خواطر : خطورة الشرائحية والعرقية والقبلية على كيان الدولة ../ خديجة ابراهيم

ربما كان فن التوجيه والإرشاد هو أفضل فنون الفكر والوعي الإنساني ، وضرب من ضروب الحكمة والتجربة ،فضلاً عن مايحققه من أهداف أخرى كالإبانة ، والكشف عن خبايا ومحتويات المواضيع والأفكار وتوضيح حقيقتها وعمقها بشكل مباشر وهادف للغاية .

ومن أهم خصائص التوجيه هو محاولة صاحبه ،خلق موازنة فكرية بحتة تنضوي بشدة على التوعية والتحسيس ، وشحذ الهمة واستنهاضها حول فكرة أو موضوع معين، وهي عملية تنموية بشرية ، قل من يجيد الخوض في معتركها إلا القلة فقط، ممن سلكوا طريق الحياة الوعر الذي تملؤه الأشواك ، وتحيط به المتاعب من كل جانب.

وكما هو معهود للكثيرين منا ، فقد عودنا الإعلامي والمفكر الإجتماعي المخضرم السيد محمد الشيخ ولد سيدي محمد الرئيس المدير العام لقناة قمم ، على إظهار براعته الفكرية ، في تمرير رسائله الوطنية ذات الطابع الفكري الوطني ،والثقافي ،والأمني والقومي، والجغرافي والتاريخي ،في كثير من المناسبات والمتغيرات والأحداث السياسية واستشرافها بطريقة لافتة ومبهرة قبل حدوثها بالفعل ، عن طريق سرد الأدلة الدامغة و تقديم ماهو مختصر الحديث فيه إلى العقل والقوى الفكرية للإنسان ، بالكلام المنطوق المرتجل لتنبيه وشد الأذهان إلى عمق الحكمة من القول .

في السادس من أبريل عام ألفين وأربعة المنصرمة ، اي تحديدا في نفس هذا الشهر من العام الحالي ، كان الرجل على موعد مع عشرات الخبراء من الإعلاميين والمختصين ، وجهابذة الفكر والسياسية ، والثقافة ، لإلقاء كلمة توجيهية تتعلق بدراسة وتحليل واستشراف رؤية مستقبلية موحدة حول الأخطار التي تهدد موريتانيا والأمن الوطني ، والإقليمي والدولي ، والمجالات التنموية المختلفة ، فما بات بالنسبة له واقعا متكررا ، أصبح من الضروري دراسته و يستوجب البحث فيه بشكل قوي ومباشر ، مثبتا في كل مرة أن الوطني الحقيقي هو ذاك الذي ينهمك ويعمل ويهتم بكل ما يشغل الوطن والمواطن على حد السواء .

ولكون القرآن الكريم وقصصه كانت وستظل وجها من وجوه الإعجاز العلمي والفكري ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فقد انعكس ذالك جليا على ولوع الرجل بمفاهيمه وكنوزه، متكئا على حروفه ومدلولاته العقلية والمنطقية والفكرية ، ومستندا في إسقاطها على مايدور من أحداث ومتغيرات نعيشها اليوم لاسيما تلك التي حدثت ،قبل أسبوعين تقريباً من الآن وفي هذا الشهر بالذات ، متخذا من حججه ،تذكرة وتبصرة للعارفين، ومدركا أن قيمة الرأي في دليله فقط ، ولا عكس لهذه المسلمة ابدا ، تاركا أمام المفكر والمتسائل علامة استفهام محيرة، هل تطابق الأحداث مع رؤيته الفكرية كان محض صدفة أم هو نتيجة استكشاف عقلي صرف وقراءة متدبرة ومتمعنة ومتقدة وميزة خفية يتمتع بها وينفرد بلا منازع ؟؟؟؟؟؟…..

هذه التساؤلات الكبيرة المحيرة ،كان لها نصيب الأسد من الشرح والتفصيل خلال كلمته التوجيهية التي ألقاها أمام النخبة الفكرية الوطنية المشاركة ، حيث ولج مواضيع ساخنة ومثيرة ، تشير في مجملها إلى أهمية التعاطي مع القضايا الوطنية الأكثر إثارة وجدلا اليوم ، كاشفاً عن الأسباب الكامنة وراء الشرائحية والعرقية والقبلية ، وخطورتها على كيان الدولة والمجتمع ، معللا ذالك بإنعدام وجود كيان حقيقي ، كالذي أسس له القائد ابوبكر بن عامر حين أدخل المآذن والمحاضر والمساجد في منهجية التأسيس، وقضى على الجاهلية في جبال لمتونة وترك كياناً حقيقيا وحضارة ظلت ذكراها قائمة ، على مر التاريخ.

