معرض نواكشوط الدولي للكتاب… ميلاد فجر ثقافي جديد بقلم: سمير الجندي

في قلب نواكشوط، حيث كانت الصحراء تمتد صمتا وسكونا، يتفتح اليوم ورد من نوع آخر؛ ورد الحرف والمعرفة. فها هو المعرض الدولي الأول للكتاب يشع بأنواره في سماء موريتانيا، إيذانا ببدء نهضة علمية وأدبية كبرى في بلد طالما حمل بين رماله إرث القلم والشعر، لكنه ابتعد ـ قسرا أو قدرا ـ عن تلاقي الثقافات ومواسم الإبداع في الشرق والغرب على السواء.
اليوم تعود نواكشوط من منفاها الثقافي، تعود بحلة جديدة، تستعيد أنفاسها الأولى حين كانت الكلمة زاد القلوب، ويغدو الكتاب فيها وطنا صغيرا يحتضن الحالمين بالمعرفة. عشرات دور النشر العربية والدولية جاءت تحمل عصارة فكرها، وإبداع أقلامها، في مشهد يشي بأن موريتانيا دخلت فعلا طورا جديدا من الحضور الثقافي الفاعل في الفضاء العربي والإفريقي معا.
وما كان لهذه التظاهرة أن ترى النور لولا عزيمة رجال صدقوا ما وعدوا به وطنهم، فغرسوا البذرة الأولى لهذه الصحوة الثقافية بروح مخلصة وهمة عالية. في مقدمتهم وزير الثقافة الدكتور الحسين مدو، رجل آمن بأن الثقافة ليست ترفا ولا زينة للخطاب الرسمي، بل هي روح الأمة وذاكرتها الحية، ومعه طاقم وزارته من النجباء الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية تحويل الحلم إلى واقع نابض.
لقد بدا المعرض في أيامه الأولى عرسا ثقافيا باذخا، اكتظت به الأروقة بالزوار، وتهادت بين جناح وآخر رائحة الورق الجديدة كأنها بخور يعلو في معبد الحرف. هناك، كانت الكتب تحاور القراء، والأفكار تتلاقى بين الشعر والرواية والفكر والسياسة والفن، في مشهد يعيد إلى الذاكرة أيام ازدهار العواصم الثقافية الكبرى.
إن ما تحقق في نواكشوط اليوم ليس مجرد حدث عابر في رزنامة الفعاليات الرسمية، بل هو إعلان ولادة عهد جديد، يؤسس لثقافة وطنية متفتحة، تستلهم ماضيها المضيء وتطل على العالم برؤية واثقة. فكل جناح في هذا المعرض يروي قصة وطن ينهض من جديد، وكل زائر يسهم بخطاه في كتابة فصل من فصول النهضة الموريتانية القادمة.
كل التقدير والاعتزاز لجهود القائمين على هذا المشروع الثقافي المهيب، ولروح الإصرار التي بثوها في تفاصيل التنظيم والإعداد. فهكذا تبنى الأوطان: بالكلمة التي تضيء، وبالوعي الذي يثمر، وبالإيمان بأن الثقافة ليست هامشا، بل هي المتن الحقيقي الذي يبقي الأمة حية ومتصلة بجذورها ومستقبلها في آن واحد.

مقالات ذات صلة