العلاقات الموريتانية السعودية .. إرادة قوية من قيادة البلدين في تطوير ها
وقد اكتشف علماء الحرمين الشريفين غزارة وتدفق المادة العلمية لدى الحجاج القادمين من صحراء شنقيط ، عبر رحلات طويلة وشاقة ، فأنزلوهم المنازل اللائقة بهم ، وتحلق حولهم طلاب العلم في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وكانت المملكة العربية السعودية من أوائل البلدان العربية والإسلامية التي ارتبطت بعلاقات أخوية تنموية صادقة مع موريتانيا بعد الاستقلال مباشرة،وقدمت المملكة لموريتانيا الدعم المادي والمعنوي على مدى العقود الماضية بسخاء تام.
ويعتبر الجامع السعودي في قلب العاصمة نواكشوط أهم معلمة دينية في البلاد تجسد عمق العلاقات الودية بين البلدين الشقيقين ، كما مثل المعهد السعودي صرحا علميا تعليميا هاما في موريتانيا تخرج منه آلاف الطلاب على مدى قرابة العقدين من الزمن.
وقد مثلت زيارة الملك فيصل رحمه الله لموريتانيا التدشين الفعلي لعلاقات الأخوة و الصداقة بين موريتانيا والمملكة.
و كانت تلك الزيارة نقطة تحول هامة وانطلاقة فعلية قوية للعلاقات والتعاون الثنائي على شتى الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية ، ويجسد شارع الملك فيصل في العاصمة نواكشوط اليوم الحضور القوي للمملكة في وجدان الدولة والشعب الموريتاني .
وقد ظلت المملكة حريصة على تقديم الدعم المادي بسخاء لمشاريع التنمية في موريتانيا من خلال هيئاتها الإنمائية المختلفة خاصة الصندوق السعودي للتنمية ، كما أسهم – ولا يزال – البنك الإسلامي للتنمية في دعم الاقتصاد والتنمية في موريتانيا ، هذا فضلا عما تقدمه المؤسسات والجمعيات الخيرية والإنسانية من مساعدات مختلفة لفقراء موريتانيا.
وتشهد العلاقات الموريتانية السعودية لحظة تحول هامة في عهد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، حيث تشكل الزيارة الرسمية التي يقوم بها حاليا للمملكة خير شاهد على إرادة البلدين القوية في الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى تطلعات شعبيهما الشقيقين.
وكان الجانبان ﺍﻟﻤﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻱ قد وقعا ﻓﻲ ﻧﻮﺍﻛﺸﻮﻁ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ خلال زيارة ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﺍﻷﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ، ﻧﺎﺋﺐ ﺭﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ، ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ لموريتانيا في الثاني نوفمبر 2018 .
ﻭﺃﻋﻠﻦ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻻﻋﻼﻡ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻱ خلال تلك الزيارة ﻋﻦ قرارﺑﻨﺎﺀ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﻮﺍﻛﺸﻮﻁ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﺳﻢ ” الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ” ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍلأﻗﺴﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﺨﺼﺼﺎﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .
ﻭﻭﻗﻊ الجانبان خلالها على اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ متعلقة ﺑﺘﺠﻨﺐ ﺍلإﺯﺩﻭﺍﺝ ﺍﻟﻀﺮﻳﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺧﻞ ﻭﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻤﻨﻊ ﻭﺍﻟﺘﻬﺮﻳﺐ ﺍﻟﻀﺮﻳﺒﻲ، ﻭﻣﺬﻛﺮﺓ ﺗﻔﺎﻫﻢ ﺑﻴﻦ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﻭ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﻭﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﻭﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ.
ﻛﻤﺎ ﻭﻗﻊ الجانبان على ﻣﺬﻛﺮﺓ ﺗﻔﺎﻫﻢ ﺑﻴﻦ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺪﺍﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ .
وقد أكدت المملكة العربية السعودية في أكثر من مناسبة التزامها بدعم موريتانيا في كافة المحافل وخاصة في اجتماعات شركاء التنمية.
