نافذة على التاريخ والثقافة والاقتصاد في ولاية آدرار…/ تقرير : محمد اسماعيل

تتمتع وادان وشنقيط وأوجفت وأطار بألق ثقافي، منقطع النظير، جسدته الحركة العلمية والتجارية، لهذه المدن، إبان عصورها الذهبية، حيث كانت تشكل محطات للقوافل ومراكز للتسوق، وحواضن للثقافة الإسلامية والعربية والإفريقية، فضلا عن ما يميزها من خصوصية معمارية لاتزال معالمها شاهدة على عبقرية الأنسان في هذه الأرض المعطاء.

وتمثل هذه المدن أيقونة مدائن التراث، وتاج حاضرها، ومستودع سرها، وقصب سبقها، بعلمائها الموسوعيين وشيوخها الربانيين، ومحاضرها الجامعة، ومكتباتها الزاخرة الزاهية بعلومها النافعة، وصيتها الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.

وتحتوي هذه المدن على عشرات آلاف من المخطوطات النادرة في شتى مجالات المعرفة، موزعة بين المكتبات الأهلية والمتاحف الأثرية، مثل اتويزكت وانتيد واماطيل ووادان وشنقيط، مما يؤهل كل واحدة من هذه المدن لأن تكون عاصمة للثقافة بكل جدارة واقتدار.

اهتمام هذه المدن بالعلوم والمعارف يتقاطع مع رؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الهادفة إلى إرساء دعائم المدرسة الجمهورية، باعتبارها مشروعا حضاريا يستهدف تحصين المجتمع.

فالمدرسة الجمهورية، هي علم يرفرف في سماء المجد، ونشيد وطني تردده الإجيال، ومعلم متقن، وتلامذة نجباء يتنافسون على محبة العلم وفضل كسبه.

حلم تحقق بعد طول انتظار، ملحمة مجد تغذيها ذاكرة الأيام المجيدة، حبر يخط بمداده الذهبي قصة نضال شعب على صفحات التاريخ الناصعة، شعلة في فلق الليل البهيم تضيء حياة أبنائنا، مقاربة تربوية بثمار عطائها يتألق المبدعون.

لقد تبنى فخامة رئيس الجمهورية برنامجا انتخابيا يرتكز على مقاربة إصلاح التعليم، باعتباره قاطرة التنمية الاقتصادية وأداتها الأمثل لترسيخ تعاليم ديننا الإسلامي والثقافة العربية والافريقية، استشرافا لبواعث التنمية المحلية، وتشبعا بقيم المواطنة واللحمة الاجتماعية في ظل دولة قوية بحكامتها الرشيدة، قوية بمؤسستها العسكرية، قوية بوحدتها الوطنية، وحدة الدم والتاريخ والجغرافيا.

حقيقة تعززها معطيات واقعية سطرتها أياد وطنية مخلصة في قرارات ملهمة مكنت من عودة تلامذة السنة الأولى ابتدائية إلى صفوف المؤسسات النظامية، ووفرت المدارس، والكتب والمناهج التربوية، ووحدت الزي المدرسي، وضاعفت أعداد المدرسين.

وهو ما تؤكده المعطيات الميدانية، على مستوى ولاية آدرار ، حيث تم تزويدها في ظل السياسة الجديدة بأكثر من (5000) قطعة من الزي المدرسي الموحد، و(119) مدرسا جديدا، لتغطية الحاجة من المعلمين الجادين لمدارسها البالغة (132) مدرسة، (60) منها في أطار، و(44) في أوجفت، و(15) في شنقيط، و(13) بوادان.

خيار وطني، ينبض من حقيقة مفادها أن التعليم أصبح أولوية مطلقة في صلب الاهتمامات الرسمية، باعتباره فرض عين لتمام الذات المسلمة، وشرطا جوهريا لمن أراد أن يذيب جليد التخلف، ولمن أراد أن يلامس قمة المج، ولمن أراد أن تكون له حظوة في بناء الدولة الحديثة، ولمن أراد، ولمن أراد.

تقوم المدرسة الجديدة على فلسفة أخلاقية تربوية تبث قيم المواطنة وتعزز وحدة الصف عبر خلق جيل وطني متماسك، يؤمن بعقيدة وحدة مصيره، ّوحدة أرضه ودينه ومقدساته، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم :”كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته”.

إننا أمام لحظة تاريخية، تستمد وجاهتها من نداء فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أسس، بصدق المجاهد وعزيمة البطل، اللبنة الأولى لبناء المدرسة الجمهورية ليجد فيها كل طفل موريتاني فرصة لنمو طاقاته وتفتق مواهبه في ظل موازنة تعيد للمعلم كرامته ومكانته القيادية في المجتمع، انطلاقا من حكمة القول:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا.

إن ترسيخ القيم المعرفية على أسس صلبة يقود حتما إلى تعمير الأرض وزراعتها بمختلف المحاصيل، لضمان توفير المنتجات الزراعية المتنوعة داخل الأسواق، بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي، الذي يشكل نقطة الارتكاز في برنامج (أولوياتي الموسع) لفخامة رئيس الجمهورية، وهو ما أكده، قولا وفعلا، بدعوته الصريحة للمجتمع لنبذ الاتكالية والخمول والانخراط، كل من موقعه، في الحملة الزراعية.