المضامين الفكرية للكلمة أثارت مشاعر الإمتنان لدى المدير العام للمركز السيد محمد الشيخ ولد سيدي محمد حيث أشاد بدور الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الآمع في جمع وضم الناس إليه ، خلال خطابه التاريخي ، الذي ألقاه في الواحد من مارس ألفين وتسعة عشر ، حيث لم يهتم بمنهج من قبله ابدا ، وانما قدم ماهو مغاير ومعاكس لذالك تماماً حيث فتح الباب أمام الجميع دون إستثناء إستثناء ، للمساهمة والمشاركة في المسيرة التنموية التي يطمح إليها ، فضلاً عن امتلاكه للمحفظة الأخلاقية والإنسانية التي هي شرط قائم من شروط قواعد ومسلمات القائد الناجح ، وقد كانت هي السبب والمحرك الأساسي للشعب الموريتاني والتفافه حول قيادته ، مشيرا إلى أهمية استغلال السنوات المتبقية من المأمورية الثانية في صناعة وتأسيس إدارة صالحة ، اعتماداً على أهمية أبعادها التنموية المختلفة ، معللاً ذالك بمسألة دورات الأنظمة الشائكة ، التي لا يمكن المراهنة عليها لحماية مجتمع قد يتعرض في أي وقت كان لعوامل التعرية أو التحديات الوجودية خصوصا بعد انقضاء 63 سنة على بناء وتأسيس الدولة ولم يتبقى إلا 27 سنة وفي هذه الحالة يقول المدير لابد من المسارعة في بناء جمهورية الإجماع الوطني ، وإلا فإن الجميع في خطر محتوم الواقعية ، يستهدف الوجود والهشاشة ، وسيتغذى على التحديات الوطنية ، والإقليمية والدولية بشكل فظيع.

الكلمة التوجيهية جاءت خلال الجلسة الثانية من الدورة التكوينية المختصة لخبراء الوحدات البحثية ومنسقي مجموعات الوعي الإعلامي (ابتكار) ،التي نظمها المركز الموريتاني للدراسات الاستراتيجية والتنمية المستدامة ،والمسح الشامل ، وقد تميزت بشروح مفصلة عن الرؤية الاستشرافية للمركز حول ما يسمى ( بعين الصحراء) التي اهتم بها الخبراء الجيولوجيون الفرنسيون ، ومن بعدهم رواد فضاء أمريكيون وتلاهم الإماراتيون ، والواقعة على بعد أربعين كيلومتراً من مدينة ودان الأثرية ، كما يؤكد السيد المدير والتي يمكن للدولة أن تستغلها كمدينة سياحية واستثمارية ،للجامعات والمعاهد العلمية ،والإدارات، والمطارات الدولية ،والمؤتمرات الدولية ، والسياحة الداخلية والخارجية.

أهمية الموضوع من الزمان والمكان ، كانت مناسبة للرئيس المدير العام لمركز الدراسات الاستراتيجية والتنمية المستدامة والمسح الشامل ، أكد خلالها بوجود عمل منسق للمركز، تشارك فيه جهات إعلامية دولية وباحثون جيولوجيون، منظمات ذات مصداقية أصبحت أعمالها منشورة على الإندماج الرقمي مع تثمين المركز لهذا كله ، ويتبع هذا وجود رؤية لدى الحكومة الموريتانية للأهتمام ب ( عين الصحراء) في بناء مركز تشغيل لستين ألف شخص موجودة حالياً في التيل تبحث عن الذهب، قرب محطة الإذاعة في منطقة الشكات الواقعة على بعد ثمانمائة كيلو متر من الزويرات ،والتي تحتاج كما يؤكد المدير العام للمركز إلى بنية تحتية متطورة تشمل الماء، والكهرباء، والطرق والحماية الصحية ، في حال أسست لها (عين الصحراء) سترجع لموريتانيا السيادة عليها وسيختفي منها التهريب والإرهاب ،وجميع المعيقات كاملة ، و ستكون مجالاً تنمويا عظيما للطاقة المتجددة والرياح والشمس.

