رأي : وباكية أخرى تهيج البواكيا…/ حبيب الله احمد

 

لعمري لقد أبكيتني ياحمامة الــــعقيق وأبكيت العيون البواكيا

ولقد أحسن وأجاد وذلك ديدنه الأخ حبيب الله أحمد. عندما كتب:

لا يخامرني أدنى شك في أن شلال دم عربي فوار يجرى في عروق السيدة هنده ديبي أرملة الراحل ادريس ديبي كما يجرى في عروق زوجها المغدور
لقطتان ربما وجد التاريخ الحديث صعوبة في إعادتهما لكنه لم يجد صعوبة في الانحناء إجلالا للحظتيهما.
يوم أن لبس ادريس ديبي لامة حرب مافارقت جسده إلا لماما وماكان له ان يفارقها حتى يثخن في الأرض وكذلك كان.
الرجل المسكون بالجندية قالها بوضوح أنا جندي يجب أن اموت كالجنود في جبهة القتال دفاعا عن بلدي وليس على السرير
ولذلك شيعته رصاصة في الوجه ممتثلا قول الشاعر
(ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما)
وكأنه كان عبر الزمن يتناغم مع خالد ابن الوليد يتمتمان بهدوء( لانامت اعين الجبناء).

ويوم أن زرعت أرملته هنده قامتها الفرعاء في حفل تأبينه المهيب شجرة أفريقية فرعها إلى السماء وأصلها يقبل الأرض أزليا كفرا بالجفاف وتعاليا على قوارع الزمن وشربا للعطش زلالا وقد جف المنبع وغيرت السيول مساربها.
هنده بكت واستبكت وذكرت الحبيب بعبرات بلا عبارات
بكت فيه رجلا بنى فرفع وحارب فأوجع وتعب فاستراح أبديا برصاصة فى الوجه مقبلا غير مدبر.
انزرعت وسط الجموع سحابة حزن تسح حنجرتها الجميلة وفاء لانظير له تكوره دموع صادقة كيف لا وهي دموع أنثى مسكونة بالحب وأرملة مفجوعة فى رجل كان السند والمجن وهدية الزمن.
دموع أم فتح اليتم بابه لأبنائها و(مات الذى كان يحميها ويمنعها)
خاطبت الجموع بدموع فراق حراء وهي تودع رجلا يتمدد أمامها مسجى بعلم بلاده مضرجا نحو النهاية بدمه الزكي.
على بعد أمتار منها لكنه لن يبتسم لن يلوح لن يقطع شريطا رمزيا لن يطلق الرصاص دفاعا عن بلده.
هذه المرة جاء لينام بهدوء سرمدي لا تعب بعده.
هذه المرة جاء لينفض غبار المعارك وتاريخ الصخب عن جسده ويتوسد بندقيته وتاريخه ويعجن بعظامه تربة اتشاد.
كان خطاب هنده مؤثرا به شجن وأسى وحنين وذكرى وألف حكاية
بدت شجاعة بكت كام كأنثى ووقفت كجبل وكزوجة رجل محارب جسور
لم يتمالك اليعض دموعه وهو يتابع خطابها
لكن الأكثر احتفاء بالخطاب كان قادما من خلف غيوم الغياب يعبث بخصلة شعر امرأة اسمها بلقيس
انتبذ مكانا قصيا من المأتم المهيب مرددا بصمت
” لقد قلتها أيام العنفوان والنضارة والشعر
لم اكذب يوما في شعري قلتها وأقولها وهذه هندة تنتحب بشجاعة تستفز الزمن كأميرة إفريقية من زمن الأساطير غرقت سفينتها فغالبت موج البحر لتغرقها على بر الأمان الكاذب دموع الفجيعة
أنا الذى قلتها
( بعض النساء وجوههن جميلة
وتصير اجمل عندما يبكينا)
قلتها وهذا الوجه الأسمر الجميل الباكي ينقشها مدى الزمان والمكان ”

مع كامل الأسى

مقالات ذات صلة