الضابط البعثي الداه ولد الحسين مسار غني بالأحداث(1) باباه ولد التراد
الجمعة 19 نفمبر 2021 ( الهدهد. م. ص)
قال تعالى: {منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} صدق الله العظيم
فقدت موريتانيا يوم 15/ نوفمبر /2021 علما من أعلامها ورمزا وطنيا وقوميا ومناضلا فذا كرس حياته للدفاع عن لغة القرآن الكريم ، والحضارة العربية الإسلامية والمحافظة على الأرض والعرض والتضحية من أجل الوطن وهويته وتنميته وتقوية نسيجه الاجتماعي والدفاع عن وحدته الترابية ، صاحب المحامد الجمة والمكارم التي لاتحصى . ذلكم بحق هو القائد العسكري الكبير والمناضل الجسور : محمد سعيد ولد الحسين الملقب الداه الذي وهب حياته لشعبه ووطنه في وقت كانت فيه هذه البلاد مختطفة من طرف ثلة من الافرنكفونيين ، مما نتج عنه استبعاد جل المواطنين الموريتانيين من وظائف الدولة ، والنظر إليهم بازدراء من طرف الإدارة و القائمين عليها ، كما يقول الخليل النحوي في كتابه ” بلاد شنقيط المنارة والرباط ” :
(فلو أن شيخ محظرة طرق باب إحدى المؤسسات الكبيرة في العاصمة ـ وكثيرا مايحدث ذلك ـ لما وجد أفضل من وظيفة بواب أوحارس أوفراش أوحامل بريد ، ذلك أن نظم الوظيفة العمومية وطرق العمل ومناهجه ولغته ـ وهي أشياء موروثة عن الإستعمار ـ لاتضع في حسابها هذه الفئة من المواطنين التي لاتحمل مؤهلات ورقية وكان المستعمريسم علماء المحاضرفي أوراق الحالة المدنية بالأمية. وهكذا أقبل شباب المحاضر على الدولة يطلبون في كنفها لقمة العيش وماء الوجه) .
نعم في هذا الوقت بالذات كان فقيد الأمة الداه ولد الحسين الذي تشبع بالدين الاسلامي الحنيف في بيت علم وورع استلهم منه الإيثار والتضحية
قدأخذ على عاتقه مسألة التعريب وخصوصا في المؤسستين العسكرية والتعليمية من أجل تأهيل ودمج عشرات الآلاف من طلبة المحاظر ومن ثم ولوجهم إلى وظائف الدولة قائلا حين دخل الجيش بعد نشاط مكثف في المؤسسات التعليمية :”لقد آن الأوان لأن تدخل العربية في الجيش الوطني”، وقد تم ذلك بالفعل في بعض القطاعات، وباستمرار وأصبحوا وزراء ومدراء وقضاة وضباط وأساتذة .. يتفاضون رواتب من الدولة ، وكان هذا أكبر صدقة جارية نفعه الله بها.
وقد تعرض بسبب هذه المواقف الشجاعة إلى الطرد من الجيش والاعتقال عدة مرات ، وحكم عليه في إحداها بالسجن 5سنوات.
يقول د. سيدي محمد ولد سيدي
“لقد كان العنصر اللافت في هذه المسيرة هو قدرة الرجل على التحول السريع من تاجر مواش في السنغال، حيث عمل بعد طفولة يُتمٍ قاسيةٍ، إلى مناضل سياسي في الحزب الاستقلالي العروبي النهضةبدء من منتصف سنة 1958. وفي ذلك دليل على طموح هائل وقدر محتوم سار إليه بإرادته ومغامرة جعلت منه بحق أحد الأفراد العصاميين. إنه يمثل شريحة من الموريتانيين لم تتلق تعليما استعماريا باللغة الفرنسية، بل كان تكوينهم الأساسي باللغة العربية التي وجدت فيها دول شرق أوسطية ثورية ناشئة ليس فقط لغة تعليم ولكن أيضا وسيلة وجودية وأداة انفتاح سياسي.”
وقد دون محمد سعيد ولد الحسين الملقب الداه في كتابه القيم “رحلتي في الجغرافيا والسياسة”تجارب – محن – تطلعات.
مذكرات أول ضابط في الجيش الموريتاني عربي التكوين “سيرة حياة حافلة بالنضال والصبر والتحمل والطموح الذي قاده إلى الأكادمية العسكرية بحمص(مصنع الرجال ) 1965 حيث التدريب العسكري الشاق في ساحات اختيرت أسماؤها بعناية : بدر ، اليرموك ، القعقاع ، صلاح الدين ، حطين..”
وبعد أن تخرج الضابط الداه ولد الحسين من الأكادمية العسكرية طلبت منه القيادة في سوريا التي أنقلبت على القيادة القومية أن يبقى في الجيش السوري لكنه رفض وقال إنه يشتاق لموريتانيا.
وعند عودته إلى بلاده نهاية 1969وجد الساحة موزعة بين أربعة اتجاهات:
1- اتجاه يتبناه النظام يعتمد سياسة همزة الوصل مع اعتماد اللغة الفرنسية.
