التعليم العالي في موريتانيا وسياسة الإصلاح..

 

نواكشوط 14 يونيو 2020 ( الهدهد .م .ص)

لقد ظل إصلاح المنظومة التربوية في موريتانيا يشكل تحديات هيكلية وبنيوية عميقة منذ استقلال البلاد عن الإستعمار الفرنسي ، على الرغم من صدور الكثير من القوانين والإستيراتيجيات المنظمة لقطاع التعليم والتي أكدت على ضرورة زيادة المنشات التربوية عن طريق بناء المدارس ومؤسسات التكوين ووضع الآليات الكفيلة بتفعيل الرقابة والتأطير التربوي على مختلف مستويات التعليم .
ورغم الجهود التي بذلتها الدولة في مختلف الإصلاحات التربوية بدءً بإصلاح ١٩٦٨-وانتهاء بإصلاح ١٩٩٩،فإن المنظومة على مستوي التعليم العالي ظلت تعاني من اختلالات عميقة ومعيقة نجملها فيما يلي:
-ضعف القدرة الإستيعابية في مؤسسات التعليم العالى،
– عدم التناسب بين عدد الطلبة والموارد المتاحة ،
– تدني مستوي مدخلات التعليم ،
تدني ظروف الدراسة والحياة الجامعية،
-غياب مقاييس الجودة في التكوين والتأطير ،
– استفحال البطالة في صفوف الخريجين،
– غياب الحوكمة الرشيدة وعدم استقلالية المؤسسات الجامعية،
-غياب الشفافية في التسيير
– غياب توطين الجامعة في محيطها الإقتصادي والإجتماعي ،
-ضعف مردودية منظومة البحث العلمي خاصة في مجال التجديد والتثمين،
لهذه الأسباب وغيرها ، شكل إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي سنة ٢٠١٥ أولوية للسلطات العمومية وذلك لكونه يمثل شرطًا ضروريًا لتحقيق الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية الضرورية لتنمية البلاد .

وقد سعى هذا الإصلاح إلى تحقيق اهداف جوهرية نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر :
– تأمين التكوين الجامعي بالنسبة لجميع الطلاب الموريتانيين وتطوير كفاءاتهم ،
– المساهمة في بناء مجتمع المعرفة وتطوير التكنولوجيا خدمة للمجموعة الوطنية ،
– تعزيز تشغيل الخريجين في إطار الشراكة مع المحيط الإقتصادي والإجتماعي والثقافي للبلد ،
– الوصول الي تنمية روح الإبداع والمبادرة في أبعادها الأساسية والإنفتاح على الثقافات العالمية،
– تأمين التكوين عن بعد والتكوين المستمر وتثمين مكتسبات الخبرة،
-تنمية البحث العلمي وهيكلته واستغلاله الإستغلال الأمثل وتعزيز تثمين نتائج البحوث،
– مواءمة عروض التكوين لكي تستجيب لحاجيات المحيط الإقتصادي والإجتماعي والثقافي،
– الوصول إلى امتلاك التكنولوجيا وخاصة منها التكنولوجيا الرقمية بهدف تنمية المعارف ،
ومن أجل رفع كل التحديات وأمام النمو الكبير الذي شهده هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة سارعت السلطات المشرفة على قطاع التعليم العالي والبحث العلمي لتنفيذ حزمة من الإصلاحات الهامة وذات أولوية فى تحسين النجاعة الداخلية والخارجية للقطاع نذكر منها:
– مراجعة الإطار القانوني والمؤسسي ليتلاءم مع روح الإصلاح ،
– تعزيز هياكل المراقبة والتقييم ،
– رفع تحديات الكم وتوفير مقعد بالجامعة ومعاهد التكوين لكل حامل شهادة باكالوريا رغم تضخم اعداد الطلبة ،
– تحقيق نسبة تمدرس قريبة من المعايير الدولية في الفئة العمرية ( ٢٠-٢٤ سنة) ،
– ارساء معايير للجودة طبقا للمعاييرالدولية وتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص،
– مراجعة عروض التكوين وانجاز قاعدة معطيات حول عروض التكوين وفي مجال القيادة،
– تعويض النقص الحاد في العديد من التخصصات وذلك بإستحداث اكتتابات متكررة للمدرسين والأساتذة الباحثين ،
– تشجيع بروز مسالك تكوين تقوم علي الإمتيازات ( مثال الفصول التحضيرية لدخول مدارس المهندسين) ،
– وضع الآليات الكفيلة بترقية البحث العلمي وضمان الجودة من خلال استحداث هيئات متخصصة تعنى بذلك،
– تطوير مدارس الدكتوراه وتقديم الدعم اللازم لتحسين مخرجاتها ،
– ارساء قواعد الحكامة الرشيدة في تسيير الموارد وفي الرقابة على الأداء التربوي وفي مجال الإشراف والتأطير ،
وبما أن المصادر البشرية تظل وسيلة لا غنى عنها لأي إصلاح ،فإن تحسين الأوضاع المادية لأساتذة التعليم العالي يظل مطلبًا مشروعا عبر مراجعة شاملة للأسس القانونية للرواتب الممنوحة ولنظام التقاعد المعتمد حاليا .
وهذا المطلب قابل للتحقيق فى ظل التزام رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بدعم التعليم العالي ضمن أولوياته وحرص السلطات الوصية على التعليم العالي لتفعيل الشراكة مع النقابة الوطنية للتعليم العالي والقيام بالمشاورات اللازمة لتحريك كل الملفات العالقة.
والخلاصة أنه لتعزيز هذه المكاسب يتعين علينا جميعا أساتذة وطلابا و مشرفين ومؤطرين تربويين ابداء مزيد من التضامن والتفاعل الإيجابي خصوصا فى هذه الفترة الحرجة التي تمر بها بلادنا نتيجة لتفشي فيروس كورونا المستجد وذلك انطلاقا من الحفاظ على النتائج المتحصل عليها والتي لايمكن الإستغناء عنها في أية عملية تأسيس لنظام تعليم عال يستجيب لتطلعات موريتانيا وشعبها و أجيالها المستقبلية.
بقلم : د. محمد الراظي بن صدفن، استاذ بجامعة نواكشوط العصرية.

مقالات ذات صلة