
تعقيب على خرجة السيد “صمبا تيام” الأخيرة..
حدث صامبا تيام فقال: “إنهم يختلفون معنا” ، لم يقل من هم هؤلاء الذين يتحدث باسمهم، لكنهم مختلفون عنا ووصفنا بصفات نسجها خياله لا تستقيم من حيث السرديات و لا من حيث التحليل فَضَلَّ طريقه وأناخ باستنتاجات قادحة مهتزة البناء وضحلة المعنى في حق من يسميهم المجموعة العربية-البربرية في البلاد….
جاء ذلك خلال عرض قدمه في ندوة سياسية انعقدت في انوكشوط مؤخرا ؛ كان العرض تحيينا أمينا لا يتبدل ولا يتغير لفلسفة الإنفصال عند حركة “افلام” ……
قال إن الدين المشترك لا يكفي لمنع الفرقة ولا يمنع من الفتنة وقال إن الإثنية، بعكس الدين، هي الحبل المتين المانع لأي انزلاق وإن التأسيس على الخصوصيات القومية هو بوصلة أي عقد اجتماعي داخل أي بلد وإن “الدولة-الأمة” تسبقها “دولة القوميات” -أو دولها- شنشنة نعرفها من غابر الأزمان، قال بها الآباء الأولون لحركة “فلام” فنادوا بالفيدرالية أولا ثم نادت الحركة ب”تحرير البلاد كاملة” فإن تعذر الأمر فتحرير ما يقدرون على تحريره من “شعبها الإفريقي”… شريعة “افلام” ودستورها قبل مؤتمر ألاق وبُعيد الإستقلال وقبل الأحداث المأساوية مع السنغال وبعدها…..لا تتبدل !!!
لم يوفق الرجل في أية نقطة تعرض لها بل كان يناقض نفسه كلما أجهده الاستدلال وأضناه التبرير وأول حفرة وقع فيها أن نسي ما ظل يشكو من تهميش قومه ولغتهم “القادرة على منافسة اللغة العربية” فعرض أفكاره ومقاصده بلغة لا علاقة له بها وأمام قوم قد يكون القلة منهم يفهمونها وفي بلد ليس لها ذكر في مادة من دستوره ولا باب……
حدث الرجل فاستدل بأمثلة ثلاثة في عصرنا اليوم ، اختارها من بين مئات التجارب عبر الجغرافيا والزمن لتبرير هامشية دور الدين المشترك في منع الفتن ليدفع بمحورية الدور الذي تقوم به العصبية القومية في درئها…….
أصاب الرجل في أن الدين لا يمنع من الفتن وجانب الصواب كثيرا أن الإنتماء الإتني هو الذي يحول دونها….فكرة تعيد للأذهان فكرتهم القديمة أن التنوع القومي خطر على موريتانيا وأن ما يضمن استقرار الجميع أن ينفصل البعض عن البعض وقد فات صاحبنا أن هذه الأرض لم تشهد تمايزا تفصل الجغرافيا فيه بين الناس وأن القول بإمكانيته اليوم أضغاث أحلام….
أول حرب في الإسلام وقعت بين بني هاشم وبني أمية، فلم يمنع الدين المشترك قوعها لكن الإنتماء المشترك لأسرة واحدة لم يمنعها كذلك فالطرفان أبناء لرجل واحد هو عبد مناف بن قصي !!!! ولم يمنع التعدد القومي من أن يشيد المسلمون امبراطوريات عظيمة وحدت أقواما كثرا من أجناس مختلفة وثقافات مختلفة وجمعت بين لغات شتى وألوان…
ذكر المحاضر في سياق ضعف الوازع الديني لدى مجموعة البيظان أن المرحوم الإمام الكبير بداه ولد البصيري كان وحده من ندد بما وقع من إراقة لدماء المسلمين خلال أحداث 89 وهذا غير صحيح، فقد بكى الآلاف من الناس واستنكروا وآووا وأمَّنوا لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا…. في المقابل نسي صامبا تيام أن يخبر عن من هم الذين حرضوا على الفتنة ونسي أن يذكر من هم الذين كانوا في طليعة من يتعقب الموريتانيين في شوارع داكار وباقي مدن السنغال للقبض عليهم وشيِّهم في الأفران……
لئن كان الدين المشترك لا يحول دون الحروب البينية فإن الفتن لا تحول دون وقوعها عصبية قومية مشتركة وتبقى الرابطة الدينية أكثر ردعا في كل الأحوال من أي رابطة غيرها ففيها الخشية في الأرض وفيها الخشية من السماء……..الهوتو والتوتسي يتكلمون نفس اللغة في رواندا وبوروندي وثقافتهما واحدة ولون البشرة واحد ولايفرق بينهما سوى أن التوتسي معروفون بطول القامة أكثر من الآخرين وما منعتهم كل هذه المشتركات أن سالت بينهم أنهر من الدماء ومات منهم في أسابيع قليلة ما يربو على 800 ألف شخص !!!!! لا شك أن صمبا تيام على علم بهذا ولكنه كان يرد على قول أحد الحاضرين أن بيننا معه موثقا دينيا غليظا فأراد أن لا يعتد أحد كثيرا برابطة تجمعه بغير من يتبنى خطابه الانفصالي……
في أول مثال استظهر به لتسويق هامشية الرابطة الدينية في تمتين العلاقات بين الناس لينآى بنفسه عن ما قد يجمعه بمعاشر البيظان ، ذكر انفصال بنغلاديش عن باكستان وقال إن السبب أن “الباكستانيين اضطهدوا البنغال فكان الطلاق ……” فِرية ما سبقه لها أحد ، فالهند التي انفصلت عنها باكستان الموحدة عام 47 لم تقبل يوما أن يكون للمسلمين دولة قوية تحاصرها من غربها وشرقها ، فالهند تتوسط في الجغرافيا بين بنقلاديش وباكستان……وهي التي أذكت الخلافات ذات المنشإ السياسي بين الأطراف وكان لها الدور الكبير في الحرب التي تسببت في انفصال شطري الإقليم عن بعضهما البعض….
