تقرير : لماذا سارعت تونس لإستخدام دواء الكلوروكين
في ظل تزايد عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد في تونس والمخاوف من عدم توفر الإمكانيات الصحية في البلاد لمواجهة احتمال تفشي الوباء على نطاق واسع، اتخذت السلطات خطة استباقية إذ بدأت في إجراء تجارب سريرية على مصابين باستخدام دواء الكلوروكين المثير للجدل.
سجلت تونس حتى الآن نحو 200 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد، مع خمس حالات وفاة. وفي ظل المخاوف من عدم الإمكانيات الصحية في البلاد على استيعاب عدد كبير من المرضى في حال تفشي الفيروس بنسبة كبيرة على أراضيها، سارعت تونس إلى إجراء تجارب سريرية على مصابين باستخدام دواء الكلوروكين رغم أنه لا يزال يثير جدلا ونقاشا محتدما في الأوساط الطبية.
وتشير الإحصاءات والأرقام إلى أن تونس لديها نحو 600 سرير موزعة على أقسام الإنعاش في كل مستشفياتها العمومية وفي المصحات الخاصة، ما يؤكد ضعف الإمكانيات اللوجستية للدولة على مواجهة الأزمة.
وأكد المدير العام للرعاية الصحية الأساسية في تونس شكري حمودة في تصريح لفرانس24 أن “تونس بدأت تعتمد دواء الكلوروكين في إطار تجارب بحثية على المصابين بفيروس كورونا، وذلك في إطار سعيها لتوفير الرعاية لمواطنيها في ظل الأزمة الصحية العالمية الراهنة”. وشدد على أن “إجراء التجارب السريرية لا يتم إلا بموافقة المريض وإمضائه”.
“قرار شجاع لتفادي الأسوأ”
وأضاف شكري حمودة قائلا إن “هذه التجارب البحثية تتمثل في استخدام دواء الكلوروكين وحده أو مع دواء آخر (مثل المضادات الحيوية) تماشيا مع الأعراض الظاهرة على المريض”. فالأعراض، كما يضيف، “تتفاوت من مريض إلى آخر، حسب السن وقوة المناعة أو وإصابته بأمراض مزمنة”.
من جهتها، أوضحت الصيدلانية مريم (وهو اسم مستعار) والعاملة في أحد المستشفيات العمومية في تونس لفرانس24، أن “إجراء تجارب سريرية لدواء على المرضى أمر قانوني، لا يتم إلا بموافقة المريض وبإمضاء منه، أو موافقة أقربائه إذا كان غير قادر”.
وأضافت مريم: “في سياق انتشار فيروس كورونا الجديد الذي حصد أرواح الآلاف في العالم اليوم، يعتبر اللجوء إلى التجارب السريرية لدواء الكلوروكين قرارا شجاعا من أجل تفادي الأسوأ، فتونس أمام خيارين إما وقوع عدة وفيات أو اختبار هذا الدواء”.
دواء يستخدم عادة لمكافحة الملاريا…
يذكر أن دواء الكلوروكين قد شاع استخدامه منذ أكثر من نصف قرن في العالم، لا سيما في القارة الأفريقية وفي عدد من دول أمريكا اللاتينية لمعالجة الملاريا وبعض الأمراض المعدية الأخرى مثل مرض “لايم”. وهو غير مكلف.
كما ينصح كل مسافر إلى هذه المناطق (أفريقيا وأمريكا اللاتينية) باستخدام هذا الدواء، وتناوله بغرض تجنب الإصابة بالملاريا.
تم استعمال دواء الكلوروكين للمرة الأولى في 1949. وهو دواء يقوي نظام المناعة للإنسان بحيث يجعله يتصدى لأمراض وأوبئة مثل حمى المستنقعات (الملاريا) ويقاوم الألم والحمى والالتهابات. وأعراضه الجانبية على المرضى معروفة لدى الأطباء.
وتعد الصين من بين أولى البلدان التي اختبرت الكلوروكين لمعالجة المصابين بفيروس كورونا في بداية شهر فبراير/شباط الماضي. وحسب نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني غزو نانبينغ، فقد أسفرت عملية اختبار مادة الكلوروكين على 135 مصابا بفيروس كوفيد19 عن نتائج جيدة جدا، مظهرة أن الحالة المرضية للمصابين لم تتدهور أكثر بعد تناول هذا العقار.
اعتماد تونس الكلوروكين خطوة ممتازة…
وفي تصريح لفرانس24 قال إبراهيم القرقوري وهو رئيس قسم البحث وتحليل الأدوية في شركة “فيسافيل” الألمانية للأدوية “إن اعتماد تونس الكلوروكين خطوة ممتازة في مواجهة احتمال وقوع وفيات، وذلك رغم أنه لا يخلو من مضاعفات ثانوية محتملة”.
وأضاف القرقوري: “تونس من الدول المواكبة للبروتوكلات الدولية للعلاج، وتمتلك بروتوكول هذا الدواء، وبناء عليه سيتم تطبيقه على المرضى من المرحلة الثالثة”، أي عند تدهور حالة المريض ووصولها لمرحلة حرجة.
وبروتوكول العلاج هو مستند طبي يقر نجاعة فعل طبي أو شبه طبي أو تجربة سريرية مشتركة أو توصيات بتوافق آراء المهنيين.
وقال إبراهيم القرقوري إن عدة دول لم تعمم استخدام هذا الدواء لأسباب علمية، وأوضح: “من وجهة نظر علمية لا يتم الشروع في إجراء التجارب السريرية دون إجراء تجارب على خلايا مباشرة أو على حيوانات، فهذه التجارب تستمر بين خمسة إلى 12 عاما حتى يتم إقراره ومعرفة أعراضه الجانبية ومخلفاته”.
وبالتالي فإن الحيز الزمني لهذه التجارب يحول دون إقرار عدة دول لتعميم استخدام هذا الدواء لمعالجة المصابين بفيروس كورونا المستجد.
يبدو العالم اليوم أمام خيارين: إما اختراق شروط إجراء التجارب السريرية، وإما تسجيل الآلاف من الوفيات. فهل من خيار أفضل!
صبرا المنصر