برام الداه اعبيد والميلاد العسير ؟؟
جمعني تكوين في مجال حقوق الإنسان في السنة 2008 ، في فندق لابلاس بالأخ برام الداه اعبيد ، وكان فرع المنظمة العربية لحقوق الإنسان في موريتانيا الذي يتراسه حينها محمد لمين ولد الكتاب ، هو الجهة المنظمة له، وكنت احد اعضاء الفرع مع غيرى وكان بيرام احدهم كذلك، وكان المشرفان والمؤطران للتكوين المذكور زعيمي المنظمة:
_ هيثم المناع من سوريا ؛
_ المرزوقي من الجمهورية التونسية ؛
وقبل هذا التاريخ، لم تكن لي معرفة ببيرام ، ولم اتواصل معه لاحقا ، ولم تشركني معه أية علاقة، ولم أعلق يوما على أي أمر يخصه، رغم أني شاركت في بعض الندوات، التي كان بيرام حاضرا فيها ومشاركا مثلي، ولكني سمعت صوتية له مؤخرا، شدت انتباهي حول أمر كنت اخمنه عن الرجل، و متعلق بالتفكير الحقيقي والمنظور الفكري للرجل حول أمور الدولة والمجتمع، وهو تفكير ومنظور يختلف اختلافا كبيرا عن الذي كان يطرحه طيلة تاريخ حضوره في المشهد السياسي، كحقوقي أولا وكسياسي لاحقا، يحاججه الناس ويقيمونه على أساس ذلك التفكير وذلك المنظور، و قد انشغلت الساحة السياسية بذلك الحجاج فترة ليست بالقصيرة، ورغم كل التصريحات والخرجات وكل الأفكار والرؤى التي صدرت وتصدر عن الرجل، وما صاحبها من استحسان عند البعض واستهجان عند البعض الآخر ، يصل أحيانا إلى القدح فيه وسبه بالخروج عن الملة والتكفير حتى، أو ينتهي به إلى الإيداع في السجن ، و رغم الشطط الذي تحمله أفكاره ورؤاه تلك، والشطط الذي تقابل به من الطرف الآخر ( المجتمع، السياسيين ،الدولة ) ، وليست الأولى بالقليلة ولا الثانية بالأقل منها، وظل ذلك هو الطابع العام للسلوك المهيمن على الساحة السياسية ، يلين حينا ، ويشتد أحيانا ، بلغ ذروته في الحملة الرئاسية الأخيرة 2024 ، حيث ادعا بيرام أنه نجح فيها، رغم انه لم يقدم دليلا ملموسا بالوثائق للجهات المعنية برد الظلم ، وترتب على دعواه تلك ما ترتب من زعزحة للسكينة وراحت ضحيته نفوسا زكية رحمها الله ، رغم كل هذا وذاك لم اقبل يوما ان ببرام هو كما يقدم نفسه ، وليس هو كما يتم التعامل معه ، بل كنت متيقنا ان هناك ببرام آخر سيظهر لاحقا عندما تحين لحظة ميلاده العسير.. قياسا على من سبقوه من الذين حملوا مع غيرهم مشروع إنهاء الاسترقاق بشكل خاص، وأشكال الحيف والغبن بشكل عام، لأن التاريخ اثبت الطابع الشططي للنضال وعنجهيته وفئويته ونشازه عند البعض من أولئك، رغم أنه اثبت في المقابل اعتدال ووطنية نضال البعض ، ولكن في المحصلة ينتهي ذلك النشاز بعد مسار من العراك ينضج خلالها وينتهي إلى النضال الإيجابي والمطلبية الوطنية ، ويظهر التفكير الوطني والرؤية الاستشرافية لمجتمع متجانس قوامه الوحدة الوطنية وروح التعايش الوطني والحرص على وجود مجتمع قوي اللحمة والنسيج الإجتماعي..
هذا المسار مر عليه رجال بعضهم قضى نحبه إلى جنة الخلد ان شاء الله، وبعضهم يعيش الآن بيننا ولله الحمد، وهو احرص على الانسجام والتعايش والوحدة الوطنية في ظل دولة العدل والمساواة اكثر من غيره، رغم ما مر به تاريخه من نشاز في التفكير والرؤية وفي المطلبية، مما يسهل هنا المقارنة بينه وبين رجلنا الذي نتحدث عن ميلاده العسير .
ولا نجانب الصواب إذا قلنا ان المقارنة واردة بين صاحبنا وغيره من المناضلين النشازْ،
ذلك أن الطابع الذي هيمن على كل ما يصدر عن الرجل أو كل ما يصدر ضده كذلك، اتسم بهذا الطابع على الدوام ، إلا في حالات نادرة، تكون في الغالب تلطيفا لمقتضيات متغير ما يفرض ذلك .
ولكن ( صوتيةجديدة للزعبم الرئيس الأخ برام الداه اعبيد بتاريخ 11/8/ 2024, حول موضوع المحاصصة أو ما يسمى حاليا ” زمكت لحراطين ” من التعيين في حكومة ولد انجاي؟؟
_والتي انقل لكم عنوانها كما وردت دون تحريف، اسدلت الستار على مرحلة معينة من تاريخ أحدث مناضل وزعيم يحمل تلك الرؤية، وذاك التفكير وتلك المطلبية النضالية التي اتسمت بذلك النشاز ، والتي ساهمت الدولة ، وخاصة في ظل النظام الحالي إلى إبعاد أسباب ذلك النشاز بالانفتاح على الجميع واشراكهم في الشان العام ، وسحبت كذلك أسباب ذلك النشاز بالتدبير وتوفير العيش الكريم للمحتاجين والمغبونين إلى عهد قريب، كان وضعهم المزري يغذي فعلا ذلك النشاز في التفكير والرؤى والمطلبية.
هذه الصوتية للرئيس بيرام الداه اعبيد، استوقفتني كثيرا ورأيت أنها جديرة بالانتباه وتستحق التعليق ، بل يكاد يكون التعليق عليها من الضرورات الوطنية، ولأنها كذلك ، فلأنها أيضا كشفت عن حقيقة الرجل الذي أجده في مستقبل بيرام، وكنت أبحث عنه لسنينة، ولا أراه في بيرام الأمس.. والحقيقة أن بيرام الأمس ليس إلا بيرام كما أراد له انداده واستجاب هو لعراكهم ليقينه انه سيحسم المعركة ضددهم يوما ما، وها هو في خرجته هذه – محل التعليق – يسدد اللطمة القاضية عليهم ، ويسدل الستار على مرحلة من عدم الفهم له لقصور تفكير الآخرين في فهمه ، ولاختبار طاقة التحمل لديهم ، وليهيئ المؤيدين له لفهم وقبول مرحلة قادمة لبروز بيرام الجديد ، وها هو. يكشف لهم عن بيرام الحقيقي الذي ولد الآن ، وجاءت به المرحلة في هذه الصوتية التي فرضت ميلاده العسير في هذه اللحظة قبل اوان ميلاده المتوقع ، وكان السبب المباشر في هذه الولادة شعوره بحدة النقد، إن لم نقل الجلدَ الذي تعرض له ، بسبب عدم تعليقه على تشكيلة الحكومة الحالية ، وما أتهم به من تقصير أو سكوت عن التعليق عليها مسايرة لرغبة أنصاره الذين يعتبرون أن فئة لحراطين لم تشرك فيها، مما اضطر الزعيم بيرام إلى أن يكشف لهم عن حقيقته كرجل دولة سماها ( دولة المواطنة) التي لا تقوم على القيم المرجعية التي ينظر من خلالها مناصروه إلى الدولة، وكيف يجب أن تساس وعلى أي نحو يجب أن تتشكل إدارتها.
