النسخة الحادية عشر لمهرجان مدائن التراث بتشيت تؤكد ثنائية الارتباط بين التراث والتنمية …/ بقلم : د. محمد الراظي بن صدفن
تحيل كلمة تراث إلي كل ما تركه الأوائل من مؤلفات لغوية و أدبية و علوم فقهية و طبية و فلكية و أبنية و قلاع و دور عبادات و أضرحة و غيرها … أما من حيث الدلالة فهو عبارة عن إستمرارية ثقافية علي نطاق واسع في مجال الزمان و المكان تحدد على أساسه التشكيلات المستمرة في ” الثقافة الكلية”و ذلك بحكم كونه يشكل ذاكرة الشعوب و حاضنتها التي تمنحها الهوية و ترجمة حقيقية لوعيها الإجتماعي و الأدبي و العلمي.
في هذا السياق، فإن مدينة تيشيت التاريخية التي تحتضن المهرجان هذا العام ، كانت تشكل في أوج إزدهارها منذ تأسيسها من طرف الشريف عبد المؤمن في أربعينيات القرن السادس الهجري، حاضرة للعلم و التجارة و محطة مهمة للقوافل بالنسبة لإفريقيا جنوب الصحراء. و ها هي اليوم تمتاز بمكتباتها الغنية التي تضم آلاف المخطوطات النفيسة و بفنها المعماري الأصيل و بصناعتها التقليدية الفريدة و بتشبث أهلها بكرم الضيافة و بالإنفتاح علي الآخر الذي ورثوه عن أسلافهم .
لذلك فهي تضرب مثالًا حيًا علي عبقرية علمائها و إبداعات صناعها التقليديين و حرفييها و في محافظتها علي تقاليدها النافعة رغم عاديات الزمن و تحديات الصمود.
ولا شك أن خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني اليوم أمام الساكنة في تيشيت بمناسبة إنطلاق فعاليات مهرجان مدائن التراث يؤسس لمقاربة جديدة و رؤية إستيراتيجية تكشف مدي الترابط الوثيق بين المحافظة على التراث و وضع الأسس الكفيلة بإقامة تنمية مستديمة تحقق الرفاه المشترك لكافة مكونات شعبنا.
فلقد أكد سيادته علي محورية دور الثقافة في الإستقلالية في الرأي و التماسك الإجتماعي و صيانة الوحدة الوطنية ، وذلك من خلال الإلتزام بقيم الدين الإسلامي و التحلي بروح الصمود.
و هي بالنسبة للرئيس مبادى سامية يجب تقويتها و تعزيزها عبر محاربة الإقصاء و الفقر و بناء مدرسة جمهورية تنمحي فيها جميع الفوارق و تحسين أوضاع البلد بتنمية القطاعات الإنتاجية وتحقيق الإكتفاء الذاتي في مجال الغذاء و تقوية مؤسسات الدولة و ترسيخ الحريات و ترقية حقوق الإنسان.
و قد أكد رئيس الجمهورية أن تحقيق هذه الأهداف النبيلة لن يتم دون تغيير العقليات و المسلكيات خدمة لمفهوم الدولة الحديثة المرتكز علي أساس المواطنة و عدم التمييز بين المواطنين و القضاء علي النظرة السلبية إتجاه بعضنا البعض.و كل أشكال الصور النمطية التي تجاوزها الزمن و يرفضها العرف والشرع و يجرمها القانون.علاوة علي الوقوف أمام النفس القبلي و الشرائحي و وضع حد نهائي للنزاعات العقارية المعيقة للتنمية و المهددة للنسيج الإجتماعي.
و نحن إذ نثمن عاليًا هذا الخطاب التاريخي لفخامة الرئيس الذي نعتبره إعلان مبادئ عامة لإنطلاقة موريتانيا جديدة و موحدة متصالحة مع ذاتها قوية بتنوع و ثراء ثقافاتها ، فإننا ندعو جميع القوي الحية بالبلاد و أصحاب الرأي و المثقفين و الإعلاميين و كل الخيرين إعطائه الزخم الإعلامي الذي يستحقه.