رأي …/ لئلا يموت المعروف بين الناس …!
نواكشوط 10 سبتمبر 2019 (الهدهد. م .ص)
كتب محمد أحمد ولد العاقل عن أولاد انتشايت :
ماكنت ارغب في كتابته عن بعض القبائل خاصة في المجال السياسي ولكن رأيت من الواجب كسر هذا الحاجز وإنصاف هؤلاء القوم حتى لا يموت المعروف بين الناس لانهم أبلوا بلاء حسنا وكان لهم الفضل في بناء هذا الكيان المسمى اليوم موريتانيا الذي خرجوا منه لا يملكون قوتهم اليومي.
إنهم أولاد انتشايت الكرام الذين تنكر لهم الجميع دولة ومثقفين وطبقة سياسية. رغم انهم ضربوا أروع الأمثلة في الشهامة والوطنية والتعفف عن المال العام.
ولقد اتفقت على ذلك كل اجيالهم المتعاقبة في الإدارة وفي كل الحقب السياسية الموريتانية.
كان هؤلاء القوم مثالا للموظف المحترم البسيط المتواضع النزيه المتفاني في عمله لا يلقي بالا للوساطة ولا الزبونية ولا يمتد بصره لأكثر من راتبه.
المختار ولد داداه مؤسس موريتانيا ترك السلطة بعد عشرين سنة من النضال من أجل انجاح مشروع الدولة الموريتانية خرج من حكم البلاد لا يملك سوى منزل واحد لم يكتمل تسديد أقساطه بعد. حتى تولاها عنه الرئيس العاجي افليكس اوفتوبي سنة 1983حيث صادرته بعد ذلك اللجنة العسكرية وظل مصادرا حتى عودته من منفاه في فرنسا سنة 2003.
هذا الرجل العظيم ترك السلطة ووالدته تسكن في كوخ خشبي تم ترميمه بسلفة من حاكم بتلميت والقصة معروفة.
احمد ولد اداداه الخبير الاقتصادي حفظه الله ورعاه وأطال عمره تولى إدارة البنك المركزي الموريتاني زهاء عشر سنوات إضافة الى إدارة الشركة الوطنية للايراد والتصدير سونمكس ووزارة المالية وهو اليوم من أفقر فقراء موريتانيا لا يملك منزلا ولا يملك سوى سمعته الطيبة أو سيارة قد أهداها له أحد التجار وهي سيارة قديمة لاتليق بزعيم وطني من حجم أحمد ولد داداه الذي انتشل موريتانيا من ضياع محتوم ورسخ ديمقراطيتها وصنع طبقتها السياسية.
أحمد الرجل الذي منح موريتانيا شبابه وخبرته كافأته الطبقة الساسية بحرمانه من الترشح لمنصب هو وحده الذي يستحقه بدون منازع.
محمد سيديا ولد اباه الدكتور البيطري الذي تربع على عرش مفوضية الامن الغذائي التي تسمى اليوم (الكرشة) المسلول عوده تقاعد هذا الدكتور وهو مفوض للامن الغذائي ولا يملك إلا منزلا متواضعا في سكوجيم امسيد المغرب. ولقد أخبرني أحد أقاربي كان يعمل في ديوانه أنه يوم تقاعد لا يوجد في حسابه غير 6000 أوقية قديمة.
مثله مثل الدكتور عبد الله ولد أباه طبيب أمراض القلب والشرايين. وزير سابق للصحة والدفاع والتنمية الريفية
المنسق العام للخطة الوطنية الاستعجالية لمساعدة المتضررين من الجفاف سنة 1972.
هذا الدكتور الأخصائي ترك الوظيفة العمومية وهو من أفقر فقراء موريتانيا. لم يستطع هذا الأخصائي انتشال عائلته ومحيطه إلا بعد أن تفرغ للعمل الحر لأنه متخصص في مجالات طبية معقدة وهو صاحب خبرة طويلة وسمعة حسنة لكنه تعفف عن المال العام وأدار له ظهره والجميع يعرف ذلك.
العقيد أحمد ولد منيه وزير لعدة وزارات وقائدا عاما للاركان وامينا دائما للجنة العسكرية مات رحمه الله ولم يترك غير راتبه وقطعة من الأرض متواضعة وكزرة وسيارة قديمة.
ومن الشواهد الأخرى نذكر سليمان ولد الشيخ سيديا الرجل المعروف بالشهامة والسخاء تقلد مناصب عديدة في الدبلوماسية الموريتانية.
هذا الشيخ الجليل والسفير كان يسكن في كزرة قرب المطار القديم وفي آخر عمره منع من السكن فيها ولم تعوضه الدولة عنها بحجة أن الكزرة تقع في منشأة عمومية.
هناك شخصيات من هذه العشيرة تركت الوظيفة العمومية وهي لا تملك شيئا.
الليلة نكتفي بهذه النماذج ليتضح للجميع أن السيادة والنبل والسمعة الحسنة لا بد لها من ثمن.
هؤلاء القوم أغلبهم قدم إلى ربه وبقى ذكرهم خالدا شاء من شاء وابى من أبى لأن التاريخ يخلد العظماء فقط ولا يكتب عن غير العظماء.
استغرب كل الاستغراب تحامل البعض على هؤلاء القوم وتجاهل تضحياتهم الجسام من أجل بلد وشعب ويكون جزاؤهم هو التنكر والتشويه بدل التمجيد والاعتراف لهم بالجميل.