مقال من روائع التوصيف لحال التفكير المسيطر

نواكشوط  17اغسطس 2019  ( الهدهد .م .ص)

 

قوالب الممانعة : ( المخلفون)

يقول الكاتب الإنجليزي ” جورج أورويل ” أن كل دعاية الحرب والكذب والكراهية تصدر عن الذين لا يحاربون .
وهذا القول يعتبر مفتاحا لنفسية كل المخلفين عن أي ركب .
للمخلفين ثقافة مستبدة بالوعي ، وسهلة الإستشراء في المجتمعات البائسة الفاقدة للأمل من كل شيء .

جرب مثلا أن تصف حاكما في دولة فقيرة بالنزاهة ، وستجد نفسك امام سيل من السخرية والإمتعاض .

وفي المقابل حين تقول أن ” موريتاني ما فيها أمل ” ستجد الكثير من الثناء والموافقة والمطابقة .

من يعمل على هذه التقنية ويصدرها هم فئة المخلفين و فرسان الممانعة ، إنهم قوم ينتمون للواقع ولا يؤمنون بسيرورة التاريخ .
للملخلفين ثقافة وأنماط فعل وممارسة ، فهم يسوقون أنفسهم بواقعية طرحهم بناء على ما هو حاصل لا ما يمكن أن يحصل .

حدث أحدهم عن جدوى الإستثمار في السمك ، وسيذكرك بغرافات الإتحاد الأوروبي واليابان و الصين ، التي لا تبقي ولا تذر ، وستجد في ارشيفه قائمة بأسماء كل الفاشلين في مغالبة البحر ، لكنه لا يعرف أيا من الذين أثرتهم مواجهة الموج والملح .

هم ينتمون بكامل وعيهم للحاضر والماضي ، لذلك يسوقون التقليد ويبخسون المغامرة والريادة .

حين تحدثت قبل سنوات عن أطروحة المشروع الوطني توقعت أن يقوم المخلفون بعزف ممانع ، فسمعت الكثير من الألحان المعهودة من قبيل ” متمصلح جديد ”
“تيارات الدكاكين ” ” الأيادي الخفية ” ” السياسة تحتاج للمال ” ” حد ماه مدعوم مايورط ” ” التنظير المثالي ” … الخ

الممانعون لا يستطيعون رؤية المستقبل إلا كصورة أو نسخة عن الماضي والحاضر .
حتى ذلك الذي ” عظو لحنش ” من المتفهم أن يفزع عندما يرى حبلا ، لكن سيكون من المؤسف أن يعتقد أن كل الحبال ” حنوشة ” .
الممانع إنسان مغرور ويحلل كما لو كان عقلا استراتيجيا واستخبارتيا فذا ، إنه يكتشف خلفيات الأحداث ببساطة تخوله تخيلها دون معطيات منطقية ، لكنك عندما تتمعن نتائج تحليله تجد أنه كان يستحضر الماضي ليحسن قدك على أكثر الأمثلة سوء.
فكما أسلفت ليس لدى الممانع أرشيف عن النجاحات داخل حيزك انت .

قد يحدثك عن نهضة بدأت من الصفر ويثني على شعب أنجز تلك المعجزة رغم انه كان جاهلا ومتخلفا وفقيرا ، لكنه لا يستطيع أن يمسح برمجة الممانعة حين تحدثه عن إمكانية صنع معجزة أخرى في حيزه هو .

قوالب الممانعة ..
للمانعة قوالب جاهزة وتشكل معيارا جامدا لا يمكن ابتكار معيار إلى جانبه .
من هذه القوالب :
1- عداء الحكومة والدولة
فالممانع يمتلك حاسة سلبية فيما بتعلق بالدولة ، فهي بالنسبة له لا تصنع إلا سيئا ، وحين تصنع حسنا فذلك لغايات سيئة .

2 – كراهية الجديد
فكل فكرة جديدة هي مشروع نصب واحتيال ارتزاق جديد ، أو ذراع للواقع تمتد لتستغله أو تجنده .

3 – كل ما يحدث هو تآمر
فالممانع يعتقد بفساد الفقهاء ، والمجتمع والثقافة والسياسة وكل عمل يقوم به أي كان فهو بشكل تلقائي تحركه نوايا غائية غير معلنة .

4- موت الاخلاق
لا يعتقد الممانع أن هناك من يتحرك بدافع أخلاقي ولا قيمي أو مبدئي ، وكل تلك الفضائل بالنسبة له هي مجرد وسائل لغايات غير شريفة .

———–
لهذه الأسباب سيظل صوت الممانعة منبريا في وجه أي إصلاح ومبخسا لأي فكرة أو اقتراح ، وسيظل المخلفون عن أي زحف يكيلون لمجتمعاتهم صنائع اليأس والإحباط .
ولا يرون من الدنيا غير الظلام و البؤس ، ولا يعتقون بإمكانية زوال حال إلى آخر أفضل .

إنهم مجتمع يكتظ في وجه الأمل ويعترض القوافل كقطاع الطرق .

منهم المفكر والمثقف والتاجر والنحرير والمدون .

لكن تاريخ البشرية يتقدم نحو الرخاء والإستقرار والصلاح إلى أن يحكم الخراب آخر الدنيا ، ولا شك أنهم سيكونون هناك .

إمنحوهم آذانا من عجين و تحركوا مع السائرين ، فالمخلفون لا يحاربون ولا يرون أبعد من أنوفهم .

بقلم :
محمد افو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً