الرؤساء السابقون وواجب التحفظ/ عيسى اليدالي
نواكسوط 17 دجمبر2019 ( الهدهد . م.ص)
حكم الرئيس السنغالي الأسبق عبدو ديوف، بلاده، على مدى 19 عاما كرئيس للجمهورية وقبل ذلك تولى رئاسة الحكومة لقرابة 11 سنة، نقلها خلالها من الديكتاتورية إلى الانفتاح والتعدد والديمقراطية وحين خسر الانتخابات بادر إلى تهنئة خلفه عبد الله واد قاطعا الطريق أمام عدد من مقربيه حاولوا جاهدين الانقلاب على إرادة الشعب السنغالي وإعلانه فائزا بغية ابتزاز الرئيس الجديد لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة. بل ذهب لأبعد من ذلك فأكد خلال اتصاله بخلفه على أنه لن يكون عقبة أمامه في تنفيذ برنامجه الذي زكاه السنغاليون.
السيد ديوف كان حكيما جدا وشكل قراره باعتزال السياسية خدمة لبلده لا تقل أهمية عن الإنجازات المادية التي حققها طيلة مساره السياسي الممتد عدة عقود. ويحظى الرئيس ديوف اليوم باحترام وتقدير السنغاليين بمن فيهم الأشد معارضة لنظامه وحتى بعض ضحاياه.
في 2 إبريل 2012، أي بعد 12 سنة من السلطة خسر الرئيس عبدالله واد أمام وزيره الأول السابق ماكي صال، وعلى عكس سلفه، عبدو ديوف، رفض واد الخروج من المشهد السياسي، وظل متمكسا بحزبه PDS، الحزب الديمقراطي السنغالي الذي أسسه عام 1974، فخسر حزبه الانتخابات التشريعية وتراجع تمثيله من 131 نائبا برلمانيا عام 2007 إلى 15 نائبا فقط 2012 و19 نائبا 2017.
ولم يشفع للحزب العريق ولا لأمينه العام 12 عاما من ممارسة السلطة و40 عاما من النضال السياسي ولا الإنجازات المادية في مجال البنية التحتية ولا حتى تنظيم القمم بدكار بما فيها قمة العالم الإسلامي والتي تعد أكبر قمة نظمت حتى الآن بالمنطقة!
وكما تسبب الرئيس واد لعائلته السياسية في الخسارة، فقد دفعت أسرته الخاصة الثمن باهظا، فسجن نجله ووريثه كريم واد وغرم بعشرات المليارات من الإفرنك (200 مليون أورو) وصودرت ممتلكاته، ويعيش الآن في المنفى. ورغم خطوات المصالحة التي أدت حتى الآن للقاء بين الرئيس ماكي صال وسلفه إلا أن كريم واد مازال مهددا بالسجن عند عودته للسنغال.
وعلى الرغم من كون الرئيس عبد الله واد أفنى سنواته التسعين في العمل السياسي وقاد حزبه لأربعين عاما منها 12 سنة كرئيس للجمهورية إلا أن استمراره في السياسية فور خروجه من السلطة أثر كثيرا على أدائه وعلى PDS ولم تشفع له خبرته المتراكمة ولا نضالاته المشهودة.
السنغال ليست استثناء في رفض الرؤساء السابقين الخارجين توا من السلطة لـ”واجب التحفظ”. ففي دول عديدة يلاقي الزعماء الرافضون لهذا المبدأ مصيرا مشابها لمصير الرئيس واد إن لم يكن أسوء، والأمثلة كثيرة.
ويزداد الأمر تأكيدا في الدول التي مازالت التجربة الديمقراطية -حديثة نسبيا- فيتعين على أي رئيس سابق، حفاظا على ماء وجهه، وصيانة للديمقراطية الوطنية أن يلتزم مبدأ التحفظ، وأن يقطع الشك باليقين، فيعمل على الابتعاد عن المشهد السياسي ومحاولة التأثير فيه، حتى لا يحرج نفسه، ويحرج من كانوا أنصاره بدفعهم للعمل ضده وتحطيم كل ما أنجز وتحويله سرابا بسبب مغامرة غير محسوبة.