الكلمة التأطيرية لمدير المركز الموريتاني للدراسات الاستراتيجية والمسح الشامل
قلة فقط ، هم من يثمن ويقدر مفهوم ( الوطن) والدولة والوجود، والإستقرار ، ويضع لهذه المفاهيم حسابها، بشكل عميق وصادق، لايقبل الريبة ابدا ، وفاءا لوطنيته واستجابة، لرغبته الجامحة،ومبادئه ،في تنوير الرأي العام والخاص.
هاؤلاء ،العمالقة القلة ،جبلت نفوسهم على المهنية والاستباقية للعمل الطوعي البناء ، فتجدهم ينتقون للزمن ما يعادله، وللمكان مايناسبه ، تدفعهم بذالك روح القوة والعزيمة والإصرار ، فيضعون على الحروف نقاطها ، ويعيدون للجمل تراكيبها ،و ما بين السطور فواصلها، ولا تسأل عن ماهو بين المزدوجتين، فهم لها وبطريقة احترافية وقوية، متخذين منها منهجا حقيقياً يستشرفون به المستقبل عبر الحاضر ، ويعطون من خلالها رؤية متقدة ترسي دعائمها الخبرة وتوطدها التجربة والحنكة والحكمة ، المستمدة من ينابيعهم الثقافية والإعلامية ، يعكسون بها تجذر ،نواحي الوعي ، والتحضر لديهم ،ويثبتون بأحقية أنهم يمتلكون نواصي التجربة والفكر دون أن يهملوا ما تقتضيه شروط ذالك ، متنكرون لذواتهم وممسكون بمعيار الأسس والقيم الإنسانية والوطنية و لا حاجز في قاموسهم ، يثنيهم عن المسألة ابدا .
في خضم ما شهدته البلاد عبر تاريخها الذي تجاوز الستين عاما ، من تغيرات ثابتة ،وفي مراحل متسلسلة تباعاً ومختلفة ،ومع كل السياسات والأنظمة المتعاقبة عليها ، وما خلفته من تراكمات اجتماعية كبيرة ، بدأت تعطي ثمارها العكسية بالفعل ، للتتمثل في اضطرابات جيو سياسية واجتماعية مختلفة، كان لابد لأبناء البلد البررة من الإعلاميين والسياسيين ورجالات الكلمة والارتجال من بذل بعض الجهد والعطاء، لإبداء رأيهم وتقديم مالديهم من رؤية ومشورة ، أكثر جدوائية وقابلية في ارساء معالم لبنة قوية ونافذة ، تدعم الرؤية الحاضرة المستقبلية للبلد وتعزز قدرته، على مواجهة والحد ،مما أثار الجدل طويلاً.
في السابع عشر من مارس سنة ألفين وأربعة وعشرين الجارية اي قبل سبعة أشهر من الآن تقريبا عمد الإعلامي المخضرم السيد محمد الشيخ ولد سيد محمد المدير العام للمركز الموريتاني للدراسات الاستراتيجية والتنمية المستدامة والمسح الشامل المدير العام لقناة قمم (قناة موريتانيا المستقلة) إلى توجيه كلمة تأطيرية توعوية غاية في الأهمية من محلها ، وجاءت في زمن أشبه بالبحر الذي الساحل له وفي خضم أمواجه المتلاطمة التي لا تهدأ أبدا ،فكلما ، هدأت موجة تتعالى الأخرى بالصخب والهدير .
الكلمة هي الأولى من نوعها نظرا للمواضيع المتميزة التي تضمنتها ، في تحديد رؤية موريتانيا والعالم ألفين وخمسين ، وكان العنوان الأهم والأبرز في اللقاء ،هو التحديات والمخاطر التي تواجه البقاء والاستمرار للأمم ،وأسباب زوال الدول ودمارها وخرابها كلما وصل عمر بنائها لمائة عام ، كما جاء في حديث نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأن الله يبدل الكون كل مئة سنة.
العنوان كان مناسبة قوية حيث ،أشاد كثيراً بدور وسياسة وحكامة فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي استطاع أن يحكم القارة والبلد معا ،بدليل تأسيسه للسلم الاجتماعي ، وخلق ومناخ توافقي بين الأطراف السياسية كافة،دون استثناء وتمكنه من إعادتهم إلى حضن المشهد السياسي الموحد ،بعيدا عن القطيعة والتنافر والصراع ، ودعما للوحدة والشراكة الإجتماعية ومحاربة الفساد ، ومخلفات السلوك والصور النمطية التى طبعت حياة المجتمع كثيرا.
مصطلح (المخاطر) المذكورة وهي محور اللقاء الرئيسي، الذي جمع السيد محمد الشيخ ولد سيد محمد بعدد من الإعلاميين والمفكرين والتقنيين والمهندسين التابعين للمركز ، شمل أهم الأسباب التي تهدد السلم والاستقرار والاستمرار ، و تنوع أدواتها ووسائلها ووسائطها المختلفة فعددها المؤطر في سبعة مخاطر الأول هي الوجودي، والهشاشي ( المستوطن ) والحدودي والوافد، والمجهول ، إنتهاءا بالموروث .