ثم يسهب صاحب الكلمة التوجيهية هذه ، في الشرح والتفصيل للتأكيد على البعد الأكثر أهمية بالنسبة له والذي يعمل عليه المركز بشكل كبير، وهو تأسيس “بيت الحكمة” قدوة بالخليفة هارون الرشيد والتركيز على القامات الإعلامية المؤسسة لفن الإعلام الحقيقى ، وضرب مثلا بأخيه وزميله المخضرم القامة الإعلامية المقتدرة، السيد محمد يحي ولد حي المدير السابق لإذاعة موريتانيا ، والإعلامي الكبير تقي الله الأدهم وغيرهم من الفاعلين الحقيقيين في مجال الاختصاص والمنسقين ، والمشاركين والخبراء في مجال البيئة والاحصاء ، والتدبير الديني ،والصحة والمجالات الإنسانية المختلفة، من أجل المساهمة في بناء وإنجاح الخطط والأهداف المرجوة من هذه المشاريع ، فالمركز كما يؤكد المدير يعمل على خلق وتعزيز التعاون، مع الهيئات الأكاديمية والبحثية الوطنية والإقليمية من أجل أن تكون هناك أكاديمية للتكوين في البلد .

السيد محمد الشيخ ولد سيدي محمد أوضح كذلك أن المركز يمتلك بنوكا للمعلومات تتأسس على دراسات استراتجية ودورات بحثية للمختصين ستساهم في تمويل “أصحاب القرار”والمجتمع المدني والقطاع العام والخاص، والقضاء على الأخطار التي تهدد كيان الدولة ، ومجالات التنمية المستدامة ، و الإستثمار من أجل النماء ومكافحة الفقر ، والبطالة بشكل دائم .

ويسترسل الموجه بكلماته الإرشادية المفعمة بالحكمة والرؤية الواضحة، بأن بعض العروض التي قدمت للمشاركة الفكرية في الموضوع، تضمنت مقترحات تتعلق بدراسة وتحليل الإغتيالات السياسية من عهد الرومان إلى عهد الحرب الأهلية في أروبا والحرب الباردة و الإغتيالات التي استهدفت العقول والمثقفين والرواد في منطقة الشرق الأوسط ، ورد عليها موضحاً أنه بالإمكان دمج الفكرة واعتمادها طالما ،يمتلك بنكا معلوماتيا ،لكن المسألة تقتضي أيضاً، وجود خبراء ومختصين في المجال .

كما يعمل المركز على تمكين الفتاة لكونها كما يقول المدير ،حاملة مشعل التربية والبناء ، وإدماج الأطفال من سن الرابعة عشر إلى سبع وعشرين عاماً ، سبيلا إلى تطوير فكرهم وقدراتهم العملية والعلمية ، لضمان تنمية مستدامة وإنجاح استراتجية الأهداف المرسومة لازدهار البلاد.

إذا خلاصة الكلمة التوجيهية هذه جمعت بين التنوير والتحسيس حول مضاعفة الجهود والعمل ،لترسيخ مبادئ والدعائم الوحدة الوطنية ، ناهيك عن مفاهيم التنمية المستدامة، و الأمن والإقتصاد ،والثقافية ، والمجتمع، بمنهجية هارون الرشيد وأبو بكر بن عامر، والعودة إلى ثوابت وأسس قواعد البناء الحقيقية لصناعة كيان الدولة والأمة ، وتعبيد الطرق المؤدية إليها.

الكلمة التي رسمها الموجه وخاضها بعدته الفكرية المتقدة ، لا يمكن أن يغوص ويجلي في معمعانها ومعانيها إلا العارفون الحاذقون بأبعادها الفكرية، فهي فتح لباب التفكير ، واستقطاب للعقول النيرة بحقائق ملأت صدر صاحبها حتى فاض بها لسانه وعقله، محاولا دراستها ومعالجتها، بطريقته المهنية الخاصة ، ومشاركتها مع النخبة الفكرية الوطنية لتنقيحها وتنقيتها، ومعرفة شوائبها والكشف عن مكنونتها ومضاميرها، مذكرا الجميع بمثال حي وقائم يجسد أحداث العالم اليوم، وخصوصاً مايحدث منها في الشرق الأوسط، بنضج فكري واضح ،ورؤية عقلية ثابتة.

خديجة إبراهيم

مقالات ذات صلة