النص الكامل لخطاب رئيس الجمهورية في الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيورك


نيورك 5 سبتمبر   2019  ( الهدهد .م. ص)

القى رئيس الجمهورية السيد   محمد ولد الشيخ الغزواني مساء اليوم الاربعاء خطابا أمام الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، أكد فيه عمل موريتانيا على تمكين المواطنين من النفاذ الى الخدمات الأساسية خاصة ذوى الأوضاع الهشة منهم.

وفي مايلي نص الخطاب:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على اشرف المرسلين السيد الرئيس اصحاب الجلالة والفخامة والسمو صاحب المعالي الامين العام للأمم المتحدة ايها السادة والسيدات

يطيب لي في البداية ان اتقدم باحر التهانئ الى السيد الرئيس التجاني محمد بالديننغ الممثل الدائم لدولة نيجيريا الشقيقة على توليه رئاسة الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة متمنيا له كل التوفيق والنجاح في مهامه الجديدة.

كما أود أن أتقدم كذلك بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للسيدة ماريا فرناندا اسبيناغاسيس على الكفاءة العالية والمهنية التي ادارت بهما الدورة السابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولا يسعني في هذا المقام الا ان اشيد بالجهود الكبيرة والمساعي المتواصلة التي يبذلها الامين العام للأمم المتحدة السيد انتونيو غوتيريس في اصلاح وقيادة منظمتنا خدمة للسلم والامن الدوليين .

السيد الرئيس ايها السادة والسيدات

ان كل دورة من دورات الجمعية العامة للامم المتحدة هي بمثابة فرصة تتجرد فيها الدول من مقارباتها الضيقة اللصيقة بما يعتري اوضاعها من تغيرات ظرفية عارضة لتتدارس فيما بينها مصير الانسانية المشترك سعيا الى وضع المبادئ التوجيهية واعتماد البرامج والخطط والاستراتيجيات الكفيلة بتأمين مستقبل زاهر ومستدام لكوكبنا وشعوبنا.

وفي هذا السياق أطلقت الدورة السبعين للجمعية العامة في سبتمبر 2015 اهداف التنمية المستدامة في افق 2030 وهي عبارة عن مجموعة من الاهداف المترابطة والرامية الى مواجهة التحديات العالمية الكبرى على صعيد البيئة والمناخ والصحة والتعليم والامن والاستقرار والتنمية وغيرها في سبيل جعل مستقبل الانسانية افضل واكثر استدامة وشمولية .

وعملا بمقتضى التزامنا بهذه الاهداف اعتمدنا في الجمهورية الاسلامية الموريتانية محورية التنمية المستدامة في استيراتيجيتنا التنموية وحققنا في هذا المجال انجازات معتبرة، من خلال تركيزنا على الطاقات المتجددة الشمسية والهوائية، وقد وصلت نسبة الطاقة النظيفة الى 40 % من مجموع الطاقة التي نستهلكها، ولا نزال نعمل بشكل متواصل على زيادة هذه النسبة لإدراكنا العميق بأهمية الطاقة النظيفة وتأثيرها الايجابي على البيئة ومساهمتها الكبيرة في خفض مستوى التلوث، كما أطلقنا مع مجموعة من دول الساحل مبادرة السور الأخضر العظيم لمواجهة الآثار السلبية للتصحر والتغيرات المناخية على بئتنا ومواردنا الزراعية، ولسد قصور منظومة الإنتاج لدى سكاننا عن بعض تعويض أو مقاومة الضرر الاقتصادي والاجتماعي المترتب على هذه الآثار، وقد أحرزنا كذلك نتائج هامة في نطاق سعينا الى ايقاف التصحر وإعادة تأهيل المساحات التى تضررت من جرائه على نحو يعيد لها صلاحيتها للاستغلال، هذا علاوة على جهودنا في إطار اللجنة الدائمة المشتركة لمكافحة آثار الجفاف في الساحل وما حققناه تدريجيا على صعيد عقلنة استغلال مواردنا البحرية واستعادة التنوع البيولوجي الرائع لمنظومتنا البيئية، كما نعمل حاليا مع عشر من دول الساحل الأخرى ضمن مبادرة طاقة الصحراء التي أطلقها البنك الافريقي للتنمية والهادفة الى جعل منطقة الساحل من أكبر المناطق المنتجة للطاقة الشمسية في العالم والى تمكين ما يربو على 29 مليون شخص من النفاذ الى الطاقة النظيفة في المدى القريب والمتوسط، ونحن كبقية دول الساحل المستفيدة نولى هذه المبادرة عناية بالغة لما سيكون لها من ايجابية على البيئة والتنمية في منطقتنا .

السيد الرئيس ، تواصل الجمهورية الاسلامية الموريتانية عملها الدؤوب على ترسيخ مبدإ الزامية التعليم والمساواة فيه بين الجنسين وعلى بناء مدرسة جمهورية تتربى فيها الأجيال على مبادئ الحرية والمساواة والتسامح و الانفتاح من منطلق الثوابت الثقافية والحضارية لبلدنا كما نعمل باستمرار على رفع مستوى جودة التعليم وتنمية جوانبه العلمية والمهنية وفق ما تقتضيه متطلبات الاقتصاد الوطني ومواكبة العولمة، وقد حققنا في هذا المجال انجازات كبيرة تعكسها قيم المؤشرات الكبرى لنظامنا التعليمي من قبيل نسب النفاذ والتغطية الاجمالية والقدرة الاستبقائية.

وفى سعينا الى تمكين المواطنين من النفاذ الى الخدمات الأساسية خاصة ذوى الأوضاع الهشة منهم، تمكنا في موريتانيا من رفع مؤشر التغطية الصحية الاجمالية على نحو ملحوظ بفضل الزيادة المعتبرة كما وكيفا في البنى التحتية الصحية من مستشفيات ومراكز صحية مجهزة، وبفضل ما وفره الاستثمار في الموارد البشرية من طواقم طبية عالية التكوين والمهنية.

كما ركزنا في مكافحتنا للفقر ضمن استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك على معالجة الفوارق الاجتماعية ومحاربة الهشاشة ودعم الفئات المغبونة وتعزيز التكافل الاجتماعي، ونعمل حاليا على اطلاق سلسلة من المشاريع الطموحة لصالح هذه الفئات ضمن برامج متنوعة تشمل دعم القوة الشرائية وتحسين الظروف المعيشية و النفاذ الى الخدمات الأساسية من كهرباء وماء صالح للشرب وصحة وتعليم.

وقد بذلنا كذلك جهودا كبيرة في سبيل تسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال ودعم الشراكة بين القطاعين الخاص والعام والسعي الى تنمية الصناعات التحويلية عملا على تحرير اقتصادنا من منطق الاعتماد الحصري على تصدير المواد الأولية.

كما ركزنا على تكوين وتأهيل الشباب وفق مقاربات تهدف الى تمكينه من ولوج سوق العمل والمساهمة في تطوير الاقتصاد الوطنى، وكذلك فقد مكنا المرأة من لعب دورها بإشراكها بقوة في الحياة السياسية وتسيير الشأن العام.

السيد الرئيس، إن العمل على بناء التنمية المستدامة لا يثمر عمليا إلا مع رسوخ دولة القانون والحكامة الرشيدة وصون حقوق الانسان وترقية الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية، ولهذا اعتمدت بلادنا الشفافية نهجا شاملا في تسيير الشأن العام وكافحت بقوة مختلف أشكال الفساد والرشوة وطورت الآليات القانونية والتنظيمية الكفيلة بالقضاء على هذه الآفات.