صحيح أن البنغاليين لهم لغتهم الخاصة ولهم ثقافتهم ولغتهم مكتوبة وثقافتهم مدونة كما هو حال اللغة الأوردية وثقافة باكستان ، لكن السبب لم يكن مطلقا أن العنصرين مختلفان وما زال في الهند اليوم أكبر تجمع إسلامي في العالم يقبل بالعيش في محيط هندوسي مغاير من حيث العقيدة ومختلفة أعراقه….
ذكر الرجل عرب العراق السنة وكرد العراق وأن الإسلام السني المشترك لم يمنع من انفصال الأكراد عن العراق وهذا فيه تغافل متعمد عن أسباب انفصال الأكراد اليوم……فلا علاقة للدين ولا علاقة للقومية بأمر العراق فالعراق تعرض لحرب غربية صهيونية مزقته وأنشات إقليما مستقلا في كردستان بحراب أمريكا والصهيونية ليكون بطنا رخوة في خاصرة هذا البلد العظيم فيمنع العراق أن يتعافى ويمنع الغمة أن تنقشع عن العرب……
كرد تركيا لم ينفصلوا عن أتراكها والكرد في تركيا بعشرات الملايين ويعانون من تغول طوراني بشع يحرمهم من كل شيء له علاقة بالهوية الفرعية حتى التداول بلغتهم في الأماكن العامة ، فليست القضية قضية دين ولا مسألة هوية وإنما السياسة وموازبن القوة …. لم يذكر صاحبنا إن كانت طوائف السنغال القومية من لغة وثقافة واحدة فقبل البعض بالبعض ولماذا تنجح “الدولة-الأمة” في هذا البلد ويراد لموريتانيا أن تكون أول من يجرب “دولة القوميات” ؟ ثم لماذا يقبل قومه ب”الدولة-الأمة” في السنغال والكاميرون وغينيا ونيجيريا وغيرها ولا يقبلون بها في موريتانيا !!!!!
ذكر أن السودان الشمالي فيه مسلمون عرب وفلان وأن الطرفين توحدا في وجه المسيحيين الجنوبيين – وفي هذا عدم دقة كبير – وحين انفصل هؤلاء تقاتل المسلمون في ما بينهم فاستتنتج أن الإسلام غير كاف لتمتين العلاقات بين أتباعه وأن السبب في الاقتتال داخل البيت الإسلامي في السودان أن الأقوام من اتنيات مختلفة وقال إن “دارفور” تنتصر لقومها الفلان ضد عرب الشمال فوقع الرجل في مغالطات كثيرة منها أن “دارفور” ليست منطقة فلانية خالصة بل بها مجموعات عربية كبيرة ومجموعات من الهاوسا وأقوام كثر آخرون ومنها أن الصراعات دوما تحدث فيها بين المزارعين والمنمين على خلفية تعارض المصالح بينهما وكل صراع نشأ يستغله الساسة فيشعلون نيران الفتنة كما حصل بعد أحداث “ادياوارا” السنغالية، صدام بين مزارعين سوانك من السنغال ومنمين فلان من موريتانيا فاشتعلت الفتنة بين شعبين شقيقين وراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء !!!!!!
توقف الرجل في الموضوع السوداني عن ذكر الحرب الأهلية الحالية التي تمزق البلاد والتي يقودها رجلان من نفس القومية ومن نفس الدين لكن كليهما أعمته المصالح فاستند لداعم أجنبي وراح يقتل يمنة ويسرة !!!!!!
