الحكامة الجامعية وسلم الأولويات في برنامج الرئيس الجديد لجامعة نواكشوط العصرية

 

نواكشوط 19 سبتمبر 2020 ( الهدهد.م .ص)

الحكامة الجامعية وسلم الأولويات في برنامج الرئيس الجديد لجامعة أنواكشوط العصرية
لقد بات من المسلم به اليوم ، أن الحكامة تعتبر من أولويات صانعي القرار في كافة أنحاء العالم ، خصوصًا فيما يتعلق بكيفية إدارة الموارد الوطنية وتوزيعها ، وفي تنظيم المؤسسات داخل الدولة و في إدارتها.
وفي هذا الصدد، فقد أكدت معظم الدراسات أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق أية تنمية بدونها.
لهذه الإعتبارات وغيرها فقد أنتقل هذا المفهوم إلي مؤسسات التعليم العالي، بإعتبارها من بين المؤسسات المهمة التي يجب أن تكون السباقة في تطبيق مبادىء الحكامة لكونها تساهم في التنمية في مختلف جوانبها . وذلك من خلال تحقيق ضمان تعليم جيدلطلبة مؤهلين لشغل الوظائف في المؤسسات المختلفة وخدمة المجتمع من خلال الإسهام في حل القضايا وكل المشاكل المطروحة بأنواعها المختلفة. لقد شهد نظام التعليم العالي في السنوات الأخيرة، العديد من التحولات المهمةتحت تأثير مجموعة من المتغيرات الوطنية والدولية مثل التزايد المتسارع لعددالطلبة و إنخفاض التمويل العمومي وما صاحبه من مساهمة ضعيفة للقطاع الخاص ، علاوة علي الأهمية المتزايدة للبحث والإبداع في الإقتصاد المعرفي العالمي، والمنافسة الشديدة بين مؤسسات التعليم العالي و خضوعها لضغوط الترتيب والتصنيف.
إذن من أجل مواجهة هذه التحديات ، ومراعاة لضرورة تحسين جودة التعليم العالي، قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والإتصال بإشراف من معالي الوزير الأخ الدكتور سيدي ولد سالم بتبني عدد من التوجهات والسياسات الإصلاحية من خلال تطوير الأداء المؤسسي ورفع تحديات الكم وإرساء معايير للجودة طبقا للمعايير الدولية ومراجعة منظومة التكوين لتتلائم مع متطلبات التنموية وتشجيع بروز مسالك تكوين تقوم علي الإمتيازات ( الفصول التحضيرية لدخول مدارس المهندسين) . وفي السياق ذاته، تم تحقيق نتائج ملموسة في مجال وضع الآليات التنظيمية لترقية البحث العلمي تم تتويجها مؤخرا بإنشاء الوكالة الوطنية لترقية البحث العلمي ومؤسسة ضمان الجودة في نظام التعليم العالي كما قطعت أشواط مهمة علي طريق إرساء قواعد الحكامة الرشيدة وفي تسيير الموارد والرقابة علي الأداء التربوي وفي مجال الإشراف والتأطير.
لقد قاد معالي الوزير عملية الإصلاح بكل شفافية وصرامة، حيث يحسب له تشبثه الواضح بإحترام النصوص القانونية والتنظيمية للتعليم العالي وتحصينه للمنظومة التربوية عبر تطبيقات معلوماتية دقيقة لا يمكن الولوج معها للمنح والتوجيه نحو مختلف التخصصات المتاحة إلا لمستحقيها. كما وقف بحزم في وجه كل الضغوط الهادفة إلي الإخلال بهذه المنظومة، ويرجع إليه الفضل في تحييد المؤسسات التعليمية الجامعية عن التجاذبات السياسية والطائفية والعرقية والقبلية التي أفرزتها التجارب السابقة لإنتخاب عمداء الكليات ، الذين أصبح إختيارهم يتم حسب الكفاءة والتجربة التراكمية. في وقت تبني فيه سياسة إنفتاح جديدة علي المؤسسات التعليمية الجامعية مكنت من تحقيق مزيد من الشراكة والتنسيق بين هذه المؤسسات وسلطة الوصاية.
ومن موقعي كشريك في الإصلاح وشهادة للتاريخ ، فإن هذه النتائج المتحصل عليها ما كانت لتتم لولا إستقامة الرجل وجرأته في إتخاذ القرارات الجادة وعدم مجاملته في الحق وإصراره علي مواجهة التحديات مهما كانت طبيعتها. وهي أمور تؤخذ عليه من طرف خصومه السياسيين.
