وتر حساس ..هل تمسك العصا يوما من الوسط؟
إن أكثر السياسيين، في بلد التناقضات الكبرى، لا يتمتعون بالخطابة الحمالة، ولا الرؤى الثاقبة، ولا البصيرة النافذة، ولا الوطنية الناطقة، ولا الثبات على المبادئ وقيم الولاء للفكر والجماعة، بل إنهم قبليون حتى النخاع، شرائحيون حتى الضجر، إثنيون حتى العقد، مزاجيون بعصبية ومنتجعون بروح بداوة متأصلة، لا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم حيث محاربة الآخر لإقصائه وتولي إدارة البلاد لتسيير خيراتها وإذلال رقاق مواطنيها. والسياسة عندهم هي اللغة التي يترجمون بها هذه الرغبات، والممر الذي يسلكونه إلى تجسيدها على أرض الواقع، والسور الذي يحصنون به أنفسهم من مصير الشعب المستضعف ومن هوانه عليهم.
وتحتل “السياسة”، التي هذا بعض حال منطقها، الحيز الأكبر من اهتمامات ومحتويات الساحة الإعلامية ورقية والكترونية ومسموعة ومرئية بتناول أبعد ما يكون عن المهنية وتطبعه الارتجالية والزبونية والاصطفاف فيما ينحسر محتواه الهزيل في “المدح” و”الذم” ونقل وقائع “الولائم” القبلية و”المبادرات” الجهوية والفردية و”الانتجاعية” الانتفاعية على خلفية إطار من البذخ والفساد، لجني المخصصات المرصودة لهذا النقل.
وبالطبع فإنه لا مكان في هذه الوسائل “الثورية” لمعالجات اجتماعية ملحة أو سعي إلى نشر للوعي المدني الناقص وحث على نبذ ثقافة الخمول المتكبر والدعوة إلى العمل المنتج للشعب والبلد وإلى رفع سقف الثقافة الهاجعة تحت دثار الماضوية المتجاوزة إلى حدود الإدراك بها ـ من خلال روافدها الأدبية والفنية ـ قيمة الوطن المتصالح مع ذاته فكريا وروحيا وثقافيا.
فهل ينتبه الواعون لهذا الواقع الضحل السائد فيسعوا إلى إمساك العصا من وسطها ويبذلوا أول جهد واعي يستغل الإعلام المهني بكل أوجهه ووسائط شبكة التواصل الاجتماعي المتنوعة وما يدفعها من محركات البحث الخارقة لفتح صفحة جديدة تبث الوعي الصحيح وتوجه السياسة إلى دورها الذي يبني ويوحد وينشر قيم العدالة والقانون والديمقراطية بعيدا عن الممارسات المشوبة بماضوية السيبة العصية بكل رواسبها؟