.. و متى كان المستعمر الفرنسي أفضل معين للعبيد في موريتانيا؟ بقلم/ محمد الكوري ولد العربي

 

طالعت ، فيما طالعت على هذا الفضاء، مقطعا صوتيا للأخ الأستاذ إبراهيم بلال رمظان يذكر فيه أن ” أفضل من ساعد لحراطين في خلق الوعي هم المستعمرون الفرنسيون ، أو النصارى بحسب تعبيره. من المفهوم أن يشتط أصحاب المرارة و ضحايا الظلم في العبارة و التشنج… و هذا ما أشار له القرآن الكريم :《 لا يحب الله الجهر بالسوء من القول آلا من ظلم》. إن التعبير عن مظالم العبودية لا يقع تحت إيقاع! لكن ليس إلى حد التقول على التاريخ و الإشادة بالقوى الغاشمة التي غزت الكثير من الأمم و استعبدتها و اضطهدتها… فحمد الفرنسيين ، أثناء استعمارهم لبلدنا و شعبنا، بما لم يفعلوا لا يخدم عدالة قضية لحراطين في شيء، اللهم إن كان من باب الانتقام من المجتمع الموريتاني، الذي استعبد بعضه بعضا، بالأمة الفرنسية التي استعبدت الجميع، أسياده و عبيده! و يعظم الاستغراب حين تصدر هذه الإشادة من مثقف ، أستاذ للفكر و الفلسفة، لا شك أنه مطلع على تاريخ الغرب الامبريالي الكلونيالي ، بكل دوله،و خصوصا فرنسا. و لا بد أن الأستاذ إبراهيم بلال رمظان قرأ عن الجرائم و الفظائع التي ارتكبتها القوى الغربية خلال حقبة الاستعمار بحق الشعوب التي ابتليت بغزوها و احتلالها. فكيف تجاهل الأستاذ إبراهيم تلك الحقائق التاريخية ، و كيف غاب عنه أنه عندما كانت حضارة فرنسا تسطع بأنوارها على الشعوب الأوروبية لتثويرها على الكنيسة و الإقطاع ،و تخليصها من قيود الحرية و الفكر ، كانت ترسل جحافل جيوشها لغزو الشعوب الأخرى في إفريقيا و آسيا و شعوب بحر الكاريبي الملونين، لإخضاعها و إذلالها بارتكاب أعظم المجازر الوحشية و الإبادة الجماعية… فهل اطلع الأستاذ إبراهيم على مجازر فرنسا بحق الشعب الجزائري على امتداد 132 سنة؟ و هل توقف لحظة إنسانية لاستحضار آلام شعب الجزائر الذي مسحت منه فرنسا( الطيبة) ثمان آلاف قرية، كفت كلها عن الوجود!
قد يقول قائل من مناصري الكراهية للعرب : حسنا فعلت فرنسا بالجزائريين العرب… لكن ما ذا فعلت فرنسا و أخواتها الاستعمارية بأصحاب البشرة السوداء و البنية في البحر الكاريبي، في هايتي و جمايكا و الدومينيكا… و في أمريكا اللاتينية، و في مستعمراتها السوداء بإفريقيا؟
■ في ثلاثينيات القرن 19، قدم المؤرخ و الخبير السياسي الفرنسي ( إلكسيس دى توكفيل1805-1859*) إلى الولايات المتحدة الأمريكية و انبهر بها حتى وصفها بأنها النموذج الأكثر اكتمالا للعدالة الاجتماعية و للحرية! و بينما كان دى كوفيل يطلق العنان لخياله في تمجيد أمريكا، النموذج الكامل، على صورة ما فعل فيلسوف ألمانيا العظيم، افريدريك هيغل، بالامبراطور الفرنسي الحربي، نابليون بونابرت، لم يستشعر دى كوفيل وخزة من ضمير الإنسانية بأن ولاية واشنطن، التي كان يتمتع فيها بمشاهدة” النموذج الكامل للعدالة و الحرية” ، كانت قبل مائة سنة من قدومه، عاصمة قبائل البيسكاتاواي*، التي عاشت على ضفاف نهر بوتوماك *، و أبادهم البيض الإنكليز و انقرضت لغتهم( أنجونكيان*) إلى الأبد !
لقد شطبوا أمة بشرية من الوجود، تلك التي كانوا يطلقون عليها، و على مثيلاتها في إفريقيا السوداء، وصف الشعوب الأدنى؛ بينما الشعوب الغربية الرفيعة تنعم بأنوارها الساطعة… المتدفقة من باريس!
في مشهد آخر ، من سجل فرنسا “صديقة العبيد في موريتانيا” ، يوثق بعض محطات تاريخ النبلاء الفرنسيين الهمجيين، تلك القصة عن إرسال قائد القوات الفرنسية ، الجنيرال روشامبو، رسالة إلى مساعده و ابنه الذي يخوض حرب إخضاع للسكان الأصليين في بلدان البحر الكاريبي ، يقول له فيها: بعثت إليك ب 28 كلبا من البولدوغا ؛ هذه التعزيزات ستمكنك من إنهاء مهمتك بأكمل وجه؛ و لا حاجة لأن أخبرك بأن أي حصص أو نفقات غير مرخص بها لإطعام الكلاب، فينبغي أن تطعمها( الكلاب) من أجساد الرجال السود! و كان استخدام الكلاب في إخضاع الشعوب و السكان الأصليين أمرا جاريا لدى الجيوش الفرنسية و الاسبانية: ذات مرة أراد الفرنسيون ( الطيبون) مع” العبيد في موريتانيا” أن يعمموا صورة لإرعاب شعوب الكاريبي، أصحاب البشرة السوداء و البنية، فدربوا مجموعة من الكلاب على اشتهاء لحوم السود خاصة… فكيف توصلوا لتحويل هذه الحيوانات إلى أعلى درجات العنصرية ضد هذا اللون؟ لقد حبسوا مجموعة من الكلاب في أقفاص محكمة الإغلاق و منعوا عنها الطعام حتى بلغ بها الجوع حدا لا يطاق، و في ذات الوقت كانوا يشيدون بالقرب منها و على أعينها تماثيل مجوفة من الخوص المطلي باللون الأسود محشية باللحوم و دماء الحيوانات و عظامها… و بعد أسابيع فتحوا أبواب الأقفاص عن الكلاب لتنقض على التماثيل و تمزقها و تلتهم ما بداخلها من لحوم و دماء و أعظم… و هكذا كرروا التجربة حتى ارتبط غريزيا لدى الكلاب أن طعامها متعلق باللون الأسود… فكلما مر بها صاحب بشرة سوداء تناهشته تلك الكلاب المدربة على هذه العنصرية اللونية من قبل فرنسا “الرحيمة” بالسود في موريتانيا !!
في مشهد ثان من مشاهد عنصرية ( انصار) أراد الفرنسيون أن يجربوا إرعابا، لا يقدر الخيال تصوره ، لسكان الدومنيك؛ فنظموا عرضا في ساحة عامة و أمروا السكان بالحضور للعرض، و نصبت منصة عالية ، عليها مقاعد وثيرة لقادة الجند و الإداريين، و جاء أحد النبلاء الفرنسيين و معه عبد أسود يعمل في قصره، ثم ربطوا العبد في عمود وسط الساحة ، و أطلقت عليه مجموعة من تلك الكلاب العنصرية، التي لا تستطيب إلا لحم الرجال السود ! فتناهشته حيا حتى أكلته جميعاو قضقضت عظامه في ذهول من السكان، و قهقهات جمهور المنصة المتحضر… كانت بحق لحظة افتراس، لعبد أسود، أمتعت نبلاء فرنسا الطيبين!
أما في موريتانيا، فلم تكترث فرنسا الاستعمارية بأوضاع العبيد البائسين، و إنما أبقت عمليا على وضعيتهم مراعاة لأسيادهم البيظان. و بالرغم من إلغاء فرنسا للعبودية فيها و لاحقا ، بصورة شكلية، في مستعمراتها، إلا أن العبيد ظلوا على ما كانوا عليه في موريتانيا؛ بل إن الإدارة أدرجت هؤلاء العبيد في خانة الممتكات الحيوانية، عندما حددت الوعاء الضريبي للثروة التي يمتلكها الأسياد الإقطاعيون : فكانت الضريبة عن رأس من الغنم فرنكين و نصف… و عن العبد اثني عشر افرنكا و نصف افرانك. ” و كان الأسياد يدفعون بشكل طبيعي الضرائب عن عبيدهم، مثلما يدفعونها عن حميرهم و أبقارهم و نوقهم و أغنامهم …، و كانت الإدارة الفرنسية الاستعمارية ترسل هذه الأموال الناتجة عن العبودية و الرق ، برغم مبادئ الثورة الفرنسية و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلى الخزينة الفرنسية! فأين هذه الأفضلية للفرنسيين؟ و أين هذه المساعدة المزعومة!
إن أفضل ما ساهم في تفجير الوعي بالحرية لدى العرب السمر ، لحراطين ، قبل الانفتاح السياسي 1991، ليس الاستعمار الفرنسي و لا إداراته و لا أعوانها المحليون؛ و إنما فجر الوعي الانعتاقي لدى لحراطين أول مرة ثلاثة عوامل:
1- طلائع القوى التقدمية و الثورية الوطنية، من الكادحين و البعثيين و الناصريين ،ابتداء من نهاية الستينيات و تواصلا في السبعينيات و الثمانينيات ، و لاحقا حركة الحر ، الذين راكموا نضالا وطنيا متكاملا و مجيدا في سبيل تحرير هذه الشريحة المجتمعية من أقفاص الرق و تغييب الإنسانية…
2- تهرب الأسياد الاقطاعيين، في غفلة من الوعي و ضعف الاستشراف بالمستقبل البعيد، من إرسال أبنائهم لمدارس المستعمر الفرنسي، و تعويضهم بأبناء عبيدهم لحسن حظهم، الذي خبأه لهم القدر دون وعي و لا جهد منهم؛ الأمر الذي نتج عنه مجموعة من الأطر الحراطين الذين تخلصوا من الجهل و التحقوا بثقافة الحداثة و أفكارها المتطورة ، نتيجة لذلك.
3- موجات الجفاف القاسية المتتالية التي اضطرت الأسياد و الاقطاعيين للتخلص من أعباء العبيد، مما جعل هؤلاء ينفصلون عن أسيادهم و يواجهون الحياة وجها لوجه، في تمركزات سكنية نمطية خاصة بهم – آدوابه- و هو ما خلق الوعي بواقعهم البائس و دفعهم للبحث عن ذواتهم و ماهيتهم الإنسانية، المغيبة…
———
*Alexis de Tocoqueville(1805-1859)
*Les Piscataways
*fleuve Potomac
* le général Jean Donatien Roshambeau
* لغة البيسكاتاولي langue algonquinienne
* les chiens bouledogues.

مقالات ذات صلة