هل نحن مع روسيا ام ضدها…؟ 2 / صلاح المختار

ما الذي كشفته الحرب الاوكرانية من حقائق كان الغرب ينكرها وتخدم نضالنا القومي ؟
1- انكشف بالكامل المحرك العنصري لاوروبا والذي كان يخفي او ينسب للحكومات فقط فقد ظهرت اوساط شعبية اوربية تتبنى نفس نظرة حكوماتها للعالم الثالث فرأينا التمييز العنصري الواضح بين اللاجئين الاوروبيين من اوكرانيا الذين رحب بهم بحراره بينما عومل اللاجئون الاتون ايضا من اوكرانيا ولكن من العالم الثالث باسلوب خشن وتميزي.
2- بعض الدول الاوروبية قبلت اللاجئين من اوكرانيا بدون اي اجراءات تدقيقية تتخذها عاده مع اللاجئين من العالم الثالث ومنها طلب اثبات وجود تهديد لحياتهم وهو امر يصطدم كثيرا بعدم توفير وثائق فيرفض منحهم اللجوء،ولكن مع الاوكرانيين تم منحهم اللجوء لعدة سنوات بصورة مسبقة وبدون طلب اي ادلة اثبات وجود تهديد مع ان بلدان اللاجئين من العالم الثالث كانت ايضا في حالة حرب واشد قساوة من حرب اوكرانيا مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، والسبب في اعفاء الاوكرانيين من تلك الاجراءات يعود لانهم اوروبيون، وذهبت المانيا ابعد من ذلك بكثير فارسلت 40 قطارا الى حدود اوكرانيا لجلب اللاجئين الاوكرانيين اليها وهذا عمل لم يسبق له مثيل في التمييز بين اللاجئين .
3-من اكثر الادلة اهمية تنفيذ الغرب لسياسة القمع الاعلامي للراي الاخر تماما كما تفعل دول العالم الثالث وهو ما كانت اوروبا تنتقده بشدة وتبرر عداءها لبعض الانظمة الوطنية بانها تقمع حرية الراي والان اوروبا وامريكا تكشفان عن انهما تمنعان حرية الراي حيث انهما اغلقتا قناة (روسيا اليوم) ومنعت وصولها الى العالم الغربي كما منعت كل الاخبار من روسيا واخذ اعلامهما يروج رايا واحدا هو الدعايات الغربية المضللة، لانه بدون معرفة الرأي الاخر يمكن تضليل الناس.
4-وذهب الغرب ابعد بكثير من العالم الثالث في محاربة حرية الراي عندما وقفت المنظمات الرياضية مثل فيفا وغيرها ضد روسيا وقاطعتها رياضيا، ومازلنا نتذكر كيف عوقب رياضيون لانهم ارتدوا تيشيرت فيه اسم غزة او العراق استنكارا للعدوان الاسرائيلي والامريكي عليهما بحجة ابعاد الرياضة عن السياسة!
5-وكشف الغرب ايضا لعبة المصطلحات في اعلامه فمن يقاوم من الاوكرانيين القوات الروسية وصف بانه مقاوم مشروع بينما وصفت مقاومة الشعب العراقي وشقيقه الفلسطيني بانها ارهاب وتمرد!
6-ركز الاعلام الاوروبي والامريكي معه طبعا على اظهار اثار الحرب على المدنيين في اوكرانيا وهو ما كان يخفيه في العراق عندما كانت امريكا ومن معها تقتل المدنيين بالعشرات كل يوم بصورة بشعة وصلت حد ان الجيش الامريكي كان يقتل العراقيين للتسلية! مثلما هدمت مدن كاملة تقريبا مثل الفلوجة، وكل ذلك تعمد الاعلام الغربي اخفاءه، وزاد تزويره بصنع افلام تمثيلية عن قتلى بهجمات روسية وكشف انها مجرد تمثيل!