يظهر بيرام كرجل وطني ينظر للدولة كجهاز وطني يتولى أمور الناس والمجتمع، ويجب أن يتشكل من ” أهم الكفائات العلمية والفنية ” من خيرة المصادر البشرية في المجتمع، دون النظر الى اللون أو العرق أو او الجهة او او او .. ولو كان ذلك الجهاز من جهة واحدة أو شريحة او من حزب سياسي له الغلبة الديمقراطية تعطيه الحق في اعتماد تشكيلته او تشكيلاته التي يسوس بها أمور الدولة والمجتمع ، والشرط الوحيد الذي يجب أن يحرص عليه من له الحق في اختياره أن يكون جهازا مقتدرا وله إطار أخلاقي عالي يمنعه من النهب والفساد وأكل المال العام ، جهاز متشبع بالعدالة وقيم الجمهورية والمواطنة الحقة الجامعة للكل، دون تمييز .. ولا تفاضل إلا على أساس العلم والمعرفة والخبرة والاستقامة .
وهكذا رأيت من الواجب علي كمعني بالبلد ومعني بالنظر ومتابعة شأنه على الدوام ومعني بالتفطن لأموره أن لا أفوت فرصة التنبيه ، تنبيه الناس والمجتمع على حقيقة أحد أبنائه، لعل ذلك يكون قد فات عليهم ، فهذه الخرجة الأخيرة كشفت عن ببرام الذي لا يعرفه الجميع والذي كنت أبحث عنه منذ سنين في بيرام كما يعرفونه ، ولا اقاسمهم تلك المعرفة، وهو ما يجعل تقييمي لبيرام يغيب طيلة تلك الفترة ، ولذا لم أعلق في أي يوم من الأيام على اقاوله وأفعاله، إلا اليوم بعد ان ولد بيرام الذي كنت أراه في المستقبل ومتأكد من ميلاده العسير ، وها هي اللخطة جاءت به رغم الطابع القيصري
لذلك الميلاد ،لأن الساحة وأهلها
من من هم ضده أو في صفه لم تنضج بعد لميلاد كالذي حصل ، وهو الميلاد الذي سيسدل الستار على مرحلة من نضال الرجل، ليس في مسعاه النضالي المشروع للقضاء نهائيا على أسباب الغبن .. ومخلفات الاسترقاق ، كلا ، بل لإسدال الستار عليها من حيث الأسلوب وكيفية بلوغ الأهداف .
فمن ناحية الأسلوب لن يسمع الناس في مستقبل الرجل عبارات تخدش الحياء.. ولا عبارات تحتقر فئة بعينها .. ومن ناحية الأهداف لن تبقى المطلبية
تراوح مكانها بل سترتقي إلى مستوى المطالب الوطنية العالية، وتعانق الأهداف القومية الكبرى للمجتمع والدولة..
ومن تحصيل الحاصل القول أن دستور وأهداف والسياسة العامة التي تضمنها الحزب الذي يسعى لتشريعه عند السلطات الإدارية والذي تمت تسميته ( بحزب الرگ …) سيعاد صياغة مكوناته تلك ويتم تغيير اسمه كذلك ، لان المرحلة التي صيغت فيها تلك المكونات والسيكولوجية التي صدرت عنها، لم تكن تناسب المرحلة التي ولد فيها الزعيم بيرام الداه اعبيد من جديد اليوم ، ولأن هناك فرق كبير بين المرحلتين ، كالفرق بين الانفعال والتعقل .. وبين النضال الحقوقي والنضال السياسي..
ولهذا نتوقع حدوث تغييرات كبرى في المشروع السياسي المجتمعي عند الرجل.. يدشن مرحلة جديدة من النضال السياسي الواعي الرزين تحت يافطة سياسية مقبولة عند الرأي
العام، وشائعة في التعاطي السياسي وقاموسه، لا تلك اليافطة التي طرح تحتها حزب سياسي يراد له ان يستقطب جميع المواطنين ، ويناضلوا تحت شعاره ، ويلبي طموحاتهم ويحقق لهم الأهداف التي يريدونها من الانخراط فيه .
وهذا ما نعتقد أنه هو ملامح المرحلة القادمة بعد الميلاد العسير للزعيم برام الداه اعبيد
آن كان تقديري في محله، واستوعبت بحق التصريحات التي أدلى بها في خرجته الاخيرة محل التعليق..
د / شيخنا حجبو