ولاشك أن هذه الزيارة الرسمية ستكون فرصة ثمينة لتطوير العلاقات الأخوية الموريتانية- السعودية، وتركيز النظر حول أفضل السبل للعمل في هذا الإطار، في ظل التقدير الكبير الذي يوليه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للدور البارز الذي لعبته المملكة العربية السعودية الشقيقة في تنمية موريتانيا.
و ستشكل زيارة فخامة رئيس الجمهورية إطارا لعرض الفرص الاقتصادية الكبيرة المتاحة في موريتانيا أمام المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين ودعوتهم إلى اغتنام هذه الفرص والمساهمة في تقوية العلاقات الموريتانية- السعودية.
وستكون هذه الزيارة كذلك فرصة لتفعيل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.
وقد شهدت علاقات البلدين خلال السنوات الأخيرة نقلة نوعية على شتى الأصعدة ، ففضلا عن دعم صناديق التنمية السعودية لمشاريع التنمية في موريتانيا ، شهد التنسيق السياسي والأمني تطورا لافتا، كما تطابقت وجهات نظر البلدين الشقيقين في ما يتعلق بالإرهاب ومكافحته ، و نتيجة لهذا التحول الايجابي على مستوى العلاقات الثنائية رفعت المملكة العربية السعودية مستوى تمثيلها الرسمي في لجنة العمل المشترك من مستوى وكيل وزارة لمستوى وزير ، وهو ما رحبت به موريتانيا وقابلته بالمثل.
كما يلاحظ خلال السنوات الأخيرة تعاطي الحكومة الموريتانية الإيجابي مع كل الأحداث والأنشطة التي تهم المملكة.
ومع وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لسدة الحكم في المملكة ساد شعور ايجابي كبير في نفوس الموريتانيين تيمنا برجل اشتهر عنه اعتزازه بعلاقات القربى مع الموريتانيين ،حيث نقل عنه في أكثر من مجلس قوله “الشناقطة أخوالي”.
وتأكيدا لانشغال موريتانيا بما يهدد أمن المملكة وجوارها الإقليمي دعمت موريتانيا التحالف العسكري العربي في اليمن.
و تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر ممول عربي للمشاريع التنموية في موريتانيا، وتتطور العلاقات السعودية الموريتانية باستمرار.
وقد تدفقت خلال السنوات الأخيرة تمويلات من صناديق ومؤسسات تمويل سعودية لدعم التنمية وجهود محاربة الفقر والأمية في موريتانيا.
و كانت السعودية قد دفعت بثقلها لإنجاح منتدى الاستثمار في موريتانيا، وشارك وزير المالية السعودي فيه، وأعلن عن استثمارات سعودية ضخمة في موريتانيا، معتبرا أن هذا البلد الذي يشكل أرضا بكرا للفرص الاستثمارية يمكن أن يفيد التعاون معه الشعبين الشقيقين، وعبر عن أمله في أن يشكل التعاون مع موريتانيا مستقبلا نموذجا للتعاون بين بلدان الجنوب.
وقبل سنوات أعلن البنك الإسلامي للتنمية خلال اجتماعات شركاء موريتانيا في بروكسل عن تقديم تمويلات لموريتانيا تصل إلى 700 مليون دولار لدعم جهود التنمية
و يسجل الصندوق السعودي للتنمية حضورا قويا وفاعلا في المجال التنموي الموريتاني ، حيث يقدر حجم تدخله بمائة وإحدى عشر (111) مليار أوقية موزعة على ما يربو على (16) ستة عشر مشروعا تنمويا في صيغة قروض مريحة لدعم مختلف مجالات التنمية في البلاد ، خاصة البنى التحتية والكهرباء والمياه والمناجم والأمن .
ومن بين المشاريع الإنمائية التي يمولها الصندوق السعودي للتنمية نذكر مثالا لا حصرا شبكة الطرق المعبدة ومنها الطريق الرابط بين “كيفة” و “النعمة” وكذلك طريق “تجكجة” و “أطار” بغلاف مالي قدره 325 مليون ريال سعودي.