وتحقيقا لهذه التطلعات، فقد تمت مضاعفة الجهود من خلال متابعة مباشرة من وزير الزراعة ووالي الولاية، في زيارة استطلاعية لمقاطعات الولاية الأربع، بغية معرفة مدى تقدم الحملة لمعالجة النواقص وتداركها، خصوصا في ظل وجود العديد من المناطق الصالحة للزراعة بمختلف أنماطها، بما فيها الزراعة الواحاتية، والزراعة تحت النخيل، مثل (اكرارت لفرص) و(يغرف) و(أرشات) و(دكدك) و(لبحير) و(تاكنز)و (أم أشناد) و(المرفك) و(لمصيدي) و (تنمرورت) و(لكديم).

وبعد تجاوز موسم الزراعة المطرية، يتطلع المزارعون إلى تحقيق نتائج أفضل في الحملة الزراعية الشتوية، متسلحين بالمعرفة والخبرة في مكافحة الآفات، ديدنهم الكفاح والأمل في تحقيق الأهداف، صامدين في وجه التحديات صمود النخلة والجبل.

وتشكل واحات النخيل المصدر الأول للدخل الفردي على مستوى الولاية، لما تنتجه من تمور ذات جودة عالية، ولما تحمله النخلة من فوائد متعددة تدخل في صناعة مختلف مكونات البيت الآدراري، فضلا عن ما تدره من منافع صحية وصناعية وثقافية على المجتمع.

ويقدر عدد النخيل في الولاية بأكثر من مليون وأربعمائة ألف نخلة، وهو في تزايد مستمر بفضل جهود مشروع الواحات، الذي أنجز العديد من الحقول النموذجية الجديدة في عموم مقاطعات الولاية، وجهزها بوحدات ري لمقاومة ندرة المياه السطحية.

القول بأن ولاية آدرار هي ولاية مقاومة هو تحصيل حاصل، ففيها وقعت معارك مشهودة ضد المستعمر كبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد من بينها معركة أماطيل وحمدون واجحافيه وشوم واكصير الطرشان.

وتحتوي الولاية من الناحية الصحية على مركز للاستطباب بأطار، وخمسة مراكز صحية، تتوزع على مختلف المقاطعات، و(33) نقطة صحية و(11) سيارة إسعاف، تسيرها طواقم طبية متخصصة تواصل ليلها بنهارها لرفع التحديات الصحية، خصوصا في ظل انتهاء أشغال مستشفى الشمال، الذي يعد أكبر مؤسسة استشفائية في المنطقة.

وبخصوص التنمية الحيوانية، فتحتوي الولاية على أكثر من(150 ) ألف رأس من الأغنام و(60) ألف رأس من الإبل، تنتشر في المناطق الرعوية داخل مختلف مقاطعات الولاية، وخصوصا في منطقة (أمساكه)، التي تعتبر أكبر مخزون رعوي يطيب فيه المقام لرعاة الماشية من مختلف ولايات الوطن.

اقتصاديا، تشكل السياحة رافدا أساسيا للتنمية المحلية، تحرصها عيون أمنية وعسكرية ساهرة، وطائرات حربية تجوب أجواء البلد والمنطقة، حماية للوطن والمواطن، وصونا لحوزتنا الترابية، وتحقيقا للانتعاش الاقتصادي، تعززها موارد سياحية، فريدة من نوعها، من بينها المدن الأثرية والمواقع التاريخية وواحات النخيل، مثل كلب الريشات وكلب أولول، واكويدير وامكجار، وكلتت البرباره، وزيرة انيان، وواحة ترجيت وامحيرث وتمنيت وتونكاد والمداح.

مواقع سياحية تستقطب آلاف السياح سنويا، بفضل جو الأمن والاستقرار، الذي تنعم به بلادنا، خصوصا في موسمي الكيطنة والشتاء، لما يميزهما من أجواء وتقاليد تعكس تعلق الساكنة بالثقافة، فعبر امتداد جغرافية الولاية، يسامره الجود أينما حل الضيف وارتحل، التمر واللبن والألعاب التقليدية والمدائح النبوية والأماسي الشعرية، تقاليد تذكي وهج الفرح حينما يحلو السمر تحت سقف العادات الآدرارية.
وتتوفر الولاية على سلسلة جبلية يصل ارتفاعها إلى (800) متر، وكثبان رملية ممتدة على مساحات شاسعة، تعانقها الهضاب في مشهد سياحي آسر، مما يؤهلها لأن تكون قبلة للسياح من أوروبا، ومن مختلف بقاع الدنيا، خصوصا في ظل تنوع تضاريسها، وشموخ جبالها، واتساع سهولها، وجمال جوها الصحراوي ومناظرها الخلابة.
ويتعزز هذا الواقع بوجود بنية تحتية سياحية متنوعة، من بينها (72) نزلا مرخصا، و(22) وكالة سياحية، وسلسلة من الفنادق والمطاعم، تعززها أصول الضيافة وحسن المعاملة وجودة الخدمات ومعرفة عميقة بمسالك الأرض ودروبها.
ومما يمكث في الأرض وينفع الناس، ما تحقق لساكنة الولاية من إنجازات، في ظل هذه العهدة الميمونة، نذكر منها مثالا لا حصرا، توسعة شبكة الماء بمدينة أطار، مما رفع طاقتها الإنتاجية من (2500) إلى (6000) متر مكعب في الساعة، بغلاف مالي ناهز (98.42) مليون أوقية قديمة على نفقة الدولة.

تقرير : محمد اسماعيل

مقالات ذات صلة