كما عملنا في ذات الوقت على ترقية دولة القانون وترسيخ الحريات العامة خاصة حرية الصحافة، وعلى تطوير الديمقراطية وضمان سلامة وشفافية عمل المؤسسات الناظمة للحياة السياسية.

وتتويجا لهذا المسار العام نظمت الجمهورية الاسلامية الموريتانية مؤخرا انتخابات رئاسية شفافة لم يشارك فيها الرئيس المنتهية ولايته عملا بأحكام الدستور التي لا تسمح بأكثر من مأموريتين متتاليتين للرئيس الواحد، وقد أمنت هذه الانتخابات انتقالا سلسا وهادئا للسلطة بين رئيسين منتخبين ديمقراطيا. السيد الرئيس، إدراكا منها بأن الامن والتنمية متلازمان، حرصت الجمهورية الاسلامية الموريتانية على وضع استراتيجية فعالة وناجعة لمكافحة الارهاب ومختلف أشكال الغلو والتطرف ضمن مقاربة شمولية تراعي الأبعاد الأمنية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية. كما انخرطت بلادنا مع أشقائها في منظمة دول الساحل الخمس وعبر مشاركتها في قوة حفظ السلام الأممية في العمل على استباب الأمن والسلام في منطقة الساحل والقارة الافريقية عموما، كما حافظنا و بصفة منتظمة على سياسة النأي بالنفس عن الصراعات وعلى علاقات حسن الجوار.

وفى هذا السياق وفرت موريتانيا على أرضها الأمن والسكينة لأكثر من 50 ألف لاجئ من جمهورية مالى الشقيقة في انتظار عودة السلام الى مدنهم وقراهم في الشمال المالى على الرغم مما نشأ عن هذا الوضع من ضغط كبير على مواطنينا واقتصادنا خاصة في المناطق الشرقية من بلادنا.

وقد وقفت موريتانيا كذلك بثبات في كل المحافل الدولية الى جانب القضايا العادلة ، وإننا بهذه المناسبة لنجدد التأكيد هنا على تمسكنا الراسخ بحق الشعب الفلسطيني في الكرامة والسيادة في إطار دولة مستقلة قابلة للبقاء عاصمتها القدس الشرقية طبقا لمبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة، ونجدد كذلك شجبنا للخروقات الاسرائيلية المستمرة لحقوق الانسان في فلسطين وباقي الأراضي العربية.

كما ندعم في ليبيا الجهود الدولية الرامية الى إحلال السلام في هذا البلد الشقيق والى ضمان وحدته وسيادته، أما فيما يخص الوضع في الجمهورية العربية السورية فإننا نؤكد على ضرورة السعي الجاد للوصول الى حل سياسي يصون وحدة هذا البلد العربي الشقيق واستقلاله وكرامة شعبه وحقه في العيش في أمن وسلام، ومن هذا المنطلق فإننا نرحب باللجنة السورية التوافقية لصياغة الدستور برعاية الأمم المتحدة.

وفى ما يعني اليمن فإننا نؤكد دعمنا للشرعية وندعوا الى انتهاج سبل الحل السلمي وفقا للمبادرات العربية والقرارات الدولية ذات الصلة، وندين في نفس الوقت ما تتعرض له المملكة العربية السعودية من هجمات ارهابية تستهدف أمنها القومي، كما نثمن عاليا الاتفاق السياسي الذي حصل في جمهورية السودان الشقيقة ونطالب بشطب اسم هذا البلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب ونعبر كذلك هنا بقوة عن دعمنا لحكومة الصومال في سعيها الى استعادة الأمن والاستقرار.

ونحن إذ نجدد هنا التزامنا التام بأهداف التنمية المستدامة في أفق 2030 فإننا نرجوا من الله أن يوفق شعوبنا الى ارساء تنمية مستدامة وشاملة تحفظ مستقبل كوكبنا وتوفر لكل انسان أينما وجد على وجه المعمورة ظروف عيش كريم وتضمن له حقوقه وحريته وكرامته

وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً