الترجمة السادسة : شذرات من حياة بعض أعلام موريتانيا …/ د. أحمدو ولد آكاه
نواكشوط 14 فبراير 2021 (الهدهد. م.ص)
المرابط محمذن فال بن متالي التندغي
نسبه: هو محمذن فال حكمتالي المختار بن محمذن بن أحمد بن أبج بن ييج ابن فوديه، الذي تنسب إليه قبيلة الشيخ إدكفودية ، ينتهي نسبه إلى فوديه الأكبر المعروف باسم “الشريف أبو بزول”.أمه: جليت بنت محمذن بن حابيب بن أحمد بن يحيى بن أبج، وهنا يلتقي نسبها مع والده .
مولده ونشأته:
ولد “ابن متالي” سنة 1205هـ في بلدة تبعد نحو 70 كلم غرب مدينة “روصو” الموريتانية، حجبه أبوه بعد مولده مدة ستين يوما عن أعين الناس، وقد توفي والده وهو لا يزال في الثالثة من عمره؛ فبقي في كفالة أمه، فنشأ فقيرا وظهرت عليه خوارق العادات في صغره.
وقد عاش في عصر تتحكم فيه النزاعات القبلية والطائفية من الناحية السياسية فلا تكاد سنة تخلو من وقائع وغارات تدور بين الإمارات التي كانت تتوزع البلاد آنذاك إضافة إلى ما يدور في أوساط المجتمع من النزاعات الجانبية ذات الطابع القبلي الخاص.
كما كان اعتماد الناس من الناحية الاقتصادية على تربية الحيوان بالأساس، وقد ازدهرت الحياة الثقافية في عصره ازدهارا منقطع النظير في كافة المعارف الإسلامية والعربية .
دراسته وتصوفه:
لا يعرف لـ”ابن متالي” شيخ تعلم عليه بدرجة تؤهله للمرتبة التي احتلها من الناحية العلمية، ويرى بعض الباحثين عن ترجمة الشيخ أن هناك علما وهبيا إلهيا حصل له أو بعبارة أخرى أنه فتح الله عليه بعد نومة طويلة نامها، فاستيقظ وقد تشبع قلبه نورا وفهما وعلمه الباري من لدنه علما وأصبحت جميع العلوم الشرعية طوع بنانه كعلم التوحيد، وعلوم القرآن والحديث، وعلمي الأصول والفروع، والنحو واللغة، والمنطق والبيان، والتاريخ والسيرة، وحتى الطب بالإضافة إلى التصوف على منهاج السلف الذي أصبح يشكل بفضل جهوده مدرسة متميزة كانت من أهم روافد التصوف السني في منطقة القبلة .
وقد بعثته أمه صغيرا إلى أحد العلماء؛ ليدرس عليه فبدأ بقراءة الآجرومية، ثم إن الشيخ ما اكترث به وصار يجيء إليه ليفسر له درسه، فيشتغل عنه بالتفسير لغيره، فضاق صدره وبكى كثيرا ثم فتح الله عليه دفعة واحدة، ورجع إلى أهله وشاع خبره، وانثالت إليه الناس وأقبلت عليه الدنيا .
وقد حصل جميع العلوم وهو ابن اثني عشر عاما، وفاق معاصريه في شتى الفنون، وإذا لم يكن هناك شيخ معروف لـ”ابن متالي” إلا أن هناك شيخين ربطته بهما علاقة تعلم ما مثل:
– المؤيد بن مصيوب الكمليلي: وهو الشيخ الذي سبق أن أشرنا إلى أنه قصده لدراسة الآجرومية فلم يعبأ به، ومن العجيب أن هذا الشيخ لجأ بعد ظهور “ابن متالي” إلى الأخذ عنه.
– أحمد بن العاقل الأبهمي ت 1244هـ الذي يذكر أنه اتصل به وزوده ببعض الكتب النادرة .