وفي مجال المناجم والتعدين قدم الصندوق السعودي للتنمية قرضا بمبلغ 226 مليون ريال سعودي لتمويل استغلال مناجم “القلب”، كما قدم قرضا لدعم قطاع الصناعة والمعادن بمبلغ 12 مليون ريال سعودي. وفي مجال المياه الحضرية ساهم الصندوق السعودي للتنمية في تزويد نواكشوط بمياه الشرب من خلال قرض بمبلغ 169 مليون ريال، كما مول مقاطع من شبكة توزيع المياه في أحياء نواكشوط من خلال قيمة القرض البالغ 95 مليون ريال سعودي.
وفي مجالي التعليم و الطاقة قدم الصندوق السعودي قرضا بقيمة 487 مليون ريال سعودي. مخصصا لعملية ربط شبكة الكهرباء بين مدينتي نواكشوط ونواذيبو، إضافة إلى بناء جامعة جديدة تضم سكنا للطالبات ومرافق عامة جامعية ضمن مشروع جامعة نواكشوط الجديدة.
وقد شمل التعاون الثنائي إنجاز مبنى كلية العلوم القانونية والاقتصادية، ويتسع لأكثر من 50 في المائة من طلبة جامعة نواكشوط، وملحقات تضم مسجدا ومطعما جامعيا وحيا سكنيا خاصا بالبنات، وتبلغ التكلفة النهائية لهذا المشروع ثلاثين مليون دولار أميركي مما أسهم في تطوير قطاع التعليم العالي الموريتاني وفي النهوض به , وسرع من وتيرة الإصلاحات التي تتبناها الحكومة الموريتانية.
وفي المجال الزراعي قدم الصندوق السعودي للتنمية لموريتانيا قرضا ماليا بقيمة 127 مليون ريال سعودي اي 38 مليون دولار أمريكي للاستصلاح بحيرة اركيز الزراعية بالجنوب الموريتاني
ووقع اتفاقية القرض عن الجانب الموريتاني وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني وعن الجانب السعودي نائب الرئيس والعضو المنتدب للصندوق السعودي للتنمية.
ويهدف تمويل مشروع “اركيز” الزراعي إلى استصلاح (3500) هكتار من الأراضي الزراعية في الحوض الشرقي من سهل “اركيز” واستصلاح (2200) هكتار وإعادة تأهيل (1000) هكتار من الحوض الغربي للسهل.
وقد شملت مسيرة التعاون القائم بين موريتانيا والصندوق على مدى أربعة عقود تمويل 16 مشروعا إنمائيا، بغلاف مالي بلغ 447 مليون دولار أمريكي.
وقد بدأ القطاع الخاص السعودي في موريتانيا مع منتصف ثمانينيات القرن الماضي يكتشف مجالات الاستثمار الخصبة في موريتانيا ، وتجسد ذلك في ظهور مؤسسات اقتصادية استثمارية متعددة منها “الشركة الموريتانية السعودية للصيد” (مشرف) في نواذيبو التي زاولت أنشطتها الاستثمارية عدة سنوات وساهمت في إنعاش الاقتصاد الموريتاني وخلقت فرصا للعمل.
كما فتحت مجموعة “دلة البركة” السعودية فرعا من بنكها الإسلامي سنة 1985م ، ويعتبر أول بنك إسلامي يفتح أبوابه في موريتانيا.
كما استثمرت شركة فرص التابعة لاتحاد الغرف الإسلامية في موريتانيا في مجالات الزراعة ، وأسهمت في دعم البنى التحتية في البلاد، من خلال توقيعها مع الحكومة الموريتانية على انجاز مشروع سكني عملاق يضم 30 ألف وحدة سكنية في مختلف مدن البلاد.
ويتوقع المراقبون أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التعاون الثنائي بين المملكة العربية السعودية وموريتانيا ، ومزيدا من تدفق الاستثمارات السعودية في مختلف مجالات وميادين الاستثمار في موريتانيا ، خاصة عندما ينعقد اجتماع لجنة العمل المشترك التي يجري التحضير لها منذ بعض الوقت.