حوادث السير. عدو يسرح ويمرح دون رقيب ولا حسيب/ محمد الامين العام ويت
حوادث السير، عدو يسرح ويمرح دون رقيب ولا حسيب / محمد الامين تاويه
في جميع أنحاء العالم، تمتلك كل دولة مستقلة، جيشا وطنيا وقوات أمنية مجهزة بجميع أنواع العدة والعتاد، ومخصصة لها مزانية ضخمة من خزينة الدولة؛ لأنه منوط بها حفظ أمن المواطن من كل ما يعكر صفوه، وحماية الحوزة الترابية ضد أي عدو داخلي أو خارجي. فالمواطن وسلامته وأمنه، هم مبرر وجود الدولة والحكومة، وأي وسيلة أو مادة تعين على ذلك فلا تعد في تعداد التبذير، وستجد ارتياحا من الجميع دون استثناء. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل العدو المستهدف هو فقط ذلك العدو الخارجي الذي يهدد الحوزه الترابيه أو رعايا دول اجنبية، وهل الهدف – بحق-هو حماية المواطن من أي شيء يهدد حياته بغض النظر عن كينونته وصفته ؟!
في كل مره حين تسافر العائلة ذهابا أو إيابا إلى انواكشوط – حيث تمضي فترة الدراسة- لا يمكن أن يهدأ لي بال قبل وصولهم. إذ أقول في نفسي: ربما يكون مصيرهم مثل مصير من قضوا قبلهم على هذا الطريق – نسأل الله السلامة والعافية- الحقيقة أن هذا هو هو شعور كل من يسافر له حبيب، على أحد الطرق الواصلة بين العاصمة ومدن الداخل؛ فحوادث السير أصبحت كابوسا يرافق كل مواطن، حيث لم يبق منزلا دون أن يكتوي من ناره، ودون أن يذق من كأس حنظله، بفقد حبيب، بل وذهب الأمر إلى فقد أسر بأكملها. فكم من حادث كان ضحاياه بالعشرات، وبشكل يكاد يكون يومي. فالأمر بدأ يخرج عن السيطرة، فلم نعد نتحمل مزيدا من الدماء، تصور معي أننا جميعا معرضون لنفس المصير، إما نحن، وإما أحباءنا، تصور معي أن جل أسر موريتانيا يقومون برحلة الشتاء والصيف من وإلى انواكشوط، بمعنى، أنهم كلهم يقومون باحماءات سنوية للولوج الى نفس المصير. إذن لقد صارت قضية الطرق وحوادث السير مسألة أمن قومي تماما مثل حماية الحوزة الترابية وتأمين “رعيا الدول الغربية” والتي أنفقت عليها مليارات، وحق لها. لو تصورنا أن من لقوا حتفهم أمس ومن سبقوهم -رحم الله الحميع- كانوا ضحايا تفجير إرهابي كيف سيكون الامر وكيف ستكون ردة فعل الدولة وأركانها ” تعددت الأسباب والموت واحد…”.
سيقولون لك، أن حوادث السير ظاهره عالمية، وأنها تحدث في جميع دول العالم. الجواب، هو أن في دول العالم وحتى في افريقيا الغربية القريبة، تكون الحوادث نادرة جدا، وعند حدوثها يجب أن يحقق في الأمر؛ كي يعرف ما السبب، ومن المسؤول، فالحادث لا يمكن أن يحصل إلا إذا تمت مخالفة القانون المنظم للسير، و الطرق مجهزة وفي صيانة مستمرة. أما حال طرقنا ونظام سيرنا فلا داعي للحديث عنه، فالجميع يعرف أنها فوضى عارمة، لا نظير لها؛ من طرق هشة متهالكة، إلى سائقين متهورين لا يخافون عقابا ولا يحترمون نظما( هي الأخرى غير موجودة أو متغافل عن فرضها وتطبيقها من طرفة الجهات المعنيه) بالاضافة الى ما تشهده شركات النقل العمومي من فوضى هي الاخرى.
باختصار، يجب أن توقف الدولة شلال الدم وبسرعة، فالامر لم يعد يتحمل التأخير، وبذلك تتحمل مسؤولياتها في حماية المواطن، والسهر على مصلحته، وفي سبيل ذلك، عليها أن ترسم خطة مستعجلة على المديين القريب والبعيد؛ ترتب فيها الاوليات بحيث تضع حدا لهذه الفوضى العارمة التي يعيشها قطاع النقل، وبصفة مستمرة، بعيدا عن ذر الرماد في العيون، الذي يقام به عادة في أعقاب كل حادث مؤلم، ويتوقف بسرعة. لا أريد أن أتدخل في الخطة التي يجب اعتمادها، فأنا لست خبيرا في المجال، ومتأكد أن الوزارة تمتلك من الكفاءات التي لو أتيحت لها الفرصة، ووفرت لها الإمكانيات، لما وصلنا إلى ما وصلنا اليه.
الامر يعود في المقام الأول، إلى إحساس القائمين على الشأن بجسامة المسؤولية الاخلاقية والدينية والانسانية التي تقع على عواتقهم، وفهمهم أن حياة المواطن -وحمايته من كل ما قد يتسبب في هلاكه- كل لا يتجزء، وأن الموت مهما تعددت أسبابها واحدة، والمتسبب فيها كائن من كان، يصنف عدوا للوطن ويجب مواجهته. أما تركه يسرح ويمرح دون عقاب ودون خطة تسعى الى اجتثاثه ومن جذوره، خيانة للوطن وتفريط في المواطن. فبنفس الحماس، التي تنشر بها قواتنا في فيافي الصحراء الواسعه، وتزود بموجبه بجميع الوسائل اللوجستية، يجب أن ينظر لكارثة الطرق التي قتلت أكثر من ما قتل الارهاب وحرب الصحراء، فتوفر الامكانيات والوسائل إذا كان الهدف بحق هو المواطن.
فالنقف جميعا حكومة وشعبا في مواجهة عدونا الأوحد والاكيد حتى الآن “حوادث السير”