رأي : هذا ما فهمته من خطاب رئيس الجمهورية…/ محمد الكوري ولد العربي
,الاحد 06/09/2020 – الهدهد . م.ص
حين اتخذت، و رفاقي، قرار دعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، في الانتخابات الرئاسية الماضية، لم نكن وقتها نتطلع لأكثر ، في الواقع، من استعادة الشعب الموريتاني لمنظومته القيمية و الخلقية ، التي سلخ منهما ، على أسلوب القرصنة، خلال العقود الماضية ، و خاصة في ظل النظام الماضي، الذي عمل على تمييع كل شيء و تتفيه كل شيء و تحطيم كل مشترك… لدى الموريتانيين .
و لقد كنا مدركين أن الاستدارة عن خط التفاهة، وقد استحكم، الذي صمم ليكون نهجا متبعا في حكم السلطة و السيطرة على المجتمع، ستكون صعبة للغاية في بلد تبتلع الأمية ثلثه و الفقر ثلثيه، أو أكثر ، فضلا عن ترديه في أوحال الأنساق القبلية الرثة ، و تخبطه في مستنقع الشرائحية و الإثنوية العنصرية ؛ حتى لم يعد من المفاجئ لذي بصر أنه خلال العشرية الماضية تحولت التفاهة ، مجسدة في مسلكيات و ممارسات متراكمة، إلىى ” منطلقات نظربة ” و إلى وقائع عيانية عملية للعمل السياسي تحكم كل من تعاطى معها إيجابيا و رضي بها قولا، طوعا أو كرها، فكان لها منظرون ، و لها دعاة للاحتفاظ بخصائصها ، كهوية مميزة و متميزة لممارسة السلطة، و لنظام الحكم، و لقيادة المجتمع ، أي إيديولوجيا متكاملة للتفاهة ، و من يخرج عن نسقها يحكمون عليه بالفسوق و الخيانة !!
و انتظم في هذا الجوق قسم كبير من نخبة البلد ، دفاعا و تبريرا .. و افتخارا و ازدهاء.
و بعد إكمال النظام السياسي لسنة و إحرازه نجاحا نسبيا في إضفاء الأخلاق على الحياة السياسية ، على الأقل، و سعيه الحثيث لتهدئة النفوس ، بات الآن مشروعا لنا أن نتطلع إلى إسناد الأخلاق و تعزيزها بدعامة العقلانية في السياسة ، التي هي أبرز عامل في تغيير جوهر العمل السياسي – المتعثر في بلدنا، بسبب الخصام مع العقل، – من استعراض ارتجالي مزاجي عبثي إلى أفعال رصينة و سديدة بطبعية أهدافها و نوع وسائلها ، بهدف انتشال البلد من درك التفاهة ، التي كادت تقوده إلى التلاشي في جزئيات و غرائز متنافرة ؛ كل منها تحمل عوامل هدم الأخرى، و هدم ذاتها بذاتها.
إنني أخرج من هذا التمهيد الذي رمى إلى توصيف موضوعي ، عشناه واقعيا، لحالة التعقيد التي ورثها نظام الحكم الحالي ، و لما ينتظره من متاعب و مصاعب، عدى كوارث الفساد المالي و الاقتصادي، حين يعمل لانتقال البلد من حالة لحالة نقيضة ، أي من حالة التفاهة لحالة السداد، و من حالة الرداءة لحالة الكفاءة، دون المرور، غير الآمن، بالمطبات التي تتسبب في التوترات الاجتماعية و النفسية ، على نحو ما يقوم ” العاقل ” لنقل المعتوه من وضعية الغضب إلى وضعية السرور !
هكذا حسبت الرئيس غزواني يفعل إزاء تركة نظام سلطة خارجة عن طور العقل ، و تركت وراءها خزينا من ” العتاهات”، على أكثر من صعيد ، و في كل مرفق من مرافق الدولة، و في كل جيب من جيوب المجتمع !
