هل نحن مع روسيا أم ضدها…؟؟ / صلاح المختار

بايدن يحذر روسيا من دخول اوكرانيا بدون اخذ اللقاح ضد كورونا !
نكتة اليوم في اوكرانيا…
بين فلاديمير بوتين المطرب الذي ادهش نجوم هولي وود بصوته الشجي وهو يغني في امريكا امامهم بلغة انكليزية واضحة (شاهدوا الفيلم في الرابط المرفق)، وبوتين المقاتل الشرس الذي اذل الغرب الاستعماري كما لم يذله احد ، فرق هائل كالمسافة بين الارض والقمر ،والسؤال الذي لامهرب منه هو: كيف جمع بوتين بنجاج منقطع النظير بين عالمين متناقضين هما الطرب والحرب؟ عندما تجتمع العبقرية الانسانية مع الارادة الفولاذية يولد المستحيل ،وبوتين صنع ما كان يعد مستحيلا في عصر انبطح فيه العالم لطاغية دموي لم يشهد التاريخ مثيلا له في حب سفك الدماء ونهب الاخرين رغم انه اغنى الجميع وهو امريكا، التي وصفت بالعاهرة! وما زاد في ذل امريكا هو انه ورغم القرار الستراتيجي الذي اتخذته منذ عقود بمنع بروز اي قائد قوي في العالم فاننا نرى الان بزوغ نجم قائد عظيم في روسيا بدأ بتهديم اساطير الغرب وكسر انوفهم وتبديد دعايتهم التي عمت طوال قرن كامل ! بوتين المطرب الذي اطرب امريكا بصوته هو نفسه بوتين الذي اذل امريكا كما لم يذلها احد قبله الا المقاومة العراقية!
اقول كل هذا ليس لانني معجب به، وانا في الواقع معجب به دون شك،رغم انني كعربي اناضل بضراوة ضد سياسته في سوريا،لكنني انظر للموضوع من زاوية كونية ويهمني قبل هذا مصير امتي العربية التي تذبحها امريكا بسكين فارسية كما نرى ذلك في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان ، ولنأخذ بنظر الاعتبار حقيقة مقلقة جدا وهي انه لولا الموافقة الامريكية على دخول روسيا الى سوريا لما دخلت بهذه الصورة الواسعة وابقت نظام بشار ففي ذلك مصلحة مشتركة امريكية وروسية، ولذلك فان النظر الى الخطر الاكبر، وهو الخطر الامريكي ، وترك الخطر الاصغر مؤقتا، وهو الخطر الروسي،هو احد اهم طرق النصر لاحقا. وما يجب لفت النظر اليه قبل كل شيء هو ان بوتين ساحق كبرياء الغرب الاستعماري هو نفسه الذي يشق طريق الحرية للعالم الان حتى وان كان يدافع عن روسيا فقط لان النتيجة هي المهمة لنا كعرب بعد ان وضعتنا امريكا في فرن الكوارث بلا رحمة ولا تراجع وسلطت علينا عمدا اسرائيل الشرقية بكل احقادها التاريخية ومطامعها العنصرية ،وكما فعل صدام حسين عندما اطلق المقاومة العراقية بعد غزو العراق وتعاظمت بعده وكانت اول جهة في العالم تلحق ذلا مكشوفا بامريكا فان بوتين اطلق سباق خلع اسنان امريكا ومن معها سنا بعد اخر من الهيكل الكارتوني البشع لامريكا الاستعمارية العدو الاخطر لكل شعوب العالم ! فما الذي حدث وما هي نتائجه الستراتيجية؟ فيما يلي ملاحظات سريعة امل ان تفيد في توضيح الاهم :
1-عندما بدأ انهيار المعسكر الشرقي في نهاية عام 1989 سارع بوش الاب بانتشاء بارز الى الاعلان عن ان القرن القادم – اي قرننا الحالي- سيكون (قرنا امريكيا بلا منازع) ! وهو ما اكدته احدى الحقائق التي كشفت عنها الوثائق التي قالت ان اتفاقا تم بين غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي الاخير ورونالد ريجن الرئيس الامريكي ومارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية انذاك على قيام غورباتشوف بتفكيك المعسكر الشرقي ثم انهاء الاتحاد السوفيتي، وبالمقابل اخذ تعهدا من ريجن وتاتشر بعدم توسع حلف النيتو شرقا. هنا يكمن السبب الرئيس للحرب الحالية في اوكرانيا والذي يحدد من المعتدي ومن المعتدى عليه فورا.
