الترجمة الحادية والثلاثون : شذرات من حياة بعض أعلام موريتانيا …/ د. أحمدو ولد آكاه
نواكشوط 31 مار س 2021 ( الهدهد .م ص)
* العلامةة الشاعر لكبيد بن جب اليحيوي
نسبه:
هو محمد لكبيد بن المصطف بن محمد بن جَبَّ التندغي اليحيوي الفودي من ذرية الشريف “أبي بزول”، وأمه: أسماء بنت محمدو(أمغر) بن حبيب الفودية.
مولده ونشأته:
ولد “لكبيد” حوالي 1186هـ قرب بلدة “تنويش” شرق مدينة “نواكشوط”، وقد عاش – وهو طفل – بين أهله وذويه، كان والده “المصطف” معروفا بالورع والتقوى، كما عرف بحسن الخلق وشدة الاهتمام بتنشئة أولاده وبناته على الاستقامه والسلوك السليم، وكانت أمه تتميز بالصبر والحلم والتقوى، وقد أرسلت ابنها مع والدها “أمغر” إلى الشيخ “محمذن فال بن متالي” ومعه زق (عكة مرببة) من الدهن؛ ليربب لها “لكبيد” مثل تربيب العكة، وإن كان لا يستطيع ذلك فليأخذ الدهن فهو هدية له، وليعد لها عكتها.
وتقول الرواية: إن “ابن متالي” دعا بإناء فامتلأ… ثم بثان وثالث فامتلأ الجميع، ولم تنقص العكة شيئا ثم أجاب “أمغر” بقوله:إن شاء الله على أنه سيربي الابن تربية روحية وصوفية بإذن الله.
دراسته وشيوخه:
قرأ “لكبيد” القرآن على أحد من بني عمومته وهو صغير، لكنه لم يكمله في هذه الفترة، بل أكمله بعد أن أصبح إماما يصلى بالناس التراويح، فصار يحفظ كل يوم حزبين وربعا.
بعد ذلك التحق بمحظرة المرابط “محمذن فال بن متالي”، وقد أولاه عناية خاصة؛ لقرابته منه، فمحمذن فال يعتبر ابن خالة “أمغر” الذي هو جد “لكبيد” كما سبق تبيينه، ولما رأى فيه من الذكاء والنجابة، ودرس عليه العديد من المتون، وتلقى عنه الطريقة الشاذلية.
مكانته العلمية والأدبية :
نبغ على يد شيخه الوحيد “محمذن فال” في النحو والبيان والأصول ومختلف العلوم المتداولة في عصره.
على أن “لكبيد” بلغ في الفقه مبلغا عظيما، وأمره شيخه أن يصلي بالناس وأن يعلمهم، فكان بعد ذلك يمتنع من أن يقضي بين الناس، ويقول بأن شيخه أمره بالإمامة والتعليم فقط، وفي ذلك يقول “محمد بن أمين”: (الطويل)
مِن الحُكْمِ مِنْ أَعْلَى الدِّرايَةِ بِالْحُكْمِ
تَنَزَّهَ عَنْ حُكْمِ القَضاءِ تَوَرُّعاً
وكان عالما بالأوقات لايقلد فيها أحدا حتى شيخه “محمذن فال” فقد حدث ذات مرة أن صلى الشيخ المغرب، وبقي المريد ينتظر دخول الوقت.
بدأ “لكبيد” يقرض الشعر في سن مبكرة أول زمنه في المحضرة، وكانت بداية شعره في الفكاهة والظرف والمزاح، ولكنه اقتصر في شعره على مقاصد الخير كالتوسل ومدح الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ … وقد سئل العلامة الشاعر “امحمد بن أحمديوره” عن أيهما أشعر هو أم “لكبيد”؟ فأجاب” لكبيد” شاعر وكررها مرات… وكان شعره غاية في قرب المأخذ وغزارة المعاني، وهو من أبرز شعراء البلد وينتمي إلى المدرسة الشعبية…
ويضم ديوان “لكبيد” بين دفتيه 2054 بيتا شعريا موزعا على 191 نصا، يحتل منها التوسل والتضرع إلى الله 1021 بيتا أي ما يبلغ 49,33 % بينما يليه المديح النبوي الذي يصل عدد أبياته 705 بيتا بنسبة 34,41 %
وتنتظم المسحة الدينية – يقول الخليل النحوي – هيكل القصيدة وتشكل معمارها؛ إذ يفتتح الشاعر قصائد كثيرة بالبسملة في صياغة عروضية ) باسمك اللهم ابتدأت …، ببسم الله،… أقدم باسم الله) وربما ثنى الشاعر بالحمدلة، وثلث بالصلاة على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبها يختم أيضا فتضيق الشقة في ذلك بين الخطبة وبين قصيدة أرادها صاحبها مسخرة لما هو خير وأعظم أجرا، وربما سلك الشاعر الباقيات الصالحات (سبحان الله ، والحمد الله، ولا إله إلا الله…. في نظام عروضي يبدع شعرا مضمخا بالكلم الطيب…
وعلى هذا الديوان مسحة دينية ضافية تنتظم ما فيه من نصوص المدح والتوسل حرصا على أن يكون الشعر عنده نعمة لا نقمة حتى أنه ليدعو ربه:
فَإِنْ كانَ شِعْرِي نِعْمَةً مُكْرَماً بِها
فَزِدْهُ وَبارِكْ في الكَرامَةِ بِالشِّعْرِ
…وَإِنْ كانَ أمْــــــــراً كُنــــــتُ مُسْتَدْرَجاً بِهِ
أَعُــوذُ مِن اسْتِــــدْراجِ أَمْــــرِي وَلَا أَدْرِي
ويضم الديوان إلى ذلك معظم الأغراض الأخرى كالرثاء والإرشاد والغزل والفكاهة والتسلي.
مدرسته وتلامذته :
درس العديد من الطلبة على الشيخ “لكبيد”، حيث درس في قبائل: أهل محمذن الصديق، وبقي معهم فترة لابأس بها، ومن أبرز تلامذته وأكثرهم استفادة منه ابن شيخه: “حبيب بن محمذن فال بن متالي”.
وفاته:
توفي الشاعر الشيخ “لكبيد” سنة 1342هـ وقد أشار إلى وفاته العلامة “المختار بن المحبوبي” في نظمه: وفيات الأعيان حيث عده مع جماعة ممن توفوا في هذا العام فقال:
وَفيــــــــــهِ ماتَ اليَحْيَوِي لَكْبَيْدُ
لَهُ عَــــــلَى الشِّعْرِ البَليغِ أَيْدُ.