عندما يطغى غياب الخطابة…/ الولي سيدي هيبه

 

نواكشوط 22  دجمبر2019 ( الهدهد .م .ص)

منذ فجر التاريخ، يجمع القادة ال كبار بين “الكاريزما” والقدرة على “التواصل” بسهولة. فالخطاب البليغ يوضح الأشياء ويبرز ويضيئ معالم المسارات المتبعة.

في بلاد تقدير “البلاغة” شعرا ونثرا، كانت دائما المفارقة العجيبة أن الحكام – أولئك الذين كان بأيديهم مصير البلد خلال فترات مختلفة – هم الأقل قدرة على الأداء الكلامي من غيرهم، باستثناء الرئيس الأول للدولة الناشئة المختار ولد داداه و الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.

ولقد كان دائما هذا النقص المخل، للأسف، سببا أولا في الضعف الشديد الذي ظل يعتري الدولة طوال تاريخها الحديث ويطبعها على الدوام بالفوضى العارمة، نفص كان يتجلى أيضا في تحكم المفوهين من أصحاب العقول السلبية الخفية ومن المنظرين في القصر الرمادي، ليسوا أولئك الذين يهدون الحاكم إلى النهج الصحيح سبيلا إلى الحكم المتبصر، ولكن الأسوأ منهم، أولئك الذين يستغلون في المقام الأول منافع السلطة عن طريق الاستحواذ عليها واستخدامها لمآربهم الأنانية الضيقة؛ إنهم هم، إذا جاز التعبير، المتخصصون في إعداد خطب الرئيس الذي لا صوت له، ويجعلون منه متحدثًا متميزًا. لكن حالما يتم إسقاط هذا الأخير أو دفعه إلى التنازل عن السلطة، فإنه سرعان ما يرى نفسه على حقيقتها وينكشف للشعب وهو أقل قدرة على التواصل مما كان يوهم به تحت رعاية قوة السلطة.

في نهاية مؤتمر الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الصحفي، الذي انتظره الموريتانيون أياما بفارق الصبر، جاء الانطباع الأول، الذي تركه في نفوس الكثيرين من المواطنين والسياسيين والمراقبين والمحللين، شعورا بالنقص الشديد في مستوى التواصل؛ شعورا كشف لهم وبقوة عن عدم قدرة الرئيس الأسبق على التعبير والاقناع.

وهو الانطباع الذي جعل الكثير منهم يصرحون أيضا بأنهم لم يستخلصوا من هذا اللقاء مع الصحافة أفكارا واضحة حول عدد من المسائل الهامة، ولا حصلوا على إجابات مرضية عن القضايا والملفات الكبرى التي، إن لم يكن قد تعمد إخفاءها، فإنها على الأقل بقيت من دون ردود شافية.

وخلص البعض الآخر إلى أن الرئيس السابق لم يستطع بالأسلوب الحاد والنغمة الزاجرة والمعاملة شبه التعسفية إخفاء محاولات التملص من بعض المواضيع المعينة، وتهيب مواضيع أخرى شائكة.

ومع كل ذلك فإن هذه الخرجة أمام لفيف من الصحفيين غير متجانس جمعَ، على غير عادة مؤتمراته الصحفية، المحترفين الجادين والنفعين الكرنفاليين، قد اعتُبرت إنجازًا رائعًا من طرف مؤيدي الرئيس السابق وهم يحاولون بمداد بعض أقلامهم المفتقدة إلى البراعة الكبيرة، تقديمها كفتح إعلامي على أرض واقع اللعبة السياسية، بل كإعلان لوقت قريب، عن سلاح سري سيحسم معركة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الأخيرة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً