رسالة: من قابوس بن سعيد إلى اللاحقين من حكام العرب…!

كتب في رسالته ما يلي:

• لقد أمضيتُ على كرسي الحكم نصف قرن (٥٠ عاما)، وخرجت كما ولدتني أمي، ووضِعت في قبر متواضع، اخترته لنفسي بنفسي بين التراب، كما رأيتم بأم أعينكم!

• على مدى ٥٠ عاما كسلطان، لم يشغلني سوى شعبي وسلامته، وأمنه وراحته وسكينته وسعادته ورفاهيته، واجتهدت قدر ما استطعت.

• على مدى ٥٠ عام لم أتدخل، ولم أحشر أنفي في شئون الآخرين، ولم أخطط ولم أتآمر على حلم، ولم أقم بأعمال عنترية، خاصة بعد أن أدركت حقيقة الواقع العربي المخزي، فركزت على مهام وظيفتي، واجتهدت لأكون بحق خادم لشعبي، لا متعالٍ عليه، فعشقني شعبي كما رأيتم.

• كان شغلي الشاغل طوال تلك السنوات ترسيخ منظومة القيم وتقديم القدوة، لبناء إنسان ومجتمع عماني متصالح مع نفسه ومع من حوله، لدرجة أن كل مواطن عماني صار يتصرف كما كنت أتصرف، فاحترم العالم بأثره العمانيون أينما حلوا.

• خمسون عاما لم يراق فيها دم لمواطن عماني في الداخل أو في الخارج، ولهذا لم يعرف بلدي التطرف وأهله، بعد أن تجنبت بحكمة أسبابه، فظلت بلادي لعشرات السنين واحة للسلام، يشهد بذلك من شرفنا به بيننا من العرب والعجم.

• خمسون عاما أمضيتها دون صخب او مواكب فارغة، لا تزيد إلا الناقصين، حتى لحظة وفاتي ومراسم دفني، فكما رأيتم، لم يشغلني أن يحضرها ملك او رئيس، بل حرصت على ان يودعني شعبي.

• ونظرا لسلامة الزرع الذي زرعته على مدى ٥٠ عاما، في ذات يوم رحيلي، عُين السلطان الجديد، ودون انتظار ثلاثة أيام حسب القانون، بل بادر أولادي بفتح وصيتي، وعينوا من أوصيت بتعيينه، هذا هو زرعي الذي زرعت…وما أنضره من زرع.

• وعليه، اجعلوا من شعوبكم السند والعون والظهير، فلا تستعدوهم، بل راعوا الله فيهم. كما رأيتم، بموتي خيم الحزن على كل بيت في عمان (عمان حزينة) فالحصاد يكون دائما من جنس العمل.

• أستطيع أن أقول بأنني حافظت على شعبي فلم أهنه، وعلى بلدي فلم أخنه، فاجتهدت لتطويره اقتصاديا وصحيا وتعليميا وقبل كل شيء قيميا وأخلاقيا، وذلك انطلاقا من قول حديث رسول الله “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”…صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واعلموا أن رحلتكم وإن طالت فهي حتما ستنتهي، فإما أن يدعى لكم أو أن يدعى عليكم..انتهزوا الفرصة، وصححوا أوضاعكم، وإياكم أن تغرنكم الدنيا والسلطان ونفاق المنافقين والحواريين…فالدوام لمن له الدوام، والتاريخ لن يرحم..نعم لن يرحم.

 

مقالات ذات صلة