فالوجودي كما يوضحه المدير العام للمركز، هو ناتج عن الكوارث الطبيعية، كالزلازل ،والفيضانات الخ….، وهذا النوع من المخاطر قادر بشكل قاطع على مسح وإزالة بلد كامل ، وبكتله البشرية ،ومدنه العمرانية وهلم جرا .
وهناك مايتعلق منها، بالقنابل النووية كما حدث في الحرب العالمية الثانية ، ومرة تكمن المخاطر في تحويل المدن إلى مكب للنفايات ومختبرات للأسلحة المنافية للمعايير الصحية والأخلاقية.
ويسترسل المؤطر بالشرح والتفسير ليوضح الصورة جليا ،مشيرا إلى أن عدد الدول 203 وحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة مئة وثلاثة وتسعون منها مستقلة وأعضاء في المنظمة، وهذه الدول تتقاسم بشكل كبير المخاطر المذكورة.
أما الخطر الحدودي كما يعرفه مديرالمركز، السيد محمد الشيخ ولد سيد محمد تعريفا موجزا ، فيتمثل في النزاعات الجغرافية ، وجائحة كورونا (كوفيد )،
وهناك الخطر الوافد كاجتياح الأوبئة والصناعات الضارة بالبيئة والإنسان، واجتياح الغزاة كما حدث في دول والتدمير الممنهج ما الذي نشاهده في بعض الحروب .
أيضاً هناك الخطر القائم كما يوضحه المؤطر، ويشكله دعاة الانفصال والتضليل والتطرف، ودعاة القبلية والجهوية ،والشرائحية، ومحاولة النيل من الوحدة الوطنية ،وخطر النخبة المستلبة التي تساعد على الأزمات والانقلابات على الحكم والديمقراطية،والازمة الازوادية ،والصحراوية ،والهجرة البشرية ،وقواعد الغزاة بين المتنافسين وخطرها على الجغرافيا والهوية البصرية الجمهورية.
ثم الخطر الموروث وهو إرث الأنظمة المتعاقبة سواءا كانت أحادية العسكرية كالانقلابات، وحواضر النخب المؤدلجة، كما يصفها المؤطر التي تتصف بالانحصار داخل قوالب فكرية وعقائدية لجماعات يتبعها ويتميز سلوكه بالشك والعجز عن الاستدلال العلمي الصحيح.، وغالبا ما تحاول أن تستورد نموذج حياة ونماذج للمجتمعات معينة وتجعل منها إسقاطا على أوضاع بلد آخر.
أهمية الموضوع وأبعاده السياسية الخطيرة المتعددة نالت شرحا ،سلسا وتفسيرا وتحليلا واسعا استعان من خلاله المؤطر بمقولة المفكر الاجتماعي المتميز( ابن خلدون) الذي يحدد هو الآخر عمر الدول والأمم بمئة وعشرين عاما و يؤكد زوالها بإنعدام عدة مسائل، ووضع لذالك معايير سبعة ، أهمها عدم وجود قائد حكيم بمعنى ليس بتاجر أي ( صاحب محفظة أخلاقية) وعدم وجود شعلة نهضة ،(الرؤية) وهذه شملها هي الأخرى كما يقول السيد محمد الشيخ ولد سيد محمد الأخرى ، هارون الرشيد في ثلاث مسائل أيضاً، سيف بتار، وعقل وقاد ، ويد ندية معطاء .
ثم يؤكد إبن خلدون أهمية توفر هذه الشروط الثلاثة، الشعلة، والرسالة ، والجيل و ينبه إلى أن من لا يمتلكها، فلن يكون بمقدوره ابدا أن يستمر بقيادة دولة ، فشعلة النهضة كانت تأتي من مهاجر، وطريد ، وراعي غنم ومنفي ، ومضطهد ، كما أنها تأتي من الرسالات السماوية الربانية، ومن بيئات متعددة كغار حراء ، وتابوت موسى ، واصحاب الكهف ، وطور سيناء.
زوال الأمم هذا والأسباب المؤدية إليه والتي حددها المفكرون تناولها
المؤطرالسيد المدير العام للمركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية والتنمية المستدامة والمسح الشامل(ابتكار) ،بكثير من الدلائل المادية والمعنوية واخذ من جمهورية الصين مثالاً واضح المعالم في تحليل وتوضيح سياساتها الإقتصادية خلال عشرين عاما من انغلاق على نفسها وما وصلت إليه من تصدر لاقتصاديات دول العالم وما أحدثه الفرق بعد الإنفتاح وتنامي قوتها الاقتصادية التي أصبحت عليها اليوم بسبب مايسمى بشعلة النهضة المتمثلة في طريق الحرير ، ليعرج في نفس المنحى الى ما صنعه عمالقة الحكامة الرشيدة في الهند وتركية ،والامة الصينية ،و دولة سنغافورة التي تطمح أن يكون لديها عقد اجتماعي ،يسمح للأقليات بالقيادة والحكم ، بناءا على الكفاءة ..