وتجدر الإشارة إلى أن “ابن متالي” أخذ التصوف الشاذلي عن “ابن عفان التندغي”، لكن هذا الأخذ كان روحانيا غير مباشر يقول العلامة “محمد سالم بن المحبوبي” في نظمه لسلسلة الورد الشاذلي: الرجز
وَنَجْلُ مُتَّالِي عَن العَفَّانِي
أَخَذَهُ في العالَمِ الرَّوْحانِي
محظرته وتلاميذه:
تصدر “ابن متالي” للإفتاء والتأليف غير أن المهنة التي سيطرت على حياة الشيخ وأخذت بمجامع قلبه هي مهنة التدريس .
وقد أسهمت المحظرة والحضرة المتاليتان معرفيا وروحيا في نهضة هذه البلاد خلال القرن الثالث عشر الهجري بفضل ما خلفه شيخها من مؤلفات طالت جميع العلوم الإسلامية والعربية فضلا عن المحاظر التي تعود نشأتها إلى تلامذته، فعلى يديه تخرج علماء مشهورون قاموا بنشر المعارف ونهجوا نهجه في الورع والزهد والتواضع والخمول والتصوف السني، ومن أبرزهم:
– ابن أخيه وناظم سيرته حيمده بن انجبنان ت 1329هـ .
– المختار بن ألما اليدالي ت 1308هـ .
– أوفى بن ألفغ مصر الألفغي ت 1300هـ .
– عبد الله بن مختارنا الحاجي ت 1330هـ .
– محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي ت 1323 هـ .
– أحمدو بن المختار المالكي ت 1324 هـ .
– لكبيد بن جب اليحيوي ت 1343 هـ .
– محمد فال بن آبني التمقلاوي ت 1309 هـ .
– أحمد باب بن عبد الله الإدكبالي ت 1337هـ .
– محمد بن عمار التاشدبيتي ت 1358 هـ .
– صلاحي بن الشيخ محمد المامي ت في العقد الثاني من القرن 14 هـ .
– سيدي محمد التاكاطي ت 1280هـ .
– ابنه عبد الرحمن.
– محمذن فال بن بوفره الحاجي.
– محمد بن حمادي الكمليلي.
– احمد بن امغر اليحيوي .
مؤلفاته:
خلف “ابن متالي” عدة آثار شملت مختلف العلوم والفنون، ولعل من أهمها:
– فتح الحق في حقوق الخالق والخلق مرقون حققه الأستاذ سيدي بن النونو فقه وتصوف .
– مختصر على نمط مختصر ابن عرفة فقه .
– اختصار شرح المواق على مختصر خليل.
– قرة عين النسوان والضعيف ببث ما ناط بهما من أحكام التكليف عقيدة وسيرة وفقه حققه “محمد بن عبد الرحمن” في المعهد العالي 1983 – 1984م .
– الظل الممدود نظم في الرد على المعتزلة يوجد في قسم المخطوطات تحت رقم 1612 .
– صلاح الآخرة والأولى في إصلاح الآخرة والأولى تفسير يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم: 2131 .
– حكم الهمزة في القرآن المقرأ يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم: 2874 .
– تسديد النظر شرح مختصر السنوسي المنطق يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم: 851 .
– نظم الشهداء السيرة حققه محمذن بن عبد الله في المعهد العالي سنة 85-1986م.
– نظم المعجزات والخصائص السيرة .
– الحميل بسعادة المحيا والممات تصوف حققه “عبد الله بن محمدن” في المعهد العالي سنة 1987-1988م.
– اختصار شهية السماع في كشف القناع لعلي بن أحمد العيادي تصوف توجد منه نسخة بمكتبة العلامة ان بن الصفي.
– تبيين المراد بالتصوف تصوف يوجد في م.م. ب. ع، تحت رقم 1619.
– طرة على “خاتمة في التصوف” للشيخ محمد اليدالي. وسنقدم هذه النصوص الأربعة السابقة في الباب الموالي بحول الله .
– سراج العلماء المنقذ من الظلماء تصوف يوجد في م.م.ب.ع، تحت رقم: 523.
– كتاب هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ تصوف .
– وصيته للمسلمين ورقة واحدة في التصوف يوجد في م.م.ب.ع، تحت رقم 2083.
– نظم الأذكار فوائد و تصوف يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم 2100.
– النوازل: وهي أجوبة فقهية جمعها الطبيب أوفى بن الفغ مصر، وقد حققها لمرابط بن الشيخ في المعهد العالي سنة..
– الأخلاق : نظم لخلق النبي صلى الله عليه وسلم وخلقه، تحت رقم: 523 في م.م.ب.ع.
– مقطوعات و أنظام كثيرة في ميادين مختلفة .
مواقفه العلمية ومكانته:
ظل “المرابط محمذ فال” مهتما بالعلم والتعليم طيلة حياته، وله في ذلك مواقف بارزة ومنها:
أ – أن المرء إذا اشتغل بعد البلوغ بالقرآن واستمر على ذلك مهملا لفرض عينه فهو فاسق بالاتفاق، وقد نظم هذا الحكم بقوله عازيا للجزولي: الرجز
وَمَنْ عَلَى القُرْآنِ والذِّكرِ اسْتَمَرّْ
بَعْدَ البُلوغِ فَرْضَ عَيْنِه هَجَرْ
فَفِسْقُهُ ما فيهِ مِن نِزاعِ
لِتَرْكِهِ الواجِبَ بِالإِجْماعِ
لِمُسْتَحَبٍّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ
كَمَا الهُدَاةُ أَرْشَدُوا إِلَيْهِ
ذَكَرَهُ فــــــي شَرْحِـــــــهِ الجَـــــزُولِي
ذو العِـــــلْـمِ بِالفُـــــروعِ وَالْأُصُولِ
ب – كما أن “ابن متالي” يرى أن ترك التعلم كفر أو يقارب ذلك بقوله مشيرا إلى هذا الحكم: الرجز
تَرْكُ التَّعَلُّمِ لِكُفْرٍ يُفْضِي
أَوْ هُوَ كُفْرٌ عِندَهُم بِالمَحْضِ
لأنَّه الإِعْراضُ عَنْ وَحْيِ النَّبِـــي
وَمُعْرِضٌ عَنْهُ بِكُفْــــــرِهِ حُـــــــبِي
ج – ويرى “ابن متالي” في إطار حملته التي تهدف إلى توجيه الناس للتعلم وإقبالهم عليه أن تعلم اللغة العربية أفضل شرعا من الانقطاع للنافلة: الرجز
تَعَلُّمَ اللُّغَةِ شَرْعاً فَضِّلِ
عَلَى التَّخَلِّي لِعِبادَةِ العَلِي
يُؤْخَذُ ذا مِــــن قَوْلِهِ: “وَعَلَّمَــا
آدَمَ الَاسْماءَ” الـزَم التَّـــعَلُّمَــــا
د – وقد أخذ موقفا موسعا من المراهِقة التي قالت: إن الملائكة يتناسلون، حيث أفتى بعدم ردتها معارضا بذلك جل علماء المنقطة، معللا ذلك بأن هذه المسألة ليست مما علم من الدين بالضرورة.
وقد حظي “ابن متالي” بالإضافة إلى مكانته العلمية السامية بمكانة سياسية بارزة حيث كان مأمنا للخائفين في ظل الجور والفوضى السياسية التي شهدتها البلاد في عصره، فصار حرما آمنا يفر إليه الخائف فيؤمنه، وما خفر ذمته أحد من حسان الطبقة الحاكمة سياسيا غير “اعمر بن احميدة التروزي” وقومه فانتقم الله منهم، وذلك أن “ابن احميده” وتره أحد أبناء السيد بأن قتل بعض أقاربه، ففر إلى الشيخ، فأجلسه بين كتبه، وكلم ذلك الرجل في ترك الملتجئ إليه ما دام عنده… لكنهم ضربوا الناس وقتلوهم؛ فصاروا لا يخرجون من فتنة إلا دخلوا في أخرى، وهذا مشكل يقول أحمد بن الأمين الشنقيطي؛ لأن الحرم المكي لا يعيذ عاصيا ولا فارا بخربة .
وفاته: توفي ـ رحمه الله تعالى- وهو ساجد في النافلة بعد صلاة الظهر من يوم الاثنين من شهر ربيع الثاني سنة 1287هـ.