7-وصف الاعلام الغربي الغزو الروسي لاوكرانيا بانه غير شرعي واعتداء على سيادتها بينما لم يتذكر هذه الحقائق عند غزو العراق مثلا فقد كانوا يصفونه وبوقاحة عنصرية متطرفة بالتحرير او بالتخلص من نظام استبدادي! والمفارقة العجيبة ان امريكا وبعض دول اوروبا تشعل الكوارث ثم تتدخل منذ سنوات وبشكل فض كما في ليبيا واليمن وسوريا والعراق وتصر على ادامتها ومنع انتهائها! وبعض هذه التدخلات يتم علنا او بصورة رسمية، فالغرب يتدخل في دول العالم بحجة وجود ازمات فيها رغم انه هو صانعها بالاصل ومع ذلك يستطيع بكل صلافه ان يدافع عن سيادة اوكرانيا ضد الغزو الروسي!
8-كان الاعلام الغربي يصف المتطوعين العرب والعراقيين الذين دافعوا عن العراق اثناء الغزو الامريكي بالمرتزقة، والمرتزقة كلمة مدانة قانونيا واخلاقيا بينما الان تعلن امريكا رسميا على لسان رئيسها بايدن بانه سيرسل 16 الف متطوع او مرتزق الى اوكرانيا ووقعت امريكا معهم عقودا للقتال هناك،اضافه لارسال المرتزقة المجندين في الشركات الامنية مثل بلاكووتر وغيرها، وربما الاخطر هو قيام امريكا بتجميع اسلامويين مثل داعش وارسالهم الى اوكرانيا للدفاع عنها! وكل ذلك يتم بتمويل الغرب وهكذا يتكرر ظهور ازدواجيه المعايير.
9-وحتى الانترنت وكافة برامج المعلوماتية من فيسبوك وغيرها تطوعت للقتال ضد روسيا وكشفت عن انها ليست مستقلة عن الحكومات الغربية خصوصا امريكا وانما هي جزء منها منفذ لسياساتها بطريقة صريحة ورسمية رغم ادعاءها الحياد وانها عالمية الهوية ولا تخضع لاي حكومة!
10-وصل الوجه القبيح للعنصرية الاوربية ذروته بتصريح رئيس وزراء بلغاريا الذي قال متبجحا ان الاوكرانيين الطالبين اللجوء في بلغاريا (ليسوا مثل الذين تعودنا عليهم من العرب والمسلمين فهؤلاء) يقصد الاوكرانيون (اذكياء و متعلمون و متحضرون ولا يملكون ماضيا غامضا وارهابيين)! وهذه اللهجة كشفت عن التطابق شبه الكامل بين اراء اغلب حكومات الغرب وبين كثير من الاوساط الشعبية فيه حيث ثقفت منذ الطفولة على التمييز العنصري والنظر الى العالم الثالث نظرة دونية.
11- ووقفت كافة المنظمات المالية الغربية ضد روسيا وقاطعتها،وصادرت حكومات امريكا ودول اوربية الاموال الروسية في بنوكها، وشمل ذلك الاموال العائدة لافراد روس ليس لهم صلة بالحرب! بل انهم قاطعوا حتى المطاعم الروسية ! وتلك من اكبر عمليات السرقة العلنية في عصرنا.
12-والاغرب من كل ماتقدم هو انهاء دول اوربية محايدة لحيادها مثل سويسرا وفنلندا وتقديمها طلب الانضمام الى حلف النيتو والتي بقيت محايدة طوال عقود رغم حدة الصراعات الدولية السابقة ورغم ان ما يجري في اوكرانيا اذا قورن بحروب اخرى عبارة عن حرب محدودة النطاق والمخاطر !؟
13-ولكن ظاهرة الرعب الامريكي والاوربي المكشوف من قوة روسيا وجد افضل تعبير عنه الان حيث نرى امريكا تكرر يوميا بعسكرييها ومدنييها انها لن تتدخل عسكريا ابدا وان النيتو لن يتدخل وهذا التطور هو اهم تحول في موازين القوى العالمية في ميادين الحرب منذ انهيار الاتحاد السوفيتي فاعاد تأكيد ان امريكا ليست نمر من ورق بل ارنب من ورق! وتلك نتيجة تخدم النضال التحرري للشعوب المستعبدة ومنها شعبنا العربي.
ان هذه الملاحظات تنطوي على نتائج خطيرة تؤكد بلا شك حقيقتين :الحقيقة الاولى ان التدخل الروسي في اوكرانيا له ايجابيات ايضا تخدم العالم الثالث وتضر بالغرب عموما وامريكا خصوصا،فقد ظهرت العنصرية بقوة على الاتحاد الاوروبي ناهيك عن انها قوية جدا في امريكا ،وذلك بحد ذاته يكفي لاسقاط شعارات حقوق الانسان والمساواة بين البشر وحرية الراي التي يستخدمها الغرب منذ عقود وهي اخطر اداة لشيطنة العالم الثالث والدول الاخرى القوية مثل الصين وروسيا وكوريا الاشتراكية وكوبا، فنحن الان بازاء ظاهرة جديده وهي ان اوربا تعود الى نزعتها الاستعمارية رسميا بعد فتره من ادعاء انها تخلصت من ماضيها الاستعماري واخذت تكشف عن وجه قبيح بممارستها الفضة للتمييز العنصري وازدواجية المعايير والمطامع الانانية في ثروات الشعوب الاخرى والاستعداد لابادة الملايين بلا تردد. وهذا هو احد اهم دروس التدخل الروسي في اوكرانيا وهو جانب ايجابي من هذا الغزو، حتى وان لم تكن روسيا تقصده ،لانه كشف ما كان يستر ويخفى عن عيون العالم ويؤدي الى تضليل الاف الناس حتى في العالم الثالث ودفعهم للوقوف مع الغرب ودعم دعاياته .
اما الحقيقة الاخرى فهي ان هذه الهبة الامريكية والاوربية، والتي لم يسبق لها مثيل على الاقل في الزمن المنظور ،ليست فقط بدافع دعم البيض الاوربيين والامريكيين للبيض الاوكرانيين بل هي عبارة عن عمل اقدمت عليه امريكا واوربا كي تخفيا وتبررا واحدة من اكبر السرقات في التاريخ الحديث، لان حاجة الدول الرأسمالية للمال، مهما كانت كميته، ماسة وتحتاج لاي حل بعد ان تفاقمت ازماتها الاقتصادية ووصلت الى طريق مسدود بعد التكاليف الباهضة لكوفيد 19،فقد وصل الدين العام الامريكي الى 30 تريليون دولار وهو مبلغ خيالي يجعل وكما كنا نكرر منذ اكثر من عقد ان امريكا تأكل وتحارب بالدين، فتوقف المعامل والمطاعم والشركات بغالبيتها ادى لاضطرار الحكومات لتغطية جزء من الخسائر من الاحتياطي المالي الستراتيجي لها وهو ما وضع اورباالغربية كأمريكا في حالة انكشاف خطير لاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية فجاءت الازمة الاوكرانية فرصة للتعويض عن خسائرها تلك بمصادرة اموال روسية رسمية واهلية لتغطية جزء من النقص الحاد ماليا لانه يهدد استقرارها الداخلي ويعرضها خارجيا للعديد من المخاطر، وقبلها نهب ترامب اكثر من تريليون دولار من المال الخليجي علنا لنفس السبب.
تذكروا ان حروب العالم واخرها الحربين العالميتين قتل فيهما البيض بالملايين بيضا اخرين، فالدفاع عن اوكرانيا لان شعبها ابيض غطاء النخب الرأسمالية لضمان نهب ثروات الاخرين وهذا الهدف يفرض تقوية الروح العنصرية لزج شعوبهم في الحرب او الحصول على دعمها. يتبع.
Almukhtar44@gmail.com

مقالات ذات صلة