ذكر السيد “صمبا اتيام” أن منشأ الخلافات في موريتانيا كان مؤتمر “ألاك” 58 وأن الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله هو من بدأ بظلم الأقليات وأن الرئيس معاوية هو من فتك بها وأن لا فرق بين الرجلين سوى في طريقة إدارة الملف فأحدهما يبطش بهدوء والآخر يبطش بسرعة وقسوة !!!!!
مؤتمر ألاق كاد أن يفشل بسبب رفض مجموعات سياسية معروفة فكرة مناقشة مسألة الهوية وهذه المجموعات نفسها التي سترفض عام 66 زيادة ساعتين من تدريس اللغة العربية في الإعدادية وهي الأب الشرعي لحركة “فلام”….فلماذا يحن صمبا تيام لمؤتمر اعترف أن مخرجاته السياسية كانت تبطش بهدوء بقومه؟ مرد الحنين هو رمزية المؤتمر ودلالته فقد كان مؤتمرا لتأسيس دولة لم يكن لها وجود ويريد صمبا تيام أن يكون الحوار المرتقب مؤتمرا لتأسيس دولة ماتزال في ذهنه غير موجودة ….فأي المدعويين سيقبل بمثل جدول الأعمال هذا !!!!
بعد أن ركز صاحبنا على إبعاد الدين من أن يكون عنوان وحدتنا الوطنية ونادى بدولة القوميات واستبعد “الدولة-الأمة” اختتم مداخلته بعرض لأوجه الخلاف البنيوي في التركيبة الذهنية والنفسية والثقافية بين مكون البيظان ومجموعة في ذهنه يدعي أنه يتحدث “عنها وباسمها” فيُخيل من خلال سمْت معروضه أن للرجل سندا فلسفيا عميقا لكن ما إن انتهى من عرض فكرته حتى أُصِبنا بحيرة شديدة وغثيان ، أما الخلاصات فبها شحنة كبيرة من القدح ماكان لمثل “صمبا تيام” أن يبلغه !!!!!
يقول الرجل إن هناك أربعة أوجه خلاف ناظمة بينه ومجتمع البيظان…فالبيظان رجال صحراء والآخرون أهل سهول معشوشبة ومساكن البيظان خيام ومساكن غيرهم أكواخ والمؤونة عند البيظان أكياس من دُخن والآخرون يودعون المؤونة في مخازن حبوب ورابع تمايز بين الإثنين كيف يتعاطون مع المعلومة….وقد اعترف صاحبنا بعجزه عن تصنيف لحراطين بعد أن ظل يصر على الدعوة لهوية لونية لا تستثني أحدا..!!!!!
يقول إن البيظان رجال صحراء وهذا صحيح وإن رجل الصحراء لا يلتزم بشعبة من الشعاب فيتنقل شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بلا قيد لكنه خلص أن هذا هو ما يفسر الفوضوية الذهنية التي ذكر أنه يلاحظها حتى في شوارع المدن وحركة السيارات….فلماذا يغفل أن هذه الفوضوية الذهنية هي التي أنشأت العاصمة من عدم وعمرتها وشيدت الموانئ والمطارات والطرقات….وهؤلاء القوم البداة رجال الصحراء بسمرهم وبيضهم هم أبناء المرابطين الذين أسسوا مراكش وشيدوا في الجزائر وتونس وأنقذوا المسلمين في الأندلس وقهروا الصليبيين في الزلاقة وبثوا الإسلام في شمال القارة وجنوبها ووسطها في فترة قليلة تنقص عن قرن من الزمن !!!! ثم إن هؤلاء “البداة ” هم من أسس مدينة “آبير” عام 160 للهجرة وهؤلاء “البداة” هم ” من اتخذ ظهور العيس مدرسة ……” فعمروا الأرض وتركوا آثارا تخبر عنهم وشواهد أنهم أهل سيف وقلم وأهل حضارة وأهل عطاء حين يستقرون وأنى يرحلون…..
قال إن الخيمة المفتوحة من كل جانب تختلف عن الكوخ ذي المدخل الواحد وهذا صحيح لكنه وظف ملاحظته ليستنتج أن نمط الحياة عند هذا المجتمع هو الذي يفسر عدم التزامه الفطري بالقوانين ، حكم غير وارد وغير دقيق وغير موفق ولا يليق من رجل سياسي…..لكن قراءة أخرى للظاهرة أن الخيمة المفتوحة من كل جانب هي التي ساعدت في بناء روح الإنفتاح والقبول بكل وافد سعة به وترحيبا فتوافد الناس عليها ساعة تثبيت الأوتاد فنزلت بها أفواج من الناس تجنسوا فأصبحوا من أهلها وآخرون استقر بهم المقام فيها لا يضايقهم أحد ولايضن عليهم بشيء فتجنس الأولاد منهم والأحفاد……..
