ركن المدونين : كتب محمدو ولد احظانا على صفحته
…
(الهم أكبر من لخلاك)
في اجتماع غير مسبوق بمثله، عقده فخامة رئيس الجمهورية مع فريق عمله من وزير أول وأمين عام للرئاسة والديوان ووزراء معنيين ب 84 مشروعا متأخرا عن وقت تنفيذه؛ أصدر رئيس الجمهورية تعليمات محددة حول محاسبة المتلكئين عن التنفيذ..
ولأننا -في القاعدة الشعبية- نرى ما يجري عن قرب باعتبارنا كتابا قريبين من الواقع ونسمع مالا يسمعه غيرنا ونرى مالايراه غيرنا من مسؤولين ومتعهدين في تنفيذ المشاريع، وبالتالي نقدر بشكل شبه دقيق انعكاس مايجري على أرض الواقع من إجراءات، و نميز الفرق بين ما يتحقق وما يعلن المنفذون عن تحقيقه للسلطات افتراء، وما هو حقيقي فعلا، ونعلم أكثر من ذلك خطورة التراخي في تنفيذ مشاريع تنموية صرفت عليها الدولة وتشكل روح برنامجها التنموي ويراهن عليها كل الطيبين الذين دعموا برنامج تعهداتي، ويرجو كل المواطنين الخيرين تحققها بلهفة، بعد أن تم ضمان تمويلها من ميزانية الدولة أو عبر للتعاون الدولي، وعقدت صفقاتها علنا وفاز بها من فاز، واعتمدت دفاتر التزاماتها، واستلم المنفذون بعض دفعاتها.. لكنها لم تنجز. (الا باط أتوف؟)
هذا الواقع المختل يستدعي تحركا جديا وعاجلا بل حملة من الحكومة برقابتها الصارمة وقراراتها الحاسمة، وهبة من النخبة السياسية الحزبية للتحسيس والتوجيه والتوعية، وتحركا من السلطة البرلمانية للمساءلة والمتابعة، و وإجراءات من السلطات القضائية للمتابعة العدلية، و تصدرا من الهيئات الإعلامية الرسمية والاجتماعية والنخبة الفكرية لإنارة الرؤى وتشخيص مكامن الداء العضال: داء التفريط في تنفيذ برامج التنمية الوطنية. تصوروا أن يتأخر تنفيذ 84 مشروعا رغم رغبة الدولة في تنفيذها.
وإسهاما مني في الدخول من بوابة الرأي الفكري أقترح على الجهات السامية الأمر ب:
المقترح الأول العاجل:
إنشاء إذاعة تسمى “إذاعة المشاريع والبرامج التنموية”، تهتم بلائحة المشاريع المنفذة وغير المنفذة، تعطي أخبار تقدم تنفيذها أسبوعيا أو شهريا للرأي العام. وتستضيف هذه الإذاعة أطراف كل مشروع: الطرف الحكومي المباشر.
طرف التنفيذ المباشر.
منتدب من البرلمان له دراية بالمشروع.
خبير قانوني أو قاض يقدم رأي القانون عند التقصير في التنفيذ.
مثقف يعكس رأي المجتمع ويحمل المسؤولية لمن يتحملها في التقصير.
صحفي مهتم. يطرح الأسئلة الصريحة حول المشروع المناقش عبر الأثير.
وتنطلق هذه الإذاعة أو البرنامج من مبدأ أساسي وهو أن (الهم أكبر من لخلاك).
إن ثمة ظاهرة سائدة أراها مسؤولة عن كل تقصير أو تلكؤ في مشاريع الدولة وغيرها ألا وهي ظاهرة “لخلاك”.
هذه الظاهرة تمنع من تطبيق مبادئ مهمة لا نهضة للمجتمع بدونها:
مثلا، مبدأ العدالة، “فلان أخلاكه اكبيره عندي” لا أستطيع أن أطبق عليه مبدأ العدالة. وقس على ذلك حرمان المستحق لأنه “ابلا أخلاك اعلي”. إن هذا المبدأ سيمنع المسؤول المباشر من محاسبة المنفذ المتلكئ حتى ولو لم يكن ثمة سبب آخر.
