مع نسيم غزة، هل يتوقف تيار الانزلاقات الذي يجرفنا منذ 1975؟
5 فبراير, 2025
تعيش موريتانيا اليوم مرحلة مفصلية في تاريخها، حيث تقف على عتبة اختيارات حاسمة تحدد مصيرها. بين آمال التقدم التي تتوق إليها وأعباء الماضي التي تكبل مسيرتها، وبين الآفاق الاقتصادية التي تتطلع إليها والأزمات الاجتماعية التي تثقل كاهلها، وبين الفرص الجيوستراتيجية الواعدة التي تلوح في الأفق والتهديدات الأمنية التي تترصدها، يجب على البلاد اتخاذ قرارات جريئة توقف سيل وادي الانزلاقات وتغير مجرى المستقبل.
السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: إلى أين نحن ذاهبون؟
دولة ذات إمكانات هائلة
تتمتع موريتانيا بواجهة بحرية استراتيجية على المحيط الأطلسي، ما يجعلها واحدة من البلدان ذات الإمكانات البحرية والمعدنية والنفطية والطاقوية الواعدة. فهي تمتلك ثروات من الذهب، والحديد، والغاز الطبيعي، إلى جانب الفرص الكبيرة في مجال الطاقة المتجددة، شمسية كانت أو هوائية أو هيدروجينا أخضر أو كربونا أزرق، ناهيك عن اليورانيوم، المادة الأساسية لتوليد الطاقة النووية، مما يجعلها مؤهلة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
وعلى الصعيد الجيوسياسي، تلعب موريتانيا دورًا محوريًا بين منطقة المغرب العربي وأفريقيا جنوب الصحراء، وهي شريك أساسي لأوروبا في مكافحة “الإرهاب” والهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود.
العوائق التي تقف في طريق التنمية
ورغم هذه الإمكانيات، تواجه موريتانيا تحديات جسيمة في مسارها نحو التنمية. فالفساد المستشري داخل المؤسسات وضعف الحكامة يعرقلان الاستفادة من هذه الثروات. هناك غياب للاستراتيجيات الواضحة والفعّالة، في ظل عدم وجود رؤى شاملة تؤمن الاستقرار وتحسن المفاوضات مع الشركاء. كما أن الوضع الاجتماعي في البلاد يفاقم الأزمات ويغذي مشاعر الإحباط والاحتقان.
الشعب بين الخنوع والتواطؤ
في هذا السياق، يبقى الشعب الموريتاني في حالة من الانقسام والتردد، حيث يعاني البعض في صمت، في حين يستسلم آخرون للواقع القاسي. قلة من المستفيدين من النظام القائم تستمر في استغلال الفرص، بينما يظل البقية مغيبين أو غافلين عن حجم التغيير المطلوب. التغيير الجذري لا يمكن أن يتحقق إلا عندما يدرك المواطنون قوتهم ويطالبون بحوكمة عادلة وفعّالة.
المحيط الجيوسياسي: جيران أقوياء وأوضاع متأرجحة
في ذات الوقت، تواصل الدول المجاورة تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية، حيث يحتدم سباق التسلح بين الجزائر والمغرب، وتزداد مالي قوة وسط الاضطرابات، بينما يتصاعد السنغال كقوة اقتصادية ناشئة مع زيادة قدراته العسكرية. أما موريتانيا، فإنها تتأرجح بين تحليلات واقعية مفرطة وبين غياب رؤية استراتيجية واضحة!
هل نحتاج إلى ديمقراطية أم إلى رجل قوي أمين؟
يستمر الجدل حول النموذج الأمثل للحكم في موريتانيا: هل تحتاج البلاد إلى مزيد من الديمقراطية، أم إلى قائد قوي وعادل قادر على إحداث تغيير حقيقي؟ في ظل ضعف المؤسسات، قد تتحول الديمقراطية الهشة إلى مصدر للفوضى، خاصة في مجتمع تنتشر فيه الأمية وسوء فهم مفهوم الحرية. فالحرية ليست مطلقة، بل تحكمها ضوابط شرعية وقانونية، إذ إن الردة، والإباحية، والقذف، والسب ليست حقوقًا، بل جرائم يُجرّمها الشرع والقانون لأنها تنتهك حريات الآخرين وحقوقهم.
في هذا السياق، قد يكون من الضروري ظهور قيادة ذات رؤية جريئة، تجمع بين القوة والنزاهة، لضمان استقرار البلاد وتوجيهها نحو مستقبل أكثر عدلاً وأمنا.
نسيم غزة: إشراقة الأمل الجديد
في إفريقيا، وخاصة في غربها، نشهد بروز جيل جديد من القادة في السنغال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، مستلهمين رؤية إسلامية بانافريقية، يرفضون الإرث الاستعماري ويسعون لإرساء العدالة والكفاءة. في موريتانيا، يتنامى طموح الشباب نحو الشفافية والإصلاح، لكن السؤال الملح: هل سيتمكنون من كسر قيود الماضي وصياغة مسار جديد يعيد الأمل للوطن؟
إن مستقبل موريتانيا يتوقف على مدى قدرتها على استثمار مواردها الطبيعية بحكمة، واعتماد سياسات حوكمة رشيدة، والتأقلم مع التحولات الجيوسياسية المتسارعة. لكن تحقيق ذلك يستدعي يقظة وطنية وإرادة جماعية صادقة للتغيير. فهل ستنهض موريتانيا قبل فوات الأوان؟ الجواب يكمن في قدرة شعبها على اتخاذ قرارات جريئة ترسم ملامح مستقبلها.
غزة قدمت للعالم درسًا في الصمود، وأثبتت أن الإسلام قادر على إنجاب رجال استثنائيين. فهل آن الأوان لموريتانيا أن تستعيد هويتها الحقيقية، وتتصالح مع ذاتها، وتعود إلى جوهر دينها الحنيف، مصدر قوتها ووحدتها؟