من تصديق وعد امريكا انطلق بوتين بعد رحيل يلتسين اول رئيس لروسيا،وكان اول اهدافه الاندماج بالغرب كشريك له بعد زوال الحرب الباردة،فاستعد بكل طاقاته وواصل تحويل روسيا من بلد اشتراكي الى نظام رأسمالي هدفه التكامل مع بقية الانظمة الرأسمالية! والوصلة الغنائية التي قدمها بوتين كانت جزء من خطة علاقاته العامة لارضاء امريكا والغرب كله واقناعهم بان روسيا اصبحت لاتختلف عن الغرب باي شيء وانها الان يجب ان تدمج مع الغرب في اطار نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب لروسيا دور الشريك المكافئ فيه!هنا نرى عقدة بوتين الاساسية اذ انه ورغم كل تنازلاته للغرب،بما في ذلك ممارسته لدور المطرب وهو قائد روسيا،لم ينفذ الغرب خصوصا امريكا تعهداتها التي قدمتها لغورباتشوف فرفضت الاعتراف بروسيا كند وشريك لها في قيادة العالم،وبما انه رجل مخابرات بالاصل فانه بدأ فور اقتناعه بان الغرب كذاب وانه يخطط لتفكيك روسيا الاتحادية ايضا بعد نجاحه في تفكيك الاتحاد السوفيتي بلا احترام لاي تعهد قدمه الغرب قرر الاسراع بتنفيذ خطته باعادة بناء روسيا مجددا لتفرض نفسها بقوتها العسكرية اولا وبقدرتها على تحقيق التقدم التكنولوجي ثانيا، وبتعزيز اقتصادها ثالثا، وهو ما نجح فيه بصورة تثير الاعجاب حقا!
وبدل ان يغني في امريكا لارضاءها اخذ يخطط كي تغني امريكا له في مستمعراتها الجديدة ، ثم يجلس متمعا بطرب ترقيص امريكا على انغام ازرار نووية تحميه وهو يقبض على رقاب دول الاتحاد السوفيتي السابق التي التحقت بامريكا ومارست العداء الصريح لروسيا وفي المقدمة اوكرانيا التي تحدته بالاصرار على طلب الانضمام للنيتو رغم ضغوط روسيا عليها بطرق مختلفة جمعت بين الاغراء والتهديد المبطن لها ! ورد بوتين كان صفع رئيس اوكرانيا وهو ما جعله يتوسل بوتين كي يقبل بالاجتماع معه لوضع حد للقتال رغم انه رفض قبل الهجوم الروسي بحث طلبه العضوية في النيتو مع بوتين لانه (قرار سيادي لايناقش)! وهكذا اشبع بوتين عقدته عندما شاهد كيف ان امريكا تحولت من الغطرسة الى الانحناء للعاصفة الروسية في اوكرانية عندما اعلن الرئيس الامريكي وكرر ذلك بانه لن يرسل قوات امريكية لتقاتل في اوكرانيا! وكان ذلك بمثابة اقرار بهزيمة امريكا وانتصار ساحق لروسيا سيفتح الابواب لانهيار النظام في اوكرانيا ويمهد لخطوات اخرى روسية في بلدان اخرى عليه تركيعها بعد ان تيقن ان امريكا نمر من ورق كما قال ماو تسي تونغ قائد الصين .
2-ولئن كان الحافز الروسي هو افشال مخطط تطويق روسيا والتهميد لتفيككها فان حافز امريكا الرئيس هو تحييد التفوق الصيني والروسي عليها، فالصين اخذت تتفوق على امريكا اقتصاديا وتكنولوجيا بسرعة هائلة ارعبت امريكا ،اما روسيا فانها اظهرت تفوقا عسكريا كبيرا جدا على امريكا خصوصا قذائف لم يسبق للبشرية صنع مثلها لانها من شبه المستحيل اسقاطها فضمنت التفوق على امريكا وهو ما تعرفه فاظهرت القلق الشديد من تعاظم القوة الروسية، وبجمع التفوق الصيني اقتصاديا وتكنولوجيا مع تفوق روسيا عسكريا اصبحت امريكا في حالة انكشاف ستراتيجي لم يسبق له مثيل، واقترن ذلك بسقوط اهم النظريات التي اعتمدت عليها امريكا طوال عقود من عدواناتها على العالم وهي نظرية تصدير ازماتها الداخلية الى الخارج لاجل ابقاء التماسك الداخلي فيها بافتعال ازمات في الخارج وايصالها لحالة الحرب ، وكانت تلك ستراتيجية ناجحة لان امريكا كانت تواجه دولا اضعف منها عسكريا بكثير واقل ثروة منها ايضا وكانت ستراتيجية ناجحة لان خلق حرب لايؤدي الى تراجع امريكا بل تعزيز اقتصادها بتنمية الصناعات الحربية وهي مصدر دخل عظيم لها،كما ان شن الحروب يقوي تأثيراتها الارهابية على العالم بقدرتها على تدمير العدو المصطنع ، لكن بصعود القوة الروسية العسكرية والصين الاقتصادية اخذت امريكا تواجه عملاقان مختلفان تماما عن كل دول العالم التي سحقتها امريكا ووفرت للمستوطنين الامريكيين الوحدة الداخلية والشعور بنوع من الامان وتنشيط الصناعات العسكرية.
فروسيا والصين قادرتان على محو امريكا من الخارطة العالمية مثلما تستطيع امريكا محوهما، وهنا اخذنا نرى انكفاء امريكا الستراتيجي لعدم قدرتها على خوض حروب خارجية مضمونة النصر كي تبقى موحدة ولا تفعل الية تفككها الداخلي التلقائي لانها ليست امة وانما هي شركة كبرى اتخذت شكل دولة ! فماذا تفعل لتجنب الهزيمة امام تقدم الصين وروسيا ؟ اعتمدت ستراتيجية اختلاق ازمات وتصعيدها دون التورط فيها والهدف هو روسيا اولا ثم الصين ثانيا، فاذا تخلصت امريكا من القوة العسكرية الروسية تستطيع اكمال الطوق حول الصين وخنقها. اشكال الازمات الجديدة هذه اعادت امريكا الى ستراتيجية الحرب بالنيابة والتي تخلت عنها عندما شنت الحرب على العراق بنفسها في عام 1991 بعد ان فشلت الحرب بالنيابة التي اشعلتها وكان نظام خميني هو اداتها التي حاولت غزو العراق واسقاط النظام الوطني فقبرها العراق بعد حرب الثماني اعوام فلم يعد بيد امريكا الا العودة للحرب بالنيابة لانها توفر لها عدة مزايا منها عدم توريط نفسها في حروب تزيد تراجعها الاقتصادي وافلاسها المعنوي وانكشاف تدهور قدراتها العسكرية .
وفي هذا الاطار فان امريكا اخذت تشعل ما سمي ب(الثورات البرتقالية) ومنها ما اسمته هيلاري كلنتون بالربيع العربي والتي هي في الواقع حروبا امريكية بالوكالة،ولكن هذه المرة الوكيل الاداة ليس جيوش عسكرية بل جيوش مدنية تتخفى تحت واجهات منظمات تطلق عليها اسماء (منظمات المجتمع المدني) بينما هي في الواقع منظمات دربت مخابرات امريكا قادتها،وهو ما حصل في مصر وتونس واليمن وليبيا، وما زلنا نرى الثورة البرتقالية السودانية تطغى على الانتفاضة الشعبية الاصيلة وهي تدخل عنق الزجاجة وتتحول بسرعة الى اداة اضطهاد اقتصادي لشعب السودان وعامل خطير في زيادة امكانية تقسيمه !وشملت الثورات البرتقالية دول الاتحاد السوفيتي السابق كجورجيا واوكرانيا وغيرها .بعض تلك الثورات كانت دموية وكانت امريكا هي محركها ولم تزج بجيشها . وكانت عين المخابرات الروسية تراقب كل ذلك وتستعد له بوعي مخابراتي عميق، وفي اوكرانيا نجحت تلك الخطة باسقاط نظام كان صديقا لروسيا بانقلاب مدبر امريكيا وهو ما عرض روسيا لخطر مباشر عزز قناعتها بان عدم احترام امريكا لوعدها لغورباتشوف بمنع توسع النيتو شرقا هو خطة هدفها النهائي تقسيم روسيا الاتحادية من خلال ضم الجمهوريات السوفيتية السابقة الى حلف النيتو وتسخيرها لقضم روسيا تدريجيا ، وهكذا يلاحظ المرء حتى لو لم يكن خبيرا بان امريكا تنفذ خطة تقوم على دمج دول الاتحاد السوفيتي السابق بمعسكرها ثم ضمها للنيتو والهدف النهائي هو تجريد روسيا من غطاءها القاري وجعلها مكشوفة ستراتيجيا امام امريكا وبقية الاطراف الغربية، وفي هذا تهديد خطير لمستقبل روسيا،وتلك هي نقطة البداية التي اعتمد عليها بوتين في تنفيذ خطة كسر الطوق المفروض حول روسيا تدريجيا على ان يبدأ بالاقرب وهي اوكرانيا الدولة التي تملك كل مقومات صنع السلاح النووي وبقة صنوف الاسلحة الستراتجية والاهم في موضوع اوكرانيا انها دولة مصطنعة فهي روسية بالاصل والثقافة واللغة، وفيها نشأت القومية الروسية ،اضافة لموقعها الجغرافي الملاصق لروسيا والذي يجعل الصاروخ الامريكي يضرب موسكو خلال خمس دقائق ، الامر الذي اقنع بوتين بانه امام خيار واحد لحماية روسيا من التفكك والانهيار وهو كسر الطوق الغربي حول روسيا بكامله ولكن تدريجيا واوكرانيا هي البداية وما يحصل فيها يؤكد صواب حسابات روسيا. يتبع.

مقالات ذات صلة