في ذكرى مائة يوم من عمر الحكومة الأولى في المأمورية الثانية.
السبت ١٦ نوفمبر تمر مائة يوم على ميلاد حكومة دولة الوزير الأول المختار ولد أجاي، فكلنا نتذكر إعلان معالي الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية السيد مولاي ولد محمد لغظف أسماء هذه الحكومة فجر السادس اغشت الماضي، وقد بدت عليه علامات الارتباك، قيل يومها إن سبب ذلك هو المخاض العسير الذي ميز ولادة هذه الحكومة، وربما كان هذا المخاض بعمليات قيصرية، فقد خرج منها وزراء ثم أعيدوا لها قبل أن تعلن ودخلها آخرون ثم أخرجوا منها قبل أن ترى النور.
قد يقول لي قائل المائة يوم تجاوزت قبل ايام لأن الأشهر منها ما يزيد على ثلاثين يوما، لهؤلاء أقول إن ذلك كلام صحيح إلا أن التقويم الذي أعتمده في محاولة قراءة حصيلة هذه الحكومة خلال هذه الفترة، هو التقويم الذي على أساسه يدفع المرتب الشهري للوزير، وهو ثلاثون يوما، ولو أخذنا بغير هذا التقويم لزادت مرتبات الوزراء في بعض الأشهر ونقصت في شهر فبراير.
أحاول في هذه السطور تقديم قراءة أولية لحصيلة عمل الحكومة خلال هذه الفترة، وهو امر لا يخلو من صعوبة بالنسبة لي لغياب مؤشرات تسهل قراءتها في اتجاه الإصلاح أو في اتجاه بقاء الأمور على ما كانت عليه قبل السادس أغشت ٢٠٢٤.
ومع ذلك وفي ضوء استقراء المعلومات المتوفرة عن هذه الفترة ، توصلت الى ما يلي:
1. لا شك أن لدى الوزير الأول ارادة للإصلاح من خلال ما يتحدث به في العلن والخفاء
2. يواجه الرجل صعوبات كبيرة في مهمته بسبب تجذر الفساد في المنظومة القائمة وما زالت اجراءات الردع شبه غائبة في وسط المسيرين؛
3. يساهم عدم انسجام الفريق الحكومي في بطء عملية الاصلاح؛
4. إعادة الاعتبار لبعض الموظفين الذين ما زالوا يدفعون أقساط مسروقاتهم للخزينة العامة شكل صدمة كبيرة لمن كانوا يعتقدون أن عهدا جديدا من الاصلاح قد بدأ؛
5. ما زالت الزبونية والجهوية والقبلية والأسرية والانتماء السياسي هي المعايير المهيمنة في اختيار كبار المسؤولين، رغم محاولات ما زالت محدودة لتطعيم بعض أجهزة الدولة ببعض الكفاءات المشهود بنزاهتها الا أن ذلك ما زال هو الاستثناء؛
6. يبدو أن هنالك اجراءات ما زالت في بداياتها ومحتشمة لمواجهة أكبر سرطان يعاني منه البلد وهو فساد منظومة الصفقات العمومية، منحا، ومراقبة، وتنفيذا؛
7. يعد فتح منصة لاستقبال تظلم المواطنين بادرة تبشر بالخير؛
8. الفريق الحكومي يضم مجموعة من الشباب، لكن حداثة السن لا تكفي وحدها، خاصة أن أغلبهم تنقصهم التجربة، وهذا معوق كبير، فوظيفة الوزير عادة هي تكريس مسار مهني وليست تشكله، وكان بإمكان هؤلاء أن يعوضوا هذا النقص بميزات اخرى الشباب مظنة لها أكثر من غيرهم، مثل الورع عن المال العام والتواضع، الشيء الذي لا يبدو لدى العديد منهم، فقد رأيت بعضهم بدأ يرد السلام بالعرض البطيء بعد أن تعودناهم قبل الوزارة ودودين طيبين؛
9. كذلك من المظاهر المشينة التي كانت من عيوب المأمورية الأولى ولم تتحسن بعد احتجاب أعضاء الحكومة وغيرهم من السلطات العليا عن المواطنين، وصعوبة لقائهم، وهذا امر مدعاة للعجب، ألا يتذكر هؤلاء أن مواقعهم الوظيفية زائلة، فهي مهما سمت أو طال مداها فلن تتجاوز في أحسن الأحوال سنوات معدودة وسيعودون مواطنين عاديين بين الناس، وقد رأوا بأعينهم من سبقوهم للتنمر وما آلت اليه احوالهم، فأصبحوا اليوم موعظة لمن يتعظ لا يزرهم زائر ولا يذكرهم ذاكر.
على العموم، يجب أن نعترف أن مائة يوم فترة قصيرة جدا للقيام بإصلاحات جوهرية لوضعية كان الفساد فيها هو سيد الموقف، إلا أنه كلما تباطأ الاصلاح خابت آمال الناس فيه واعتبر ذلك انتصار للقوى المناهضة له وزادت صعوبة اقتلاعها وعد ذلك هزيمة للقوى الداعية له.
الوقت ليس في صالح الوزير الأول إذا لم يسارع في تنفيذ برنامجه، فمعركة التنافس على خلافة الرئيس الحالي ستبدأ مبكرا وستكون حامية الوطيس هذه المرة لأنه خلافا للمرة الماضية لا يوجد شخص يعتبر هو الرقم الثاني الفعلي في النظام وعندما تبدأ هذه المعركة سينشغل بها الجميع ولا أحد يمكن التنبؤ بمن ستبقي وبمن ستذر.
أخشى ما أخشاه على البلد تداعيات السباق الرئاسي المقبل حفظ الله البلاد والعباد من تلك التداعيات.
أتمنى أن تكون الفترة القادمة حبلى بالكثير من المفاجآت في مجال الاصلاح والتطهير.
احمد سالم ولد احمد
الرباط في 16 نوفمبر 2024