رأي : فقر الكفاءات ..وتحقيق آمال الأمة الموريتانية…./ د. سيدي اصوينع
نواكشوط 21 مايو 2021 ( الهدهد. م.ص)
ملخص :
ستفشل كل الخطط و المحاولات للتغلب على التخلف وتحقيق برنامج الحكومة إذا لم يتم الاهتمام بالموظفين بتناسب مع متطلبات حياتهم.
آراء مجانيه:
في يونيو من عام 2019 ، كتبت مقالًا بعنوان “القرص الاحمر ام القرص الأزرق “. في هذا المقال تحدثت عن التعليم والابتكار في موريتانيا. كما أعربت عن دعمي للمرشح محمد ولد الشيخ الغزواني. بل أقول وبصفة أدق أنني أعربت عن دعمي لأفكاره وطالبت بمراقبة البرنامج الذي تحدث عنه وتطبيقه. لقد فعلت ذلك فور سماع خطاب قبول الترشيح ، حيث أقنعني بشكل رئيسي من خلال وضوح أهدافه وتبنيه لمنهج تصالحي وإيجابي للقضايا التنموية والسياسية.
لطالما اعتقدت أنه لا ينبغي أن أتسرع في الحكم على النهج القيادي وفي التعبير عن آرائى السياسيةَ في دعم أو معارضة قيادة ما ، عندما لا يزال التاريخ الحديث للحكومات المتعاقبة على قيادة أمتنا الموريتانية في سن مبكرة من حيث الخبرة في وضع السياسات وفي قيادة البلد نحو النمو والاستقرار. و أيضا ; من حيث فهم وإرساء الديمقراطية. فلم تَحصَّل حكومتنا علي تلك الخبرة ، التي أصبحت ناضجة بما يكفي لتكون بمثابة القاعدة المعرفية الكامنةَ التي تدفع الحكومات والقادة المتعاقبين والاداريين إلى اتخاذ قرارات و إجراءات ذات مغزى وإلى التَّعلم من الأخطاء.
لهذه الأسباب ، على الأقل ، ترددت في إدراج آرائي السياسية ، بندرتها على كل حال، في المقال المذكور أعلاه. وأتردد في التعبير عنها الآن. ومع ذلك و بما أنني قدمت رأيًا ونظرية وقتها تتعلق بالمقاربة الجديدة ؛ حسب فهمي ؛ وقد مر عامان و النقاد يُدلون بتعليقاتهم يمينًا وشمالا و الأزمات آخذة في التراكم ، حسب بعض الآراء ، أعتقد أن رأيًا ثانيًا قد يكون ذا قيمة في الوقت الحاضر. ذلك و بشكل عام.
أما بشكل خاصٍ ، فما يجعل ذلك أكثر إلحاحا فهو سماع وقراءة تعليقات رئيس الوزراء الموقر خلال زياراته المختلفة لعدد من الوزارات في الأسابيع المنصرمة وتعليقاته آنذاك حول “الإخفاقات” كما قال في تنفيذ برنامج الحكومة المسمى ب “تعهداتي”. على الرغم من أنه لم يتطرق للعديد من أسباب الإخفاقات – المزيد عن هذا لاحقًا – إلا أن الأمر الجدير بالملاحظة ، في رأيي ، هو ذكره أن برنامج الحكومة لا يسير بالسرعة المثلي أساسا بسبب الموارد البشرية المعدومة الكفاءة وليس بسبب الإمكانيات المادية ، كما يقول.
لعلي أوافق في الرأي ولكن إلى أقرب الحدود. فلا يزال علم وهندسة الروبوتات بعيدًا من القدرة على إجراء محادثة ذكية كاملة مع البشر. ناهيك عن قدرتهم لاستبدال الإنسان كلية في مثل هذه الأدوار لتصميم رؤية حاسمة لصنع القرار. وعليه فإن مهام التحليل واتخاذ القرارات في هكذا أمور ستكون مسؤوليتنا نحن البشر لفترة طويلة.
لذلك ، ووفقًا للكثيرين ، فإن دور الموارد البشرية القادرة والكفؤ، التي تؤمن بالمهمة الموكلة إليها ، له أهمية قصوى. الا ان رئيس الوزراء الموقر لم يتطرق إلى قطعة مهمة من اللغز لسبب اجهله. ألا وهي تحفيز الموارد البشرية. وعليه وبما أنني لم أغير من رأيي ولا تفاؤلي بشأن نهج الحكومة الحالية وبرئيس الجمهورية ولا زلت أعتقد ان الامة الموريتانية لديها فرصة ملموسة في السير على نهج مقاربة صممها خطاب واحد مارس 2019 فإني سأقدم تقييما سريعا للسنتين الماضيتين واقترح تقويما بسيطا للمنهجية المتبعة على شكل ثلاث توصيات محددة للحكومة بعد التطرق إلى محتوى الساحة السياسية نيِّفا.
لقد أشرت مرة في تدوينة على Facebook إلى أن موريتانيا لن تقفز على طريق التقدم بمساعدة أي مدونٍ واحد أو زعيم سياسي أو حزب واحد ، ولكن أساسا من خلال الاستعانة بشركات استشارية دولية لديها مئات السنين من الخبرة المتراكمة في التنمية وبالاستعانة بفصائل من نخب من الأدمغة على شكل تركيبة فكرية تسمى (براين ترست) Brain Trust. هكذا مقاربة هي ما سيقود التقويم ، راجيا أن لا يُتوقع مني تقديم أكثر من هذا في رؤية وخطة في أقل من عشرة آلاف صفحة. ومع ذلك ، سيتضمن التقويم بالتأكيد التكتيكات التي تؤدي إلى نفس النتائج أو على الأقل وضع القاطرة على الطريق لتحقيق هذه الغاية.