و كان الناس ينقسمون، و ما زالوا، بين من هو حائر في الأمر و من هو متأول له عندما يزاوج الرئيس غزواني استخدام الأضداد وصولا، مع بعض الوقت، للقضاء على ماهية نهج الفساد و المزاجية و التفاهة …
و إذ يمضي ، أو مضى فعلا، أزيد من سنة من مأمورية رئيس الجمهورية ، فإن هذا التكتيك يكون قد أتى أكله و استنفد غرضه، و إما تبدت عيوبه و مضاره ، و بات لزاما أن تقلع البلاد من أرضية الرداءة و التفاهة ، حقا، إلى سمو الكفاءة في الانجاز ببناء نهج العقلانية في العمل السياسي ، جنبا بجنب البناء الاقتصادي ؛ حيث اقلاع أي دولة، من ظروف كظروف بلدنا، لا يتأتى دون سلامة محركي السياسة أول، و الاقتصاد ثانيا، و هو ما انصب عليهما جوهر كلمة رئيس الجمهورية عن برنامج الانعاش الاقتصادي ، في ما بعد عطالة فيررس كورونا . إن احترام التخصص يفرض علي أن أترك الشق الاقتصادي في خطاب السيد رئيس الجمهورية لأهله ، و مع ذلك يمكن أن أجازف بالقول إنه لا بد أن أعبر للسيد الرئيس أن بوصلة الشق الاقتصادي يلفها الغموض ، و هو ما يثير بعض الاضطراب في أذهان الجماهير. إن أصل هذا الغموض يعود للخشية من أن هذه المبالغ الضخمة ، في خطة الانعاش، ستعود لفئة البرجوازية التي تكونت ، في واقع الأنظمة الماضية، من سرقة مشاريع الدولة الموجهة لرفاه المواطنين ، في غياب تام لآليات متابعة و تقويم و إنذار و رقابة شفافة… و من هنا، رغبنا في لفت انتباهكم، السيد رئيس الجمهورية، إلى ضرورة وضع آليات غير مطروقة و لم يسبق استخدامها من قبل أنظمة فاسدة، تطمئن هؤلاء أن استكشاف الغيب و استطلاع الحظوظ و ضرب الرمل، هذه المرة، لن يكونوا من نصيب الفاسدين !!
أما الفقرة التي اعتبرتها ثورة في خطاب رئيس الجمهورية ، فهي فقرته الأخيرة 🙁 إن نجاح البرامج التنموية الكبرى لا يتوقف فقط على أداء الجهات و الهيآت الرسمية المسؤولة عن التنفيذ الميداني ؛ بل يتطلب كذلك مواكبة من المواطن بحكم كونه الغاية الأولى لهذه البرامج . و لذا، فإنه على كافة قوانا الحية من أحزاب سياسية و منظمات غير حكومية و وسائل إعلام أن تلعب دورها كاملا في الرقابة و المتابعة و التقييم ، إسهاما منها في إرساء القواعد المؤسسة لحكامة قوية و فعالة ). إن هذه الفقرة الداعية ، من دون غموض و لا حاجة للتأويل، إلى التشاركية بين الجهاز التنفيذي ، ممثلا في الحكومة، و المجتمع، ممثلا بجميع قواه و فاعلياته ، لتنم عن أن رئيس الجمهورية اهتدى لمواطن الخلل و الاختلال في العمل الحكومي، و هو غياب فاعليات المجتمع عن الشراكة في الشأن العام و التفاعل مع الحكومة، الأمر الذي آل إلى نهاية مأساوية لجميع أنظمتنا السياسية السابقة. إنها دعوة تخلقت و نضجت من رصد و متابعة دقيقة لركام التجارب البائسة للأنظمة الهالكة ، جراء اتساع الفجوة بينها مع الشعب من جهة، و بين النخب الوطنية الواعية، من جهة ثانية، التي دفعتها شهوة السطوة عند الحكام إلى الاستسلام و الاستقالة لإرادة القوة ، أو وضع آمالها و فرص مشاركتها مع الأنظمة ، على نحو سلبي، في أوعية قبلية و شرائحية ، أو في حاويات حزبية موالية، خلو من كل حياة و مضمون ، و ان تسمت ب ” الأذرع السياسية ” للنظام، و مثالها الصارخ ، الحزب الجمهوري و التجمع من أجل الديموقراطية و الوحدة ، في عهد الرئيس السابق معاوية !
و. هنا، لا بد من استثمار كاف و مسؤول لهذه الفقرة ، لتكون قاعدة انطلاق في بناء مشروع سياسي مبني على رؤية صحيحة و نشاط للإرادة لعون النظام في مهمة الإصلاح و التغيير العسيرة . و لكأني أفهم من هذه الدعوة أن الرئيس يناشد القوى الحزبية المساندة له أن تؤسس الثقة في نفسها حتى تلتقط هذا المضمون الثوري للدعوة لامتصاص حيوية المحتمع ضمن هذا التوجه السليم و الرؤية الصحيحة للعمل السياسي؛ إذ تعودت الأحزاب الداعمة للأنظمة، في ما مضى، على السلبية و تلقي التعليمات الصماء من النظام، حتى باتت السلبية عقيدة سياسية لديها و تقليدا جامدا في أدبياتها ؛ ففقدت بسبب ذلك كل مصداقية و أضحت مادة للتندر من الشعب ! و ها هو رئيس الجمهورية يصحح هذا التصور الخاطئ و العقيم للولاية و الدعم ، و يدعو صراحة بدلا من ذلك لإحلال رؤية صحيحة و إرادة حازمة في بناء أنظمة حزبية موالية على أرضية صلبة مستمدة من مواقف فعلية و قوة اقتراح ناتجة عن تفكير و طاقةو تنظيم و تخطيط لصالح النظام ؛ لأنه يرتبط بتطلعات و معاناة الشعب عبر هذه الأحزاب، و لأن كفاءاتها تمده بفيض من الاقتراحات و التصورات للاستشكالات التي تتجدد أثناء التصور أو في خضم التنفيذ . إن الأحزاب الموالية للنظام يجب أن تكف عن تركة السلبية و الانتظارية و ” المخزنية “، و عن قاموس النفاق السياسي و الخشبية ، و تتسلم من رئيس الجمهورية رسالته و توجيهه بأخذ زمام المبادرة و التحلي بروح المشاركة لعون الرئيس في ترجمة تعهداته ، و إبداء المقترحات و الملاحظات في تفصيل و ترتيب مراحل تحقيق هذه التعهدات . إن أجدى و أنجع ما تعين به أحزاب الموالاة النظام الذي تدعمه هو أن تحتفظ لنفسها ، ولصالح نظام الحكم نفسه، بهامش من الحرية و الاستقلال يسمح لها بانتقاد الحكومة و مساءلتها في أخطائها التنفيذية ، و في معالجاتها القاصرة ، أحيانا، فذاك ما يمكن الحكومات ، في ظل هذا النظام ، من التميز حين تتمكن من تخطي عجزها و عثراتها بفضل نقد و تفاعل أحزاب الموالاة الداعمة لبرنامج رئيس الجمهورية ، حيث تصبح هذه الأحزاب جزءا أصيلا من نهج الإصلاح و التغيير . إن الفرق بين انتقاد و مساءلة أحزاب المولاة للحكومة و أحزاب المعارضة لها ، هو أن انتقاد المعارضة انطباعي و فوري و قاس و عنيف و استعراضي و هادم للثقة في الحكومة ، بينما انتقاد الموالاة هو عمل منضبط منهجي سياسي ، مسؤول و ملتزم و هادئ، و يحيل إلى تصحيح الأخطاء و ليس لاستثمارها بالاتجاه السلبي ضد الحكومة… و أزيد أن انتقاد الذراع السياسي للسلطة يدرك حدوده و يسعى للمشاركة في المزيد من شمول النظر و سلامة المعالجة ، بما يعزز ثقة الشعب بالنظام الحاكم، و يضفي عليه رداء المسؤولية ، بخلاف المعارضة ، التي تسعى للتشهير به و إحراجه . إن رئيس الجمهورية حين يدعو لأن تلعب الأحزاب دورها ، فذلك يعني انفتاحه على القوة الاقتراحية داخلها و استعداده لمنحها حريتها، ضمن خط الموالاة، ما يكفيها من هامش المبادرة في متابعة و رقابة و تقويم أداء الجهاز التنفيذي، الحكومة….
ذلكم هو ما تبدى لي من هذه الفقرة من خطاب رئيس الجمهورية .. و بدا لي أنه الإعداد الصحيح و الكفيل بإنهاء المعركة مع الفساد بنجاح … و هذا هو ما فهمته كمعاني و مرامي لتلك الفقرة، فكانت بالنسبة لي رؤية تقدمية تتطلب خطا تكتيكيا و استيراتيجية و خطط عمل حسب كل ظرف يطرأ … و كل هذا لا بد فيه من فريق سياسي كفوء و نصوح و مسؤول و مهتم و متابع، و هو ما يتنافى مع عقلية الحظائر البشرية، التي اعتمدتها الأنظمة السابقة مع التشكيلات السياسية التي كانت تدعمها ، حيث افتقدت الحرية و المسؤولية ، فتجمدت في ” ثلاجات ” السلطة لتخرج في النهاية أفرادا من الانتهازيين العدميين ، و تخلق بيئة خصبة غير مسبوقة للنفاق السياسي..
و أملنا أن نكون قد دخلنا، في ظل نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، حقبة الإصلاح السياسي و الاقتصادي و الاستقلال اللغوي و الثقافي ، و انتهى عهد الأحزاب – الحظائر و الأداتية الزبونية، و أقبل عهد أحزاب الشراكة و القوة الاقتراحية في ” الرقابة و المتابعة و التقويم لإرساء القواعد المؤسسية لحكامة قوية و فعالة “..
فلا تحرمونا من الأمل.. رجاء !!
و لقد كنا مدركين أن الاستدارة عن خط التفاهة، وقد استحكم، الذي صمم ليكون نهجا متبعا في حكم السلطة و السيطرة على المجتمع، ستكون صعبة للغاية في بلد تبتلع الأمية ثلثه و الفقر ثلثيه، أو أكثر ، فضلا عن ترديه في أوحال الأنساق القبلية الرثة ، و تخبطه في مستنقع الشرائحية و الإثنوية العنصرية ؛ حتى لم يعد من المفاجئ لذي بصر أنه خلال العشرية الماضية تحولت التفاهة ، مجسدة في مسلكيات و ممارسات متراكمة، إلىى ” منطلقات نظربة ” و إلى وقائع عيانية عملية للعمل السياسي تحكم كل من تعاطى معها إيجابيا و رضي بها قولا، طوعا أو كرها، فكان لها منظرون ، و لها دعاة للاحتفاظ بخصائصها ، كهوية مميزة و متميزة لممارسة السلطة، و لنظام الحكم، و لقيادة المجتمع ، أي إيديولوجيا متكاملة للتفاهة ، و من يخرج عن نسقها يحكمون عليه بالفسوق و الخيانة !!
و انتظم في هذا الجوق قسم كبير من نخبة البلد ، دفاعا و تبريرا .. و افتخارا و ازدهاء.
و بعد إكمال النظام السياسي لسنة و إحرازه نجاحا نسبيا في إضفاء الأخلاق على الحياة السياسية ، على الأقل، و سعيه الحثيث لتهدئة النفوس ، بات الآن مشروعا لنا أن نتطلع إلى إسناد الأخلاق و تعزيزها بدعامة العقلانية في السياسة ، التي هي أبرز عامل في تغيير جوهر العمل السياسي – المتعثر في بلدنا، بسبب الخصام مع العقل، – من استعراض ارتجالي مزاجي عبثي إلى أفعال رصينة و سديدة بطبعية أهدافها و نوع وسائلها ، بهدف انتشال البلد من درك التفاهة ، التي كادت تقوده إلى التلاشي في جزئيات و غرائز متنافرة ؛ كل منها تحمل عوامل هدم الأخرى، و هدم ذاتها بذاتها.
إنني أخرج من هذا التمهيد الذي رمى إلى توصيف موضوعي ، عشناه واقعيا، لحالة التعقيد التي ورثها نظام الحكم الحالي ، و لما ينتظره من متاعب و مصاعب، عدى كوارث الفساد المالي و الاقتصادي، حين يعمل لانتقال البلد من حالة لحالة نقيضة ، أي من حالة التفاهة لحالة السداد، و من حالة الرداءة لحالة الكفاءة، دون المرور، غير الآمن، بالمطبات التي تتسبب في التوترات الاجتماعية و النفسية ، على نحو ما يقوم ” العاقل ” لنقل المعتوه من وضعية الغضب إلى وضعية السرور !
هكذا حسبت الرئيس غزواني يفعل إزاء تركة نظام سلطة خارجة عن طور العقل ، و تركت وراءها خزينا من ” العتاهات”، على أكثر من صعيد ، و في كل مرفق من مرافق الدولة، و في كل جيب من جيوب المجتمع !
و كان الناس ينقسمون، و ما زالوا، بين من هو حائر في الأمر و من هو متأول له عندما يزاوج الرئيس غزواني استخدام الأضداد وصولا، مع بعض الوقت، للقضاء على ماهية نهج الفساد و المزاجية و التفاهة …
و إذ يمضي ، أو مضى فعلا، أزيد من سنة من مأمورية رئيس الجمهورية ، فإن هذا التكتيك يكون قد أتى أكله و استنفد غرضه، و إما تبدت عيوبه و مضاره ، و بات لزاما أن تقلع البلاد من أرضية الرداءة و التفاهة ، حقا، إلى سمو الكفاءة في الانجاز ببناء نهج العقلانية في العمل السياسي ، جنبا بجنب البناء الاقتصادي ؛ حيث اقلاع أي دولة، من ظروف كظروف بلدنا، لا يتأتى دون سلامة محركي السياسة أول، و الاقتصاد ثانيا، و هو ما انصب عليهما جوهر كلمة رئيس الجمهورية عن برنامج الانعاش الاقتصادي ، في ما بعد عطالة فيررس كورونا . إن احترام التخصص يفرض علي أن أترك الشق الاقتصادي في خطاب السيد رئيس الجمهورية لأهله ، و مع ذلك يمكن أن أجازف بالقول إنه لا بد أن أعبر للسيد الرئيس أن بوصلة الشق الاقتصادي يلفها الغموض ، و هو ما يثير بعض الاضطراب في أذهان الجماهير. إن أصل هذا الغموض يعود للخشية من أن هذه المبالغ الضخمة ، في خطة الانعاش، ستعود لفئة البرجوازية التي تكونت ، في واقع الأنظمة الماضية، من سرقة مشاريع الدولة الموجهة لرفاه المواطنين ، في غياب تام لآليات متابعة و تقويم و إنذار و رقابة شفافة… و من هنا، رغبنا في لفت انتباهكم، السيد رئيس الجمهورية، إلى ضرورة وضع آليات غير مطروقة و لم يسبق استخدامها من قبل أنظمة فاسدة، تطمئن هؤلاء أن استكشاف الغيب و استطلاع الحظوظ و ضرب الرمل، هذه المرة، لن يكونوا من نصيب الفاسدين !!
أما الفقرة التي اعتبرتها ثورة في خطاب رئيس الجمهورية ، فهي فقرته الأخيرة 🙁 إن نجاح البرامج التنموية الكبرى لا يتوقف فقط على أداء الجهات و الهيآت الرسمية المسؤولة عن التنفيذ الميداني ؛ بل يتطلب كذلك مواكبة من المواطن بحكم كونه الغاية الأولى لهذه البرامج . و لذا، فإنه على كافة قوانا الحية من أحزاب سياسية و منظمات غير حكومية و وسائل إعلام أن تلعب دورها كاملا في الرقابة و المتابعة و التقييم ، إسهاما منها في إرساء القواعد المؤسسة لحكامة قوية و فعالة ). إن هذه الفقرة الداعية ، من دون غموض و لا حاجة للتأويل، إلى التشاركية بين الجهاز التنفيذي ، ممثلا في الحكومة، و المجتمع، ممثلا بجميع قواه و فاعلياته ، لتنم عن أن رئيس الجمهورية اهتدى لمواطن الخلل و الاختلال في العمل الحكومي، و هو غياب فاعليات المجتمع عن الشراكة في الشأن العام و التفاعل مع الحكومة، الأمر الذي آل إلى نهاية مأساوية لجميع أنظمتنا السياسية السابقة. إنها دعوة تخلقت و نضجت من رصد و متابعة دقيقة لركام التجارب البائسة للأنظمة الهالكة ، جراء اتساع الفجوة بينها مع الشعب من جهة، و بين النخب الوطنية الواعية، من جهة ثانية، التي دفعتها شهوة السطوة عند الحكام إلى الاستسلام و الاستقالة لإرادة القوة ، أو وضع آمالها و فرص مشاركتها مع الأنظمة ، على نحو سلبي، في أوعية قبلية و شرائحية ، أو في حاويات حزبية موالية، خلو من كل حياة و مضمون ، و ان تسمت ب ” الأذرع السياسية ” للنظام، و مثالها الصارخ ، الحزب الجمهوري و التجمع من أجل الديموقراطية و الوحدة ، في عهد الرئيس السابق معاوية !
و. هنا، لا بد من استثمار كاف و مسؤول لهذه الفقرة ، لتكون قاعدة انطلاق في بناء مشروع سياسي مبني على رؤية صحيحة و نشاط للإرادة لعون النظام في مهمة الإصلاح و التغيير العسيرة . و لكأني أفهم من هذه الدعوة أن الرئيس يناشد القوى الحزبية المساندة له أن تؤسس الثقة في نفسها حتى تلتقط هذا المضمون الثوري للدعوة لامتصاص حيوية المحتمع ضمن هذا التوجه السليم و الرؤية الصحيحة للعمل السياسي؛ إذ تعودت الأحزاب الداعمة للأنظمة، في ما مضى، على السلبية و تلقي التعليمات الصماء من النظام، حتى باتت السلبية عقيدة سياسية لديها و تقليدا جامدا في أدبياتها ؛ ففقدت بسبب ذلك كل مصداقية و أضحت مادة للتندر من الشعب ! و ها هو رئيس الجمهورية يصحح هذا التصور الخاطئ و العقيم للولاية و الدعم ، و يدعو صراحة بدلا من ذلك لإحلال رؤية صحيحة و إرادة حازمة في بناء أنظمة حزبية موالية على أرضية صلبة مستمدة من مواقف فعلية و قوة اقتراح ناتجة عن تفكير و طاقةو تنظيم و تخطيط لصالح النظام ؛ لأنه يرتبط بتطلعات و معاناة الشعب عبر هذه الأحزاب، و لأن كفاءاتها تمده بفيض من الاقتراحات و التصورات للاستشكالات التي تتجدد أثناء التصور أو في خضم التنفيذ . إن الأحزاب الموالية للنظام يجب أن تكف عن تركة السلبية و الانتظارية و ” المخزنية “، و عن قاموس النفاق السياسي و الخشبية ، و تتسلم من رئيس الجمهورية رسالته و توجيهه بأخذ زمام المبادرة و التحلي بروح المشاركة لعون الرئيس في ترجمة تعهداته ، و إبداء المقترحات و الملاحظات في تفصيل و ترتيب مراحل تحقيق هذه التعهدات . إن أجدى و أنجع ما تعين به أحزاب الموالاة النظام الذي تدعمه هو أن تحتفظ لنفسها ، ولصالح نظام الحكم نفسه، بهامش من الحرية و الاستقلال يسمح لها بانتقاد الحكومة و مساءلتها في أخطائها التنفيذية ، و في معالجاتها القاصرة ، أحيانا، فذاك ما يمكن الحكومات ، في ظل هذا النظام ، من التميز حين تتمكن من تخطي عجزها و عثراتها بفضل نقد و تفاعل أحزاب الموالاة الداعمة لبرنامج رئيس الجمهورية ، حيث تصبح هذه الأحزاب جزءا أصيلا من نهج الإصلاح و التغيير . إن الفرق بين انتقاد و مساءلة أحزاب المولاة للحكومة و أحزاب المعارضة لها ، هو أن انتقاد المعارضة انطباعي و فوري و قاس و عنيف و استعراضي و هادم للثقة في الحكومة ، بينما انتقاد الموالاة هو عمل منضبط منهجي سياسي ، مسؤول و ملتزم و هادئ، و يحيل إلى تصحيح الأخطاء و ليس لاستثمارها بالاتجاه السلبي ضد الحكومة… و أزيد أن انتقاد الذراع السياسي للسلطة يدرك حدوده و يسعى للمشاركة في المزيد من شمول النظر و سلامة المعالجة ، بما يعزز ثقة الشعب بالنظام الحاكم، و يضفي عليه رداء المسؤولية ، بخلاف المعارضة ، التي تسعى للتشهير به و إحراجه . إن رئيس الجمهورية حين يدعو لأن تلعب الأحزاب دورها ، فذلك يعني انفتاحه على القوة الاقتراحية داخلها و استعداده لمنحها حريتها، ضمن خط الموالاة، ما يكفيها من هامش المبادرة في متابعة و رقابة و تقويم أداء الجهاز التنفيذي، الحكومة….
ذلكم هو ما تبدى لي من هذه الفقرة من خطاب رئيس الجمهورية .. و بدا لي أنه الإعداد الصحيح و الكفيل بإنهاء المعركة مع الفساد بنجاح … و هذا هو ما فهمته كمعاني و مرامي لتلك الفقرة، فكانت بالنسبة لي رؤية تقدمية تتطلب خطا تكتيكيا و استيراتيجية و خطط عمل حسب كل ظرف يطرأ … و كل هذا لا بد فيه من فريق سياسي كفوء و نصوح و مسؤول و مهتم و متابع، و هو ما يتنافى مع عقلية الحظائر البشرية، التي اعتمدتها الأنظمة السابقة مع التشكيلات السياسية التي كانت تدعمها ، حيث افتقدت الحرية و المسؤولية ، فتجمدت في ” ثلاجات ” السلطة لتخرج في النهاية أفرادا من الانتهازيين العدميين ، و تخلق بيئة خصبة غير مسبوقة للنفاق السياسي..
و أملنا أن نكون قد دخلنا، في ظل نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، حقبة الإصلاح السياسي و الاقتصادي و الاستقلال اللغوي و الثقافي ، و انتهى عهد الأحزاب – الحظائر و الأداتية الزبونية، و أقبل عهد أحزاب الشراكة و القوة الاقتراحية في ” الرقابة و المتابعة و التقويم لإرساء القواعد المؤسسية لحكامة قوية و فعالة “..
فلا تحرمونا من الأمل.. رجاء !!