ذكر السيد صمبا تيام مزحة أكياس الدُّخن مقابل مخازن الحبوب فتوصل لاستنتاج أن البيظان لا يخططون للأمد البعيد بمعنى أنهم قوم بلداء ليسوا بقادرين على إدارة البلدان وأن عليهم العودة للصحراء وترك غيرهم ممن له استعداد فطري للحكم لكنه غفل أن يرى أن هؤلاء البداة لا تخلو منهم نقطة من هذه البلاد الواسعة سلطة أو تجارة أو عمارة على طول النهر بعيدا عن الصحراء……وغفل أن يرى أن الترارزة إمارة ذات شأن كبير في التاريخ البعيد وأن لها آثارا قائمة ما تزال تخبر عنها على ضفتي النهر وفاته أن إمارة لبراكنة هي كذلك وسمت مناطق واسعة بميسمها في الضفة وكان لها فيها سلطة كبيرة ونفوذ وفاته أن إمارة تكانت كانت سلطتها تمتد حتى ضفة النهر في قورقول وأن البيظان فيهم من يستقر في الصحراء وفيهم من يستقر في مناطق الخصوبة والرعي وأينما استقروا يبقون وأنهم أيضا حيث ما كانوا كانت لهم علاقات تاريخية متينة مع الجميع وخاصة أشقائهم الفلان والسوانك والولوف وأن ليس هو ولا غيره بقادر أن يفسد هذه العلاقات…
ذكر المحاضر أن البيظان شعب فضولي ولم يجد ما يستدل به غير كثرة تداول “اشطاري” بُعيد التحية عند اللقاء وأن غيرهم لا يخبر ولا يتخابر…….الفضول ليس سيئا بالمطلق ولكنه ليس محمدة وفيه خفة وليس الشخص الفضولي خير من توكل إليه إدارة البلدان وقد يكون هذا هو ما أراد صاحبنا أن يعلق بالأذهان ولكنه أضر بنفسه من حيث أراد أن يسيء لغيره وأثبت محدودية قدرته على تحليل الظواهر المجتمعية واستبيان أسبابها واستشراف مآلاتها…
فالمناطق حين يكثر عشبها وماؤها تجذب الناس إليها وتخلق كل أسباب الإستقرار لمن يسكنها فلايحتاجون للترحال الكثير وهذا هو حالح الموريتانيين جميعا على طول ضفة النهر ثم إن محدودية الجغرافيا تجعل معالم المنطقة معروفة للجميع ولأنها نهرية فلا يخشى أن ينطمس فيها معلم بسهولة……أما الترحال في الصحراء فترحال في مناطق شاسعة تشح فيها نقاط المياه وتتغير معالمها غير الثابتة باستمرار بحكم الجفاف وزحف الرمال وتتباعد المسافات بين المنطلق والمقصد فينشأ الحس الفضولي الذي استدل صاحبنا على وجوده بكثرة سؤالنا عن الخبر…
إن الدعوة لإحياء مؤتمر ألاق دعوة صريحة لإعادة التأسيس واعتراف لا لبس فيه أن المشكلة ليست ظلما يشكيه ولا مآخذ على نظام حكم وإنما رفض للدولة كشعب وأرض ومؤسسات كما هي الآن ولا يعتبر لها وجودا ويطالب بمؤتمر ألاق جديد يؤسس لدولة لم يكن لها وجود وأن الحوار المرتقب ينبغي أن يكون المناسبة لإعلان هذه الدولة الجديدة الغريبة في كل شيء بلا هوية ولا عنوان أو يعلن صامبا تيام قيام دولته الخاصة……
إن انتخاب أية سلطة هو تفويض من الشعب مصدر الشرعية الأوحد وليس من ضمن اختصاصها أن تحد من فاعلية هذا التفويض وليس عليها أن تتشاور إلا مع هيآت منتخبة ولا تحتاج تزكية ممن فشلوا في استحصال أصوات ناخبة توصلهم لبرلمان أو مجالس بلدية أو جهوية فالإرادة الشعبية لا تمنحها خرجة إعلامية ولا يمنحها بيان ينشر هنا وهناك…
إن هذه البلاد ليست نشازا بين الشعوب والأمم وليست بدعة وليست مختبر تجارب وعلاج كل الإختلالات فيها مرهون بأمر واحد حسن تدبير مواردها وإقامة العدل بين الناس……
أوقفوا هذا الحوار فلا فائدة ترجى منه ولا حاجة له أصلا ويحمل في طياته تمييعا لسلطة منتخبة وإضعافا لمركز الرئاسة وأحسنوا التدبير وأقيموا العدل بين الناس فالشعب انتخبكم لهذا وحده….