وعلي ذكر هذه النتائج ، فإنه من واجبنا أن نشيد بالجهود الكبيرة التي بذلها الأخ رئيس الجامعة المنتهية ولايته البروفسور أحمدو ولد حوبا في مواكبة الإصلاح ، وقد حققت الجامعة في عهده تطورًا كبيرا في مجال الإنفتاح علي الشركاء الخارجيين وفي تطبيق نظم الحكامة الرشيدة في تسييرها.
اليوم بعد مضي أربع سنوات علي إنطلاقة هذه الورشة الإصلاحية الكبيرة، فإننا نثمن عاليا إختيار الأخ الدكتور الشيخ سعد بوه كامرا من طرف رئيس الجمهورية رئيسًا جديدًا لجامعة أنواكشوط العصرية من أجل مواصلة المرحلة الثانية من الإصلاح ومعالجة النواقص والإختلالات الملحوظة خلال المأمورية السابقة. ولا شك أن تجربته الأكاديمية بدءًا بخبرته كمدرس باحث في كلية الأداب والعلوم الإنسانية لأزيد من سبع وعشرين سنة، مرورًا بتأسيسه لشعبة ” ماستر” في مجال الهجرة والحكامة الترابية وإعداد وتنسيق برامجها التربوية ، و إنتهاء بتوليه عمادة كلية الأداب لأربع سنوات وتحقيق نتائج السبق المطلوبة فيها، يجعل الرجل علي مستوي الآمال المعلقة عليه في رفع التحديات والإقلاع من جديد بالمنظومة التربوية الجامعية نحو مزيد من الرقي والتطور. تساعده في ذلك خبرته الإدارية والديبلوماسية الواسعة، بإعتباره وزيرا وسفيرًا سابقًا قدم خلال تواجده في هذه المواقع خدمات متنوعة للبلاد. هذا علاوة علي القدرات التي يتمتع بها في مجال التصور وإعداد الإستيراتيجيات التنموية، وينظر إليه اليوم في الوسط الجامعي بإعتباره أحد أبرز الخبراء الإستشاريين في مجال الدراسات الإقتصادية والإجتماعية. و ما من شك أن هذه المؤهلات تمكنه من العمل علي جعل الجامعة رافعة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية و أن تسهم بشكل فاعل في بناء نهضة المجتمع وتطوره حاضرًا و مستقبلًا.
وقد ركز الرئيس الجديد للجامعة ضمن برنامج أولوياته للنهوض بها علي مايلي:
– تمهين التعليم العالي في إطار مراجعة عروض التكوين:
يهدف هذا الإجراء إلي تعزيز الشراكة بين الجامعة ومحيطها الإقتصادي و الإجتماعي عبر تطوير التكوين المهني بواسطة زيادة الشعب المهنية بناء علي دراسة جدوائية سوق العمل وإعتماد إستيراتيجية موائمة التكوين مع التشغيل ، و الرفع من نجاعة وفعالية مخرجات التعليم الجامعي ،
– تطوير الحكامة الرشيدة عبر إرساء مفهوم الجامعة المبادرة ، و ذلك بإتخاذ ما يلزم من خطوات لتحسين النجاعة الداخلية والخارجية و مواصلة التسيير المحكم للموارد و خلق قطب خاص بالخبرة والإستشارات الجامعية يمكن من تعبئة موارد إضافية لدعم الميزانية العامة للجامعة.
– ترقية البحث العلمي من خلال تفعيل دور المختبرات و وحدات البحث وتوفير الموارد الضرورية للنهوض به.
ويسعي برنامج الرئيس كذلك إلي تحقيق نتائج ملموسة في مجال الإبتكار وضمان الجودة وتوظيف أفضل لتكنولوجيا المعلومات وتطبيق سياسة إتصال محكمة و فعالة مع الجميع و إحراز تحسن مطرد في أداء الموارد البشرية. كما يتطلع إلي تطوير و تفعيل عمليات الشراكة والتعاون مع الجامعات الإفريقية والعربية والدولية. و تجدر الإشارة هنا أن الإنفتاح علي اللغات العالمية يشكل ركيزة أساسية من البرنامج وهو شرط لا غني عنه لتطوير هذه الشراكات. ونحن إذ نتمني لرئيس الجامعة التوفيق في مهماته الجديدة ، فإننا ندعو إلي مزيد من تظافر الجهود ورص الصفوف بين مختلف الفاعلين التربويين العاملين في الحقل الجامعي وذلك سعيًا إلي تحقيق الهدف الكبير المتمثل في تطوير الحكامة الجامعية التي تليق بنظام تعليمنا العالي و تستجيب لتطلعات شعبنا في الحرية والوحدة والعيش الكريم وهو ما يراهن عليه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في إنجاح أي خطة تنموية لحل مشاكل البلاد العالقة.

بقلم : د. محمد الراظي بن صدفن نائب عميد كلية الأداب والعلوم الإنسانية.

مقالات ذات صلة