إن مبدأ “الهم أكبر من لخلاك) هو مثل المرحلة وعنوانها الصحيح.
المقترح العاجل الثاني:
أقترح على صاحب الفخامة -إن لم يكن قد اتخذ قرارا بذلك أن يشكل لجنة متكاملة لمتابعة تنفيذ مشاريع الدولة، وتقديم تقارير موضوعية عنها كل أسبوعين أو كل شهر لرئاسة الجمهورية، وتضمن تقارير اللجنة إسناد نقاط إيجابية أوعلامات سلبية لتنفيذ المشروع المعني. كما تقدم بالمقابل الصعوبات الإدارية والمالية التي يواجهها المشروع من طرف السلطات، تأخر دفعات مالية للمنفذ، تأخر معاينات مراقبة. إلى آخره.
عند التأكد من أن التقصير في التنفيذ عائد إلى عجز فني أو تحايل أو استهتار من المنفذ أو من الجهة الحكومية، فإن الخطوات العملية للمحاسبة يجب أن تكون جاهزة بغض النظر (عن كبر أخلاك المنفذ أو المسؤول الإداري) في أي مستوى (ف هم الدولة أكبر من لخلاك).
وأرى هنا أن أي علاقة حسنة بين المسؤولين والمنفذين للمشاريع يجب أن تبرم -إن كان ولابد- بعد تنفيذ المشاريع لا قبل ولا أثناء تنفيذها. فليكن التنفيذ أولا لنناقش ما بعده من علاقات عامة لاحقا.
كذلك يجب توضيح أن الولاء من طرف المساعدين من أي مستوى يجب أن يكون ولاء لبرنامج حتى يكون له مضمون، فما فائدة تأييدك لي بلسانك إذا كنت تعمل ضد إرادتي في تنفيذ مشاريعي التنموية التي كلفتك بها أو اتفقت معك على إنجازها؟
فالعقد بيننا ليس على الولاء الجاف الخالي من الأداء العملي المطلوب.
كما أؤكد ثانيا، على أن الاستمرارية في الخطوات العملية الصحيحة مهمة للنجاح في هذا المسعى التنموي الحميد، فلعبة المراهنة على عدم المواصلة في المراقبة والحسم آفة أخرى من آفات تخلفنا في الأداء.
كما أؤكد ثالثا على أهمية الإتقان في التتفيذ. وأتذكر هنا ملاحظة من فخامة رئيس الجمهورية في افتتاح معرض نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية، حول صندوق من الصناعة التقليدية لم يعتن صانعه بتهذيبه فكان خشن الملمس. ولما أراد الصانع التقليدي تسويغ خشونة الصندوق بعدم توفر بعض الآلات، ذكر له الرئيس ما يفيد بأننا لم نعد نبالي بالإتقان أصلا.
لقد كان ذلك التشخيص صحيحا وإن مر على الكثيرين مر الكرام.
والحقيقة أننا أصبحنا -غالبا- نراهن ابتداء على عدم التنفيذ، (مثال المشاريع المتأخرة حاليا)، فإن تحتم التنفيذ لجأنا إلى عدم الإتقان (وهي المحطة التي علينا العناية بها عند التنفيذ لاحقا، في المشاريع المتأخرةالآن) .
إخوتي في القمة والقاعدة، لقد قال أجدادنا الحكماء الذين طوعوا أقسى بيئة في العالم بأقل الوسائل وأضعفها: (الهم أكبر من لخلاك). كما قالوا: (الي اعشاك واعشاه في اكدح إلى اتل ايكبو لا اتخليه)، ولا تزال حكمتهم البالغة هي عنوان الحل حتى بالنسبة للمشاريع المتأخرة حاليا.
كان الله في عون الجميع لتحقيق نماء ورفاه البلد، والأمل في ذلك كبير.