تقييم وتقويم:
بعد عامين ، يكون التقييم أمرًا ضروريًا. بدءاً بأداءِ الحكومة و ما تحقق من الأهداف الموعودة باعتبار الظروف المحيطة. كان كوفيد 19 والموارد البشرية والمالية على رأس القائمة. ما فتئ كوفيد 19 يجر الاقتصاد العالمي جرا وليس من الإنصاف تجاهل ذلك البتة.
هناك أيضًا سبب آخر يتحدث عنه الشخص العادي ليلًا ونهارًا باعتباره السبب الرئيسي. ألا وهو ملف الفساد الذي لا يزال واقفا في نظر الكثيرين أمام فعالية الحكومة وتميُّزها عن النظام السابق. فعلى كل حال يجب في نظري تثمين المقاربة ذات الطابع الرسمي الشفاف والمستقل التي اتُّخذت في إدارة هذا الملف الحساس. الأمر الذي سيعطي نتيجة إيجابية غير مسبوقة للأجيال القادمة إن إنتهى بحكم عادل و صارم .
بالإضافة إلى الأسباب الجلية المذكورة أعلاه ، فإنني أﺠزم أن أهم الأسباب هي عزل المعرفة الدولية و اللا إهتمام بجنود وفصائل التنمية بالإضافة إلى فهم الدور الحقيقي لمكتب رئيس الوزراء. و عليه ستدمج ثلاثة اقتراحات تقويمية للإسراع بوتيرة النمو في البلاد رغم التأخر الانف الذكر.
إصلاح نظام التقارير:
من وجهة نظري كمراقب غير متفرِّغ ، يبدو كما لو أن مكتب رئاسة الوزراء لم يعطى الاستقلالية الكافية للوفاء بمهامه. الاحرى أن يكون مكتب الوزير الأول هو المكلف و المسؤول الأول عن وضع وإدارة البرامج والمشاريع التي تحقق أهداف الحكومة. ذلك وحتى يبتكر المكتب وسائل لتحقيق تلك الأهداف. إذا كانت رئاسة الوزراء “ضعيفة” أي بالمعنى الاداري وليس الشخصي ، اذا كانت عديمة الفاعلية والتأثير وإذا كانت الرئاسة تديرها بشكل قريب و دقيق ، فإنها تتحول إلى مجرد مكتب تنسيق بدون سلطة حقيقية لتحقيق الأهداف وكأن القيادة العلي لا تعطيها الثقة الكاملة. هذا الفراغ في السلطة غير المقصود من النوع الخطير إذ تَضيع فيه المسؤولية. أخشي أن يكون هذا هو الوضع الذي نعيشه الآن. ببساطة يجب تسليم كل وزارةِ الأهداف الخاصة بها. إذا لم يتم إحراز تقدم ، يجب محاسبة الوزراء وإذا لم يتم إحراز المزيد من التقدم ، يجب محاسبة مكتب رئيس الوزراء.
صناديق العقول (Brain Trust):
أَنشأت العديد من البلدان صناديق عقول للمساعدة في دفع البلاد إلى الأمام. هؤلاء هم من كبار العلماء ورجال الأعمال والسياسيين ذوي الخبرة المتميزة الذين لا تهمهم الفوائد المادية بل المعنوية بالدرجة الاولى. هدفهم الأسمى أن يكونوا جزءًا من الفريق الذي مكَّن من إجراء تغيير كبير ودائم. تحتاج البلاد إلى عدة فصائل من هؤلاء الأشخاص ليتم ربطهم بالحكومة على أعلى المستويات. يتمثل دورهم في تقديم المشورة خلال فترات الأزمات وأيضًا في والمناورة والاستباقية في حل المشاكل.
إعتنوا بالجنود :
موظفو الحكومة هم الجنود. كسر حاجز الفقر والتخلف حرب. و أي جزء في الجيش أهم من الجنود في الحرب؟ هؤلاء هم المقاتلون الذين هم على اتصال مباشر مع الأرض والعدو. العدو هنا متعدد الأبعاد وهو الفساد ، وتدني أخلاق العمل ، وخاصته عدم الكفاءة. لست متأكدا إلى أي مدى يمكن للحكومة أن تعتني بالجنود. لكن عند سماع ما قاله رئيس الوزراء ، أنه “لا يوجد نقص في الموارد المالية” ، أفترض أن هناك أموالًا لرعاية موظفي الحكومة.
خلاصة:
نحن الأكاديميون معتادون على إنهاء كتاباتنا بخلاصة. نعتقد أن ذلك يساعد في الكشف عن أهم النقاط وإيصال الرسالة بأريحية للقراء. خلاصة أقول رأيي أنه رغم الظروف فان النظام أبلى بلاءً حسنا حتى الآن. كما انني اقدر ان رئيس الجمهورية يبدو وكأنه يفضل الفعل الجاد علي الثرثرة التي تعودنا عليها الستين سنة الماضية. لكن حتى نربح ما خسرنا من وقت في أزمة كوفيد ١٩ و بانتظآر محاكمات الفساد لا بد للدولة من الاعتناء بموظفيها الأكفَّاء بشكل جيد ومريح ، وإنشاء صناديق عقليّة فعالة لتوجيه الحوكمة ، وأخيراً إنشاء نظام تقارير وتنفيذ جيد ة من خلال منح المزيد من السلطة الفعالة لمكتب رئيس الوزراء.
Sidi O. SOUEINA, PhD.u by