الكلمة التي ألقيت أمام نخبة مجموعة الوعي الإعلامي ، أراد المحاضر، أن تصل مفاهيمها وابعادها الفكرية السياسية الاجتماعية إلى النخبة الوطنية في كل مكان وزمان منبها ومذكرا بتاريخ تأسيس الدولة الموريتانية الذي زاد على الستين سنة و الذي بدأ يشارف على السبعين عاماً ليصل إلى المئة العام المذكورة بالتسلسل كما هو وارد في الحديث النبوي الشريف، مشبعا فضول الحاضرين بالشرح المفصل عن الموضوع متناولا أمثلة كثيرة حدثت في بلدنا و بلدان أخرى من العالم بشكل قوي و دقيق ،لايقبل التأويل، أو الشك إلا من مكابر لبس ثياب الزهد والورع ومضى بسبحته يصول ويجول يلقى بكلمات هنا و تعاويذ تارة هناك ، عله يجد ضالته المنشودة ليغرس فيها ماشاء من شك وريبة و بأيسر جهد وأبخس ثمن ليعطى دلالة خالصة، وإسقاطا نفسيا على حالته متجاهلا الحقيقة والواقع والدليل.
هذا و في الأخير وبعد العرض القوي الذي قدمه أمام النخبة الوطنية ،يؤكد المؤطر أن جميع هذه المخاطر والتحديات الجمة، يمكن معالجتهاومجابهتها ،بالاعتماد على مركز دراسة الحكم والجيل ،وشعلةالنهوض.
تأتي الكلمة التأطيرية، خلال تنظيم دورة تكوينية بمناسبة افتتاح الدورة الأولى لاجتماع مجلس خبراء المركز ومنسقي مجموعات الوعي الإعلامي ( ابتكار) .
هؤلاء الخبراء تم انتخابهم من قبل الجمعية العمومية الرابعة التي انعقدت في الرابع والعشرين من شهر فبراير ألفين وأربعة وعشرين.
الدورة التكوينية هذه تعود لصالح مجموعة الوعي الإعلامي البالغ عددهم 29 عضوا بجميع اختصاصاتهم الفنية والتقنية أولى مجموعات البحث التابعة للمركز كما يؤكد مديره العام ،وهناك وحدات اخرى يبلغ عددها 49 وحدة تم تحديدها وقد استمر المركز في تكوينها لمدة ثلاثين يوماً اي شهر مارس المذكور ،بفندق الأجنحة الملكية.
اللقاء التكوين يرتكز على رؤية المركز ووحداته البحثية ( 2008 ) ،قدم المركز أول دراسة عن موريتانيا والعالم ( 2020) استفاد منها ( صناع القرار) وتم تأسيس العديد من المؤسسات العاملة في البلد بناءاً على هذه الدراسة.
كما أن للمركز الموريتاني للدراسات الاستراتيجية والتنمية المستدامة والمسح الشامل أدوارا أخرى قائمة بذاتها ساهمت إلى حد كبير وقاطع في إنجاح المسيرة السياسية للبلد حيث كان له دراسة استثنائية 2016 موريتانيا والعالم وتم خلالها تشكيل مجموعات الوعي الإعلامي التي كان لها الدور البارز ولأول مرة في انتخابات 2019 حيث مارست دورها الجوهري الذي أعدت له وفي حملة إعلامية غاية في المهنية والدقة ،احتضنها فندق وصال سابقا في مايسمى اليوم( بالحياة) .
إذن جميع هذه المخاطر تتحدد كما هو واضح جداً في بوتقة واحدة متقاربة ،ومترابطة لخصها المؤطر في معنى واحد ، وفسرها وحللها بطريقة رهيبة ومتميزة، لتجد أن الاستهداف وجميع الحملات الضارية التي تعمل على تخريب اي بلد كان ،تعتمد على هذه المعطيات الخطيرة ، خصوصا ،ما يتعلق منها بالتنوع العرقي والثقافي .
فأصحاب الحملات المضادة غالباً ما يعوون و يدركون تماما أن أي هدف اوغايات كهذه لا يمكن تحقيقها إلا إذا كانت الأرضية والشروط اللازمة جاهزة ، فالوحدة يعززها مبدأ العقيدة الواحدة وهي فكر الأمة ووجدانها والنجاح في اختراقها يعني القضاء على التاريخ والحضارة ومسخ الحاضر والمستقبل ولطالما أجاد المراوغون في هذا المنحى اختلاق الأعذار بألف مسمى دون أن يكترثوا بماهية العواقب الوخيمة لذالك، فتراهم مرة في طور الدفاع عن الإنسانية وارثها، وتارة أخرى يصارعون الأنظمة ، ويصنعون من أنفسهم ،طابورا خامساً اجادوا فيه الصيغة،و أعدوا له العدة ، وشدوا إليه الرحال للضغط والابتزاز حتى لو استوت لهم على الجودي .
خديجة إبراهيم