لوامع الدرر كبرى الموسوعات الفقهية في موريتانيا …/ كتب عنها : محمد يحيى احريمو
الأحد 24 ابريل 2022 ( الهدهد .م.ص)
كتب اللوذعي محمد. يحيى احريمو :
حصلت اليوم بحمد الله وتوفيقه على نسخة من كتاب: “لوامع الدرر في هتك أستار المختصر”، للعلامة الكبير محمد بن محمد سالم المجلسي (-1206-1302هـ). أهداه إلي أحد الأساتذة الأفاضل من حفدة مؤلفه جزاه الله خيرا وشكر سعيه!.
الكتاب هو أحد مؤلفات العلامة محمد بن محمد سالم أو موسوعاته المعروفة بالسباعيات – لأن كلا منها 7 مجلدات -، وهي: ” الريان في تفسير القرآن” و “النهر الجاري على صحيح البخاري” و” لوامع الدرر في شرح المختصر”. لقد أراد هذا العالم الموسوعي المتبحر أن يجعل من تآليفه مكتبة متكاملة، تجمع ما تفرق من علوم الإسلام مع الارتباط بأهم المتون ( صحيح البخاري ومختصر خليل)، تبعا لعوامل منهجية ومراعاة لخصوصية الزمان والمكان.
تميزت الكتب الثلاثة بطول النفس والتحرير وكثرة النقول وتعدد المراجع، بحيث إنه أراد أن تكون كتبه هذه ” مما يغني عن جميع الكتب ولا يغني عنه غيره”.لهذا فإنه في كل موضع يمر به يحاول أن لا يترك شاردة ولا واردة إلا أتى بها فيحشر الفروع المتعددة والنقول المختلفة ، من كل ما له صلة بالموضوع، ثم يطلق العنان لقلمه مقارنا ومرجحا وناقدا بصيرا، فيتدخل دائما لنقاش العلماء الذين سبقوه ويبين رأيه في كثير من المواضع، ويستبط ويوجه ويستدرك. فمع ما تحلى به من ورع وتثبت إلا أن شخصيته العلمية كانت حاضرة دائما فيما يكتب وهو أمر نادر في علماء عصره.
هذا مع ضخامة كتبه التي يقع كل واحد منها في 7 مجلدات كبار، تكون عند الطباعة 14 مجلدا كما حصل مع اللوامع، ومجموعها لو طبعت 45 مجلدا، والغريب أنه ألف هذه الكتب في فترة وجيزة مع صعوبة الظروف ، إذ من المعلوم أنه عاش في البادية يرتحل يمينا وشمالا يتتبع مساقط المطر في المنطقة الممتدة من عيون المدلشي ( عيون الساقية الحمراء) ‘ إلى تخوم انواكشوط، والتي تبلغ حوالي 1500 كلم. فليس تأليفه لهذه الكتب إلا كرامة أكرمه الله بها فإنه كان معنيا بالتدريس والفتوى والإمامة ، مع عبادته وكثرة أوراده وصلواته ولكن من اتّقى الله أعانه ووفقه لكل خير وبارك في حياته!!!
فكيف لمن تفرغ في عصرنا هذا في المدينة وحياة الرفاهية وتوفر الكتب أن يؤلف مثل هذه الكتب في أربعين سنة أحرى في فترة وجيزة؟!.
أعجب العلماء بتآليف العلامة دب سالم وأثنوا عليها كثيرا، ومن ذلك ما قاله ملك المغرب السلطان مولاي عبد الحفيظ في مقدمة كتابه العذب السلسبيل في حديثه عن علماء شنقيط وعلاقته بهم: (ما بعد: فإنى منذ زمن الشباب ، وقلبى مشتاق للعلم وأهله من ذوى اﻷلباب، حتى جمعنى الله مع كثير من العلماء واﻷولياء ذوى العقول واللطائف ،… فازداد قلبى لهم حبا ، وتيهونى فما ملكت معهم عقﻻ وﻻ لبا ، وﻻ سيما علماء شنقيط ، الذين تحلوا بحلى ﻻ يكاد القلم بها يحيط ، ولى فيهم والحمد لله عدة أشياخ سامرتهم ومارستهم فى قراءتهم وعبادتهم .
هكذا هكذا وإﻻ فﻻ ﻻ
طرق الجد غير طرق المزاح
حتى تعلمت ما شاء الله أن أتعلم ، فسروا القرآن ، وشرحوا الحديث وألفوا فى اﻷصول ، وما تركوا علم المعقول والمنقول ، من تآليفهم الريان في تفسير القرآن ولوامع الدرر على شرح المختصر والنهر الجارى على البخارى ، ولم نر للمتأخرين من علماء بلدنا تفسيرا وﻻ تعليقا وﻻ تقريرا على البخاري).
هذا كلام السلطان مولاي عبد الحفيظ وهو قد تتلمذ لأبناء مايابى الذين درسوا في محضرة أهل محمد سالم، وأما ما قاله علماؤنا في تقريظ هذه الكتب والإشادة بها فهو يفوق الحصر ومن أشهر ذلك أبيات الشيخ محمد المامي التي يقول فيها:
نهج اللوامع مثله مفقود = بين الأنام ومدعيه حسود
جادت به من نجل سالم فكرة = ما إن لها في العالمين وجود.
تذكرني موسوعية ابن محمد سالم واهتماماته المتعددة بكوكبة من علماء الإسلام من أمثال أبي عبيد القاسم بن سلام وابن حزم وابن عبد البر وابن العربي وابن الجوزي وابن جرير الطبري وابن تيمية وابن القيم وتقي الدين السبكي وجلال الدين السيوطي والشوكاني وغيرهم من العلماء الذين لم يقنعوا بنظرية التخصص، فألفوا في كل فن وتركوا ذكرا خالد في كل تخصص.
اطلعت على بعض أجزاء اللوامع وغيره من كتب الشيخ قديما عندما كنت أدرس في المحضرة السالمية في انواكشوط، ولما سمعت بالمساعي الكريمة التي بذلها الشيخ الفاضل أحمدُّ سالك بن أبوه لطباعة اللوامع تعلقت بالحصول عليه، فجزى الله خيرا هذا الأخ الكريم فقد صدق عليه قول الشاعر:
سأشكرُ عَمْراً ما تراختْ منيَّتي = أياديَ لم تُمنَنْ وإنْ هي جلَّتِ
فتًى غيرُ محجوبِ الغِنَى عن صديقهِ = ولا مُظهرُ الشَّكوى إذا النَّعل زَلَّتِ
رَأى خلَّتي من حيثُ يَخْفى مكانُها … فكانتْ قَذى عينيهِ حتَّى تجلَّتِ.
وقول أبي الطيب -طيب الله ثراه وخلد ذكره-:
وقد حمَّلتني شُكْراً طَوِيلاً = ثَقِيلاً لا أُطيقُ بِهِ حَرَاكَا .
رحم الله العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي وأسكنه جزيل جناته، وأسبغ علي حفيده المفضال من نعم الإيمان والعافية ما يطيب به العمر وتنعم به الحياة، والحمد لله أهل الثناء والمجد.