رمشة … / تأمل بين السياسة والواقع …/ محمدو ولد أحظان

 

دخلت السياسة في يوم عاصف من أيامها دار الواقع محتمية من الحر والغبار، ولم تتوقف إلا داخل صالونه، فرحب بها واحتفى. ولما قدم لها واجب الضيافة وأخذها المجلس قال لها:
– الحمد لله الذي أدخلك إلى داري بعد هجران طويل في الزمن وتنكر شديد في كل الأقنعة والثياب، وتهرب في الحواري والقفار والملاذات. أجيبيني كيف حالك؟
فأجابته وقد انشرح صدرها للحديث عن نفسها:
– ما دمت في دارك سأصرح لك بحقيقتي لكن لاتخبر أحدا من أبنائي السياسيين بذلك حتى لا يتناحروا ويأخذ بعضهم برقاب بعض. وأنا أترك لهم الخيار وأهبهم حسب أهوائهم ومؤهلاتهم؛
إن أحوالي أربعة لا تجدني في غيرها. وليس لي حال واحد.
الحال الأول: حال مالا يقال ولا يفعل. وذاك هو المحرم السياسي الفعلي والقولي. ولا يقتحمه إلا الكفار بالسياسة. وهو حال الورع السياسي.
الحال الثاني: وهو حال ما يقال ولا يفعل؛ وهو حال التهرب السياسي من تصديق الأفعال للأقوال،
وهو الجائز في سلوكي من صور العلاقات العامة وبهرج القول، والمجاملات، وغير ذلك من الكذب السياسي الأبيض وادعاء الفضلية والحمد بما لم يعمل. دون أن يترتب عليه شر مطلوب لذاته إلا ما كان من خاصية الكذب المهذب.
الحال الثالث: مايفعل ولا يقال؛ وهو حال التسخير، ألا وهو مجال المستحب من النجاعة والحيلة، والتنفيذ المتستر بالقوالب البراقة دون ذكر للحقيقة الخفية أو الإعلان عنها. وفيه ظاهر فيه الرحمة وباطن من قبله العذاب. وهذا حال قال فيه إمام هذا المذهب السياسي ميكيافيلي مالم يقله غيره وهو أن الغايات تبرر الوسائل، ويعبر عنه شعب من شعوب الأرض ب”بلتيك”..
الحال الرابع: حال ما يقال ويفعل. وهو حال التدبير والسياسة الرشيدة والتشاور و يشمل تدبير الاقتصاد وإرشاد المجتمع، والتبصر في اتخاذ القرارات، والحكمة في العلاقات الدولية، وإصلاح السلطة التتفيذية وتأهيل السلطلة التشريعية وتقويم السلطة القضائية، وعقلنة السلطة الصحفية، وتحرير الطاقات الإبداعية للأفراد والتجمعات.. وهو حال صعب المنال يقصر أغلب أبنائي عن طلبه.
سألها الواقع وقد غرق في تأمل عميق:
وأي هذه الأحوال أفضل عندك؟
فأجابته:
كلها مني، وأفضلها للحكام والمحكومين حال التدبير، ولكن عهدي بالسياسيين أن يدخلوا من أي باب من هذه الأبواب الأربعة كلما احتاجوا إلى ذلك.
وهكذا أنا أعطي أبنائي دائما حسب هممهم وأهليتهم وأهوائهم.
ولم تكمل السياسة جوابها إلا وهي تخرج من دار الواقع دون أن تودعع وتسير في الشوارع لتمنح أبناءها حسب ميولهم المختلفة.

د. محمد ولد أحظانا

مقالات ذات صلة