2- التيار الزنجي المنبثق عن مفاهيم منشور 19 المناهض لتعلم اللغة العربية.
3- حركة الكادحين التي تحول المؤسسون لها عن الخط القومي الناصري .
4- الاتجاه القومي المتشبث بمفاهيم القومية التحررية ويهدف للوحدة والعدالة الاجتماعية .
في هذا الجو المشحون بالتيارات والاتجاهات المغايرة في معظمها تعرف الداه ولد الحسين على محمد يحظيه ولد ابريد الليل الذي كان على صلة بمحمد فاضل ولد سيدى هيبه ومحمد ولد بابته.
ونتيجة لهذا اللقاء يقول الداه ولد الحسين في كتابه ” رحلتي في الجغرافيا والسياسة ” كان من أوائل من اكتسبنا في الثانويية: محمد يحظيه ولد الطلبة وحمادي ولد اريد الليل ولفظل ولد عبد الودود ودفالي ولد الشين وحمدي ولد المحجوب وعبد الله ولد اباه ولد الشيخ سيديا ومحمد فاضل ولد البخاري وإبراهيم ولد عبد الله وعبد الله ولد حسن ومحمد ولد خباز وخدجة بنت أحمد واختها الناجية واسلمهم بنت عبد المالك واختها مريم ومحمد الامين اشبيه ولد الشيخ ماء العينين وعيسى ولد أحمدو وأحمد ولد ابريد الليل وميمونه بنت أعمر وهند بنت ميمون وآخرون ).
وهذا الاحتكاك المباشر بالجماهير والمناضلين من أجل ترميم جسور الأمة العربية هو الذي مكن القائد الكبير محمد فاضل ولد سيدى هيبه من هذا الوصف الدقيق للراحل الداه ولد الحسين حين قال:
” كان الفقيد حسن الخلق لطيفا من دون ضعف. كان صادقا نزيها فكريا مؤمنا بمبادئه أيمانا لم تؤثر عليه المحن التى مربها .. هذه الصفات نالها لا شك من تربيته الأسرية و وسطه الاجتماعي المتميز .. لكن أيضا من كونه أضاف فضلا عن هذه الصفات صفات المناضل القومي الذى تربى فى مدرسة البعث الثورية و نال شرف الريادة فيها مثله مثل المناضلين الكبار فى هذه المدرسة .. أردت التذكير بهذه المسألة لأني لاحظت محاولات بعض الأطراف التعتيم على البعد القومي لهؤلاء الشهداء و على رأسهم الشهيد صدام حسين و رفاقه الذين بالغ البعض فى إبراز و تمجيد أبعادهم الإنسانية و الفكرية مع تجاهل بُعدهم البعثي. الشيء نفسه حصل مع القامات البعثية الموريتانية محمد يحظيه ولد بريد الليل الذى ذهب الكثير من تمجيد الأطراف المذكورة له و بعض الجاهلين لسيرته، و رأوا فى الرجل فقط جانب المفكر و الخبير الستراتيجي وتجاهلوا بعده القومي الثوري، و على أحمد فال أحمد الخديم الذى ركزوا على علمه و ورعه و تناسوا أنه ابن البعث البار الذى لم يغب قط عن ندائه .. ليُعلم أن لولا البعث لم يكن ذكر لصدام حسين و لا لولد بريد الليل و لا لأحمد فال … مع تقديري لمآثرهم الشخصية. هذا التلازم و التناغم مع الخصال الحميدة و المعانى السامية لهؤلاء الرجال إن دلا على شيء فإنما يدلان على أصالة الفكر القومي الثوري و عن إنسانيته الكامنة فى النفوس .. رحمهم الله جميعا و رحم جميع شهداء موريتانيا و الأمة العربية و الإسلامية.”
وفي هذا الصدد كتب البرلماني السابق والإعلامي البارز أحمد ولد ميح عن صلابة وقوة وجرأة الفقيد قائلا :
“الضابط الذي لا تاخذه في الحق لومة لائم الداه ول الحسين .. الرجل الذي شهد له تاريخه الناصع بمزايا وخصال اصبحت نادرة رحل الجبل الاشم الراسخ الاصيل الذي لم ينحن يوما ولم يترجل عن جواده رغم السجن والتعذيب ورغم الاقصاء والتهميش بسببب مبادئه ووطنيته وثباته وتضحيته وجرأته في قول الحق وتشبثه بدينه وقيمه ورفضه للاغراءات مقابل الصمت عن الفساد والانحراف والمسخ.
ءاخر مرة التقيت به في ءاخر عهد الرئيس السابق عزيز ونحن نناضل لانتزاع حقوقنا كبرلمانيين سابقين كان الرجل ساخطا ومتذمرا من الاوضاع السياسة والاجتماعية وكان يرفض اي إجراء نقوم به يشتم منه التزلف والمحاباة للنظام مقابل الحصول علي حقوقنا
كان المرحوم احد ابرز ضباط القوات المسلحة ثقافة وشجاعة وتمسكا بالهوية العربية الاسلامية”.
ترك وراءه فراغا كبيرا ، لكن تاريخه المجيد بقى خالدا ، فجزاه الله خيرا وغفر له وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .