رأي : نفوذ منطق العصابات…سبب لاخفاقات…!
نواكشوط 17 اكتوبر 2019 ( الهدهد. م .ص)
تلقي “السيباتية” بظلالها الثقيلة على مدنية متعثرة عمرها، بعمر استقلال البلاد، تسع وستون عاما عند حلول الثامن والعشرين من نوفمبر المقبل؛ “سيباتية” في لب فوضاها العارمة “عين إعصار” هادئة يرفل بداخلها الممسكون بزمام استمرارها نهجا وسلوكا ودرعا سميكا في وجه أي تحول تظهر بوادره أو يحاول أن يفرضه مسوغُ العولمة الذي غير معالم العصر وفتح العقول على رفض الظلامية وحكم العقول المؤمنة أو العاملة على الأصح بترهات الخرافة المتجاوزة.
ويتجلى منطق هذه “السيباتية”، المتولد عن كحم “السيبة” الذي يفترض أنه ولى مع نشأة الدولة المركزية، في تشكل الخارطة القابضة جميع مجريات حراك الحياة، على منوال ما كان، تحت دثار مفرزات وإملاءات العصر ومنهجية التعاطي فيه باستخدام مفردات حلت محل المسميات القديمة، وأطر تقمصت قوالب الحداثة في شكلها للتمويه حتى ما كانت إلا كعصابات وتنظيمات “المافيا” و”الكامورا” وغيرهما – تجمعان المال بكل الطرق الملتوية والعنيفة أحيانا، ولكن مع القيام في مجمل أنشطتها بمشاركة في البناء الاقتصادي للبلدان التي تنشط فيها وتقديم خدمات إنسانية جليلة وتنموية مشهودة – بفارق أن التنظيمات
في هذه البلاد لا تشارك في تنمية ولا ترفع شأنا للشعب والوطن، إن لم تكن بأعمالها جميعها تدمر أسسه الرخوة وتقضي على أي أمل في تخطيه مرحلة التشكل التي يجد صعوبة في العبور منها.
وأما أشكال التنظيمات العصاباتية التي تعيق مسار الدولة الحديثة وتفشل أية عملية لاستغلال خيراتها الوفيرة إلى ذلك فإنها تتلخص في:
– الوجاهات التقليدية (قبلية وطائفية وطرائقية) وإن قلصت نفسها لاستحالة القبول بها علنا في الدولة المدنية المركزية، لكنها بسيطرتها على العمق وإحكام طوق الفقر والجهل عليه، بقيت الناطق الأوحد باسمه في مجريات الشأن السياسي،
– الأحزاب السياسية، بكامل لون الطيف، التي لا تمتلك خطابا أو رؤى، ولا فلسفة أو برامج، وتجمع بداخلها كل الرجعيين من القبليين والانتهازيين والمحافظين على التراتبية الطبقية، يديرون السياسة في كل مواسمها كالكأس المعتقة، يحتسي كل منهم بقدر قوته أنداك، لينتهي المطاف بهم إلى التعيينات في المناصب وصولا إلى منافذ المال العام والمواقع التي تسمح بامتهان الزبونية والوساطة وكل فعل غير وطني، مكرس للحيف والظلم والاقصاء.
– رجال “الإهمال” من رحم العصابات القبلية والسياسية في لعبة تكامل تمليه مصلة الاستئثار بالبلد، يلعبون دورا هداما متعمدا لا يحسب أي حساب لوضع أسس صناعة محلية تؤمن للبلد بعض الاستقلالية فيما يستهلك، ولا يدفعون الضرائب أو يشتركون في محاربة الفقر والغبن ومظاهر التخلف؛ رجال إهمال قبليين، جهويين وعصاباتيين، يقتاتون على الخزينة العامة ولا يتركون أثرا ملموسا على خارطة البناء.
– الطبقة “المثقفة” لفظا دون العمل على تحريك الراكد وتوجيه الشعب إلى حيث بؤر الاستنارة بضياء العلم والمعارف وفوائد الخلق والابداع ورحاب العمل البناء لرفع تحدي التخلف؛ طبقة تتاجر بالتاريخ بعد تزويره، والمدن بعد تعريتها، والمقاومة بعد تشويهها، والثقافة بعد إجهاضها، والشعر بعد تمزيق بحوره واستباحة أوزانه، والسياسة بعد نفث سموم الحرف البذيء في أوصالها،
– المجموعات التي تمتهن، في شبه تنظيمات متنافرة، الدفاعَ لفظا وإجحافا عن الدين في شبه تكفير لشعب مسلم بالفطرة “السامية” ومتعلق في الواقع، الذي لا يتغير تحت أي ظرف، بالإسلام وثوابته ورموزه ومقدساته؛ تنظيمات تتصارع كـ”الديكة التايلاندية” للكسب مثلما تفعل العصابات، يكفر بعضها بعضا ويسفه عمله ودعوته. وهي أيضا التنظيمات التي تفرق دَمُها بين الأحزاب والمشيخات ومنابع المال العام من خلال رجال الإهمال.
وليست هذه المعارك اللفظية، التي تدور رحاها حول كل صغيرة وكبيرة ـ قائمة أو مفتعلة ـ يحملُ فضاءٌ التواصل الاجتماعي المستعر هو الآخرُ صداها إلى كل فج عميق، سوى الشجرةَ التي تحجب عن الأنظار الضعيفة غابةَ الخذلان التكاملي لهذا البلد الذي تقطع أوصاله وتثنيه مع ذلك عن الحراك الإيجابي العصاباتُ القبلية والسياسوية والجهوية والطبقية المستترة حربائيا بالدين والمستحكمة نهبا وفسادا في مصادر المال العمومي والخصوصي.
بقلم: الولي سيدي هيبه