خاطرة : بضاعتنا …ردت إلينا …./ خديجة ابراهيم
..
بعد سنوات من الغياب عن مسقط رأسها تعود قناة المحظرة من جديد وهي شامخة عالية كباسقات النخل لها طلع نضيد كما كانت لأول مرة ،متربعة على عرشها وقد اتكأت على حرفين “هنا” ولدت وهنا ساستمر.
أول قناة أسسها القائمون على إذاعة موريتانيا بتاريخ 2 مارس ألفين وأربعة عشر حيث كانت من بناة فكرهم حرفيا ، وقد أحدثت في تلك الفترة ضجة إعلامية واسعة بصفتها اول وليد محظري في تاريخ الإذاعة برمته ،وكانت إضافة نوعية وجزءا كبيرا من اتساع دائرة الإصلاح الإذاعي الذي دأبت عليه الإذاعة من أجل تحقيق أهداف ،وغايات ،وطموحات المتلقى في كل مكان من ربوع هذا الوطن .
تأسيس المحظرة لامس وجدان وعواطف ذائقة هذا المجتمع القرآني لكونه من نظمه الخاصة العامة، فبدأت تعطي أكلها بشكل واضح متمثلا في برامجها المتنوعة الهادفة ، مخرجة من ثقل هذه الأرض المباركة ، حفظة القرآن والسنة النبوية الشريفة وظهرت آثارها واضحة ، بفوز العديد من النشء الطيب،رغم العولمة، والتطورات والتحديات العالمية، التي يعيشها بلاهوادة ، وجاءت في وقت مناسب بعد أن أوشك الشباب وغيرهم ،يفقد الكثير من مبادئه وقيمه المعهودة.
المحظرة أيضا كشفت عن جانب مضيئ من محصولها خلال سنوات بثها التى اتفقت واتحدت مع الجودة ، والقوة والنزعة التقليدية والتجديد الروحي للمجتمع الموريتاني المحافظ .
كما تركزت سياستها في أمرين: أولهما محبة القران الكريم وأهله , ثم ترسيخ مبدأ الوطنية والأمن والاستقرار ، وبعبارة أوضح تأييد الاسلام والسلم الاجتماعي ،والاهلي ،في أبهى صوره الإنسانية والمهنية ، وهو ما انعكس جليا على أداء ومحتوى القناة.
المحظرة أعطت كذالك العلماء والدعاة وحفظة القران الكريم حقوقهم في تأسيس ونشر ثقافة الوعي والسلام بين أبناء الشعب الواحد، متخذة من نفسها مفهوم لبنات ، بناء الوحدة وتجاوز الخلاف والإبقاء على جذور التماسك الاجتماعي الدينى الموحد، وهو ما كان جليا في كثير من مناسباتها.
فمن يتابع مواضيعها ومحتوياتها الرائعة حتى اليوم ،ويتمعن في حيثياته، يجد لها حضورا قويا ومقاما كبيرا،وساحة خضراء ومتسعا رحبا ،وظلا وافرا تتفيأ به كل الفئات العمرية المختلفة ،ومن جميع أطياف المجتمع، فعودتها لمكانها ومكانتها الآئقة هي أشبه بحركة الإصلاح الدينى والاجتماعي التي يرى فيها أصحاب المبادرة، بالزامية عدم اختصارها على العملية التربوية الحديثة فقط التي تسهم وبشكل قاطع ، في زيادة الوعى الثقافي والعلمي والاجتماعي، وانما ايضا في إعتماد المحظرة كمقوم ايديولوجي استراتجي، فهي المعلم الرئيسي لمعالم هذا البلد، ونوع من الإرشاد النفسي والروحي لتعليم النشء، ومنبرا رحبا، يعلن في عزم وثقة، أن عملية الإصلاح الإعلامي الإذاعي هي أصيلة في ذاتها، تعمل على إحياء التراث الثقافي الدينى لهذه الأمة العظيمة، وتنقيته من الشوائب التى تحاول أن تعلق به ،وتعبر عن نبل اهداف العملية الإصلاحية التي تشهدها الاذاعة.
فقد كان تأسيس المحظرة، عملا وطنياً شجاعا ،يسيرعلى طريق التنمية البشرية ويدعم النهضة ومسيرة الحياة في البلد ويطور المبادئ والأفكار والأسس التي استمدها الشعب من تراثه الإسلامي العربي الإفريقي العريق، واسترجاع خصائص شخصيته الشنقيطية المتميزة.
فما دام لنا ماض تليد قامت عليه النهضة الأوروبية الحديثة واستفادت منه نظريا وتطبيقيا في شتى الميادين وحققت به تقدما ملحوظا، فإن تمثل هذا الماضى العظيم في نفوسنا سيدفعنا لا محالة إلى إحيائه وبعثه وسيكون لنا هاديا في طريق التنمية والتقدم.
خديجة إبراهيم