالشعر الحساني سائلا ربه ـ جل وعلا ـ أن يظلوا رفقاء الدرب خاصة في المجال الدراسي: (البت الناقص)
آنَ اوْمَسْكَه وَالْماحْ
اللهْ لَا يَفْرَكْنَ كَانْ انْتَتْـرُ لَالْواحْ
ثَمَّـا ايْشَيَّرْ ابْرَكْنَ
ويذكر أنه سافر مع “ابن رازكه” إلى المغرب، ويبدو أن “مسكه” كان مهتما بالكتب وتحصيلها حيث كانت الهدايا التي تقدم له تتمثل في الكتب، فقد أهداه “ابن رازكه” القاموس المحيط وامتدحه بقوله: (الطويل)
أَتِيجِرْتُ هَذا النَّيْلُ باللهِ خَبِّرِي
بِجودِ غَمامٍ أمْ بجودِ يَدَيْ مَسْكَا
هُمَا يَقفانِ النُّوقَ قَبلَ سُؤالِهِ
والَابْحُرَ بَعْدَ الغَوْصِ إِعْطاؤُها السَّمكَا
وما مسْـكـه إلا جَنَّةٌ دُنْيويَّـةٌ
بِهِ أضْحَكَ اللهُ الـوَرَى وَبِـهِ أبْكَى
كما أن القاضي “ولد اعل أممو السباعي” أرسل أبناءه لمسكه يعلمهم النحو مهديا له كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
وقد تخرج صاحبنا من محظرة الفقيه “مينحن بن مود بن مالك” (ت 1150هـ) المشهورة.
وتجدر الإشارة إلى أن “مسكه” أجازه “أحمد ابن ناصر الدرعي” إجازة عامة تدل على تقدير كبير يكنه الشيخ لتلميذه، ولا تزال إجازته المؤرخة بسنة 1117هـ موجودة، وقد أوردها صاحب العمران وإليك نصها بعد المقدمة:
“… هذا وإن الأخ في الله والمحب لأجله ذا الأخلاق السمية أبا العباس أحمد مسكه بن بارك الله فيه – نفعنا به وآبائه لمعرفته وأعاننا على ما كلفنا من خدمته؛ لصدق نيته وحسن طويته – طلب مني أن أجيزه بما صح لي تحمله، فأكبرت ذلك وأعظمته؛ إجلالا له، واستصغرت نفسي أن تكون أهلا له.
فلم أزل في ذلك أقدم رجلا وأؤخر أخرى، وأمسك العنان باليمين واليسرى، فلما اشتد إلحاحه علي، وعظمت رغبته من ذلك فيما لدي، أجبته إبراما لعقد محبته، ووثوقا لصفو سريرته، وخالص طويته، ولأفوز بخالص دعوته، فأقول:
أجزت بجميع مقروآتي ومسموعاتي وما صح لي تحمله للسيد المذكور، كل ذلك بشرطه المعتبر عن أهله المقرر في محله وزيادة شرط الدعاء بدوام العافية دنيا وأخرى والصدق في العبودية، والقيام بحق الربوبية والاستقامة وحسن الخاتمة عن أشياخنا وأساتيذنا عنهم المذكورة في مهارقهم، من أجلهم وأولاهم بالتقديم والدنا القطب القائم بالسنة الطاعن عن البدع بالأسنة إمام الطريقة الجامع بين الشريعة والحقيقة سيدي “أبي عبد الله سيدي محمد بن ناصر الدرعي” ـ نفعنا الله به وجعله رافلا في أثواب مرضاته ـ عن شيخه الإمام “سيدي محمد بن سعيد الزعتي” عن “الحسني أبي محمد مولى عبد الله ابن علي بن طاهر” عن أشياخه عن “الشيخ أبي محمد نجم الدين اللغيطي”، وهو عن جماعة أجلهم خاتمة المحدثين “شهاب الدين ابن حجر الكناني العسقلاني”، وهو بأسانيد مختلفة سردها في أول فتح الباري فلتراجع ثمة… وكتب بذلك وقاله غرة جمادى الأولى سنة سبع عشرة ومائة وألف “أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن ناصر بن أعمر” كان الله له آمين.
الحمد لله بمثل ما سطر عزوه سواء بسواء مثلا بمثل وشهد به صنوه “محمد بن ناصر” كان الله له آمين”.
وبذلك يعتبر “مسكه” من أوائل الذين أدخلوا الشاذلية إلى بلاد شنقيط.
ولم يكن في أهل زمانه أعلم منه بالفقه والنحو واللغة وعلم الحساب والتوحيد والعلم في الظاهر والباطن، واستقامته وورعه لا تحتاج إلى ذكر، ومن فتوته أنه لم يكن في حي رئيس إلاوهو صاحب “مسكه” سواء كان عالما أووليا أو رئيسا في الدنيا، وما ذلك إلا لحلمه عنهم إن جهلوا، وإعطائه لهم إن بخلوا.
وكان “مسكه” على درجة عالية من الأخلاق والصبر والحلم فمن ذلك أنه كان مع أحد زملائه في الدراسة، وغضب زميله هذا بسبب نشوب حرب بين ذويه وطائفة أخرى وترك إبلا له عند “مسكه” ونسيها لشدة غضبه، ثم انقطع عنه زمنا طويلا، ثم جاءه في هيئة رثة يطمع فيما عنده من مال ـ والحال أن “مسكه” في حال جيدة على خلاف زميله ـ فاستغرب حالتهما وعلل صاحبه اختلاف الحالتين قائلا: “ذلك لأنني لم أبت علي ثأر دون أن أنتصر” فقال له “مسكه”: “أما أنا فلم أبت ولي ثأر أصلا” كما نبهه إلى إبله التي صارت بفضل رعاية “مسكه” لها كثيرة فأخذ الرجل إبله وانصرف.
ولهذا الشيخ نظم لأسماء الله الحسنى، ويعتبره “ابن البراء” أول مكتوب لأحد أعلام الشاذلية المحليين.
ونلفت الانتباه إلى أن “مسكه” كان شاعرا مجيد لكن لم يحفظ شعره للأسف، ومنه البيت التالي الذي يقول فيه إن قبائل تشمشه (الخمس) لا ترفع أيديها للضرب:
فَلَا تَحْسِبَنْ مَنْ يَرْفَعُ الْخَمْسَ بِالعَصَا
مِن الْخَمْسِ بَلْ مِنْ مَنْ يَشاءُ يَكونُ
وقد قال عنه “سيد ولد محمد مولود الباركي” (البسيط):
ومَسْكَةُ الْخَيْرِ عَدْلٌ خَيِّرٌ وَرِعٌ
إِمامُ حَقٍّ لَدَيْهِ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ
توفي “مسكه” قبل أن يشيخ في القرن الثاني عشر الهجري، ودفن عند “تن إبراهيم” على شاطئ المحيط الأطلسي وهي مقبرة تبعد حوالي 200 كلم تقريبا على الطريق الرابط بين “انواكشوط “و”انواذيبو” وقبره مزور هناك.